هي ليلة تعبق بسحر الموسيقى الأصيلة، تمازج فيها صوتان ومدرستان موسيقيتان من جبل العرب بسوريا إلى جبال إدواتنان بالمغرب، عانق فيها كل من الفنان وعازف العود المغربي إدريس المالومي والعازفة والمغنية السورية وعد بوحسون جراح العود صوب سماوات لامتناهية من الإبداع الراقي، الهادئ، بعيدا عن ضوضاء الفن السريع. بصوت ساحر أخاذ، مفعم بالروحانية، يذكرنا بالزمن الجميل للفن الأصيل، سافرت الفنانة السورية ابنة جبل العرب وعد بوحسون بجمهور أصيلة على جناح من وتر، ليلة الجمعة، إلى معارج الصوفية ومع إشراقات مولانا جلال الدين الرومي» يا واهبا سلطان سر العالمين» والحلاج «يا نسيم الريح»، وصبابة ابن زيدون لولادته «إني ذكرتك بالزهراء مشتاقا»، ولواعج مجنون ليلى»قولوا لها إني مازلت أهواها»، بالإضافة إلى موشحات أندلسية ومقطوعات من الغناء النبطي، مانحة الجمهور، ولما يقارب الساعة، لحظة إنصات عميق لصوت الروح في تذللها لخالقها، ومناجاتها لدواخلها. وعد التي تشتغل على مشروع موسيقي كبير، يؤسس لإعادة إحياء التراث الموسيقي العربي من خلال الاشتغال على قصائد الشعر القديم، الذي ترى أنه يحمل أسرار كثيرة، وخصوصا التراث الصوفي، الذي تؤكد أن الدارسين لم يتناولوا منه سوى المكتوب، أصدر لها معهد العالم العربي بباريس أول ألبوم بعنوان «صوت الحب» لتقرر بعدها الخوض في بحر الموسيقى العربية الأصيلة، غناء وتأليفا وتلحينا، رفيقها في رحلة البحث هاته عودها العربي القسمات، الأصيل التقاسيم. رحلة قادتها إلى التتويج بجائزة أفضل تسجيل موسيقي إبداعي تراثي وهي جائزة شارل كرو الفرنسية. تركز وعد بوحسون في اختيارتها الغنائية على شخصية الشاعر الذي تغني قصائده، وتسعى في نفس الوقت إلى مقاربة موسيقية جديدة للتراث العربي والإسلامي تنتصر للأصيل باعتباره جزءا من الهوية والكينونة العربية. وكعادته، بصم الفنان إدريس المالومي على لحظات فارقة بمعية فرقته، وأطل على جمهور أصيلة مقترحا بطاقة «سفر» إلى عوالم الذات، بحثا عن معنى للحياة ضاع في زحمتها قبل أن يحط بهم على سطح القمر»أيور»، قمر أمازيغي يهدهد الأحلام كي تنام فيما هو يحرسها، ليعود بالجمهور إلى ممكنات اليد التي تصنع الغد والأفق بحوار بين الأنامل، حوار بين الشرق والغرب ما أحوج الإنسانية إليه اليوم في معزوفة «حديث الأنامل». وكانت أقوى لحظات الليلة الموسيقية الديو المشترك بين الفنانين من خلال إهداء خاص لمدينة أصيلة التي تحتفي بالجمال في كل تجلياته عبر مقطوعة «أصيلة هواك ساكن جوا الروح» والتي تفاعل معها الجمهور كثيرا.