احتجاج تيار ولد الرشيد يربك مؤتمر الاستقلال    تطوير مبادرة "المثمر" ل6 نماذج تجريبية يَضمن مَكننة مستدامة لأنشطة فلاحين    حكيم زياش يتألق في مباريات غلطة سراي    زلزال بقوة 6 درجات يضرب دولة جديدة    الأكاديمية تغوص في الهندسة العمرانية المغربية الإسبانية عبر "قصر الحمراء"    الرابطة الرياضية البيضاوية يؤكد ان الوحدة الترابية قضيتنا الاولى    بوزنيقة : انطلاق المؤتمر 18 لحزب الاستقلال بحضور 3600 مؤتمر(فيديو)    ممثل تركي مشهور شرا مدرسة وريبها.. نتاقم من المعلمين لي كانو كيضربوه ملي كان صغير    حالة "البلوكاج" مستمرة في أشغال مؤتمر حزب الاستقلال والمؤتمرون يرفضون مناقشة التقريرين الأدبي والمالي    طقس السبت: أمطار وطقس بارد بهذه المناطق!    جمارك الجزائر تجهل قانون الجمارك    الصحراء تغري الشركات الفرنسية.. العلوي: قصة مشتركة تجمع الرباط وباريس    رئيس بركان يشيد بسلوك الجمهور المغربي    على هامش المعرض الدولي للفلاحة.. إطلاق هاكاثون الذكاء الاصطناعي للفلاحة القادرة على الصمود أمام التغير المناخي    فضّ الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأمريكية: ماذا تقول قوانين البلاد؟    المدير العام للوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات : المغرب مركز أعمال من الطراز العالمي    بركة يتهم النظام الجزائري بافتعال المؤامرات وخيانة تطلعات الشعوب المغاربية    شبكة جديدة طاحت فالشمال كتبيراطي شبكات الاتصالات الوطنية وها المحجوزات    اكتشف أضرار الإفراط في تناول البطيخ    "طوطو" يشرب الخمر أمام الجمهور في سهرة غنائية    أكبر صيد أمني منذ عشر سنوات.. 25 طنا من الحشيش المغربي تدخل أوروبا    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    البطولة الوطنية الاحترافية "إنوي" للقسم الأول (الدورة ال27).. الشباب السالمي يتعادل مع ضيفه مولودية وجدة 0-0    رئيس اتحاد العاصمة صدم الكابرانات: المغاربة استقبلونا مزيان وكنشكروهم وغانلعبو الماتش مع بركان    المغرب يعتزم بناء مزرعة رياح بقدرة 400 ميغاوات بجهة الشمال    تتويج 9 صحفيين في النسخة الثامنة للجائزة الكبرى للصحافة الفلاحية والقروية    الأمثال العامية بتطوان... (583)    تفريغ 84 طنا من منتجات الصيد البحري بميناء مرتيل خلال الأشهر الثلاثة الأولى لسنة 2024    السعودية تحذر من حملات الحج الوهمية عبر مواقع التواصل الاجتماعي    قميص بركان يهزم الجزائر في الإستئناف    عطلة مدرسية.. الشركة الوطنية للطرق السيارة تحذر السائقين    الأميرة للا مريم تترأس اجتماعا بالرباط    للجمعة 29.. آلاف المغاربة يجددون المطالبة بوقف الحرب على غزة    مقتل 51 شخصا في قطاع غزة خلال 24 ساعة    بيدرو روشا رئيساً للاتحاد الإسباني لكرة القدم    مصرع 10 أشخاص في حريق بفندق برازيلي    مندوبية السجون تغلق "سات فيلاج" بطنجة    هل ستعتمدها مديرية الناظور؟.. مذكرة تمنع تناول "المسكة" في المدارس    دراسة: التمارين منخفضة إلى متوسطة الشدة تحارب الاكتئاب    الأمير مولاي رشيد يترأس بمكناس مأدبة عشاء أقامها جلالة الملك على شرف المدعوين والمشاركين في المعرض الدولي للفلاحة بالمغرب    ‬غراسياس ‬بيدرو‮!‬    الصين تؤكد التزامها لصالح علاقات مستقرة ومستدامة مع الولايات المتحدة    بايتاس : الحكومة لا تعتزم الزيادة في أسعار قنينات الغاز في الوقت الراهن    "شيخ الخمارين ..