يستعد البرلمان الأوروبي نهاية الشهر الجاري لمناقشة تقرير حول صرف ميزانية الاتحاد الأوروبي في سنة 2013 الذي أعدته رئيسة لجنة المالية النائبة الألمانية إيجيبورج غراسلي والذي يتضمن أيضا توصيات قدمها المكتب الأوروبي لمكافحة الغش منذ سنة 2007 بخصوص المساعدات الأوروبية المقدمة لمحتجزي تندوف، بعد التقرير الذي أعده حول الموضوع والذي أكد أن جزءا كبيرا من هذه المساعدات كان يتم تحويلها لتباع في أسواق الجزائر موريطانيا ومالي. ورغم أن تقرير المكتب الأوروبي لمكافحة الغش أعد منذ حوالي ثماني سنوات وأشار بالأدلة الملموسة كيف يتم اختلاس المساعدات الأوروبية الموجهة لساكنة تندوف لتنتهي في جيوب قادة الانفصاليين والمسؤولين الجزائريين، إلا أنه ظل حبيس الرفوف ولم يسمح إلا لأفراد قليلين الاطلاع عليه، كما أن التوصيات التي تقدم بها لوضع حد لعملية الاختلاس هذه ظلت حبرا على ورق، إلى أن تم كشفه في دجنبر الماضي وهو ما أثار ذهول العديد من المراقبين وجعل وسائل إعلام عديدة في الدول الأوروبية تسلط الضوء على ما اعتبرته واحدة من أكبر عمليات الغش التي وقع الاتحاد الأوروبي ضحية لها. وحاولت البوليساريو والجزائر، دون جدوى، الإدعاء بأن الأمر متعلق بحملة منظمة من طرف المغرب، لكنهما لم تستطيعا أن تجيبا عن أسباب قيام نواب ووسائل إعلام غير معروف عنها التعاطف مع المغرب، بالتنديد بهذه الممارسات غير الأخلاقية .. فبعد بلجيكا، السويد، فرنسا، إيطاليا وغيرها انضمت وسائل الإعلام الإسبانية لتكشف عن مضمون تقرير المكتب الأوروبي لمكافحة الغش الذي ظل مقبورا حوالي ثماني سنوات، والمعطيات التي لا يرقى إليها الشك والتي تؤكد أن قادة البوليساريو والجزائر اغتنوا، ولسنوات طويلة، على حساب معاناة المحتجزين، بل وصل بهم الأمر إلى الكذب في واضحة النهار على الاتحاد الأوروبي من خلال تضخيم عدد المحتجزين لتلقي مزيدا من الأموال كانت تنتهي في جيوبهم. وفي هذا الإطار نشرت يومية إيل موندو مقالا مطولا استنادا إلى المعطيات التي كشف عنها التقرير المذكور الذي يقع في 25 صفحة، ويغطي التقرير الفترة الممتدة من 2003 إلى 2007، حيث تم التحقق من تحويل المساعدات المقدمة إلى ساكنة تندوف إلى أسواق في الجزائر، مالي وموريطانيا. التحقيق الذي قام به المكتب الأوروبي لمكافحة الغش انطلق سنة 2003 عندما اكتشف مسؤول بالاتحاد الأوروبي صدفة في أحد أسواق مالي حيث كان يقضي عطلته، أكياسا تباع للعامة تحمل علامة الوكالة الأوروبية للمساعدات الإنسانية ويضم كل واحد منها 25 كيلو غراما من الحليب المجفف .. ويقول التقرير إن الذي سهل عمليات الاختلاس هذه تقديم الاتحاد الأوروبي لمساعدات غذائية لفائدة 155 ألف لاجئ على مدى سنوات، وهو رقم قدمته الجزائر ولا يستند إلى أي إحصاء، حيث لم تسمح الجزائر لحد الآن للمفوضية السامية للاجئين بإحصاء ساكنة المخيمات. ومع بدء التحقيق كلف الاتحاد الأوروبي مركزا للأبحاث بالتأكد عن طريق الأقمار الصناعية من العدد الحقيقي للمحتجزين الذي حدد إبانها ب 91 ألف شخص، وهو ما يعني أن الاتحاد الأوروبي ظل يقدم مساعدات ل64 ألف شخص غير موجودين على أرض الواقع. ومن بين أساليب الغش التي كشفها التقرير إقدام المسؤولين الجزائريين وقيادة البوليساريو على إفراغ أكياس المواد الغذائية القادمة من أوروبا وتعويضها بمواد غذائية محلية أقل جودة.. وكشف التقرير أيضا إجبار البوليساريو أسرى الحرب المغاربة للعمل في بناء مستشفى ومدارس بتمويل من الاتحاد الأوروبي الذي كان يوفر أيضا أجرة العاملين في البناء، غير أن قيادة البوليساريو كانت تشغل الأسرى المغاربة بدون تعويض وتحتفظ لنفسها بالمبالغ المتبقية والغريب في الأمر أن التقرير رغم كشفه عن تضخيم أعداد المحتجزين بشكل مقصود إلا أن الاتحاد الأوروبي ظل يحول مساعدات سنوية بقيمة 10 ملايين أورو دون تقليصها ما دام أن العدد الحقيقي للذين توجه إليهم المساعدات أقل بكثير من العدد المعلن. وفي حين أكدت النائبة الألمانية إيجيبورج غراسلي أن الأمر يتعلق ب»فضيحة مدوية» توقعت مصادر مطلعة أن يتم تقليص المساعدات بناء على هذه المعطيات التي تكشف الوجه الحقيقي للمتاجرين بقوت ومعاناة محتجزي المخيمات، وكيف أن عملهم على إطالة أمد هذا النزاع المفتعل كان وما زال يعود عليهم بالنفع غير آبهين بمصير المحتجزين..