الروبيو ، نديم شكري" كتاب جديد لأسامة العوامي التيوى    سعر الذهب يتجه نحو تسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    احتجاجا على حرب غزة.. استقالة مسؤولة بالخارجية الأمريكية    الشرقاوي يسلط الضوءَ على جوانب الاختلاف والتفرد في جلسات الحصيلة المرحلية    تطوان .. احتفالية خاصة تخليدا لشهر التراث 2024    محمد عشاتي: سيرة فنان مغربي نسج لوحات مفعمة بالحلم وعطر الطفولة..    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    السعودية قد تمثل للمرة الأولى في مسابقة ملكة جمال الكون    عرض فيلم "أفضل" بالمعهد الفرنسي بتطوان    مؤسسة (البيت العربي) بإسبانيا تفوز بجائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها ال18    الأمثال العامية بتطوان... (582)    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محطات من حياة وطني كبير .. وفاء لروح الوطني والمقاوم والاتحادي سي محمد بوراس الفيجيجي

انتقل إلى عفو الله ورحمته الوطني والمقاوم وأحد مؤسسي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الأخ محمد بوراس الفيجيجي بمدينة تارودانت، يوم الأحد 23 غشت 2020، ليدفن بالمقبرة الكبرى بباب الخميس قرب رفيقه في الوطنية والنضال عمر المتوكل الساحلي .
وفي علاقة بهذا المصاب الجلل نود من تارودانت أن نقدم للقراء والمهتمين خلاصة تركيبية لحياة الفقيد انطلاقا من مذكرات الفقيه الفيكيكي التي تحمل عنوان " سفر في زمن المقاومة والنضال"والمنشورة سنة 2015.
هو محمد بوراس، المعروف بالفيجيجي، من قبيلة زناكة بمنطقة فيجيج بن محمد العربي بن محمد البشير، قدمت أسرته تضحيات حيث استشهد جده من جهة الوالدة وأصيب والده ووالدته في مواجهة الاستعمار الفرنسي نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وسي محمد بوراس من مواليد أوائل العشرينيات وأوراقه الرسمية تحمل سنة 1927. للفقيد أربعة إخوة، أختان وأخوان، يكبرونه سنا، وأخت أصغر منه. تلقى تعليمه الأول بمسجد القبيلة حيث ختم القرآن مرتين ودرس الفقه والنحو والمنطق الصوري، ثم التحق بالقرويين سنة 1944، وكان مستواه المعرفي والتعليمي متقدما على أقرانه وعلى ما يدرس، ورغم كل محاولاته ليجتاز امتحانا يخوله المستوى الذي يستحق أن يدرس به اضطر سنة 1946 للتوجه إلى عبد العزيز بن ادريس الذي نصحه بالذهاب إلى مؤسسة بن يوسف بمراكش حيث شكلت لجنة من عالمين ليختبراه ويقررا بأن يلتحق بالثانوي.
وبمراكش تعرف على الفقيه البصري وبوشعيب الدكالي والحريزي وبوشعيب البيضاوي وآخرين… وكان من مؤطريهم في الوطنية والسياسة كل من عبد الله إبراهيم المتواجد بمراكش والمهدي بنبركة وأبوبكر القادري… تأسست جمعية للطالب باقتراح من عبد الله إبراهيم وأجريت انتخابات تمثيلية على مستوى كل قسم وانتخب هو وثلة من الشباب، منهم بوشعيب الدكالي ومحمد بلحاج، ومحمد البصري، وعبد الرحمن بلفضيل، وبوشعيب البيضاوي … وأصدروا مجلة أسموها "الشرارة "، أصبح للجمعية صدى ووزن تجاوز مراكش ليؤثر في طلبة فاس ومكناس، حيث تم الاتفاق مع عبد الله إبراهيم ليتجه كل من بوراس والبصري إلى الرباط عند سي بوبكر القادري للتنسيق معه للسفر إلى فاس ومكناس، فعقدت لقاءات مصغرة كشفا فيها غايتهما وموضوع تأسيس الجمعية بكلتا المدينتين…
وأثناء زيارة محمد الخامس لمراكش سنة 1950، قام، رفقة بضعة طلبة، بالتشهير ببعض الخونة عن طريق كتابة أسمائهم على الجدران، وكان من القلائل الذين قاموا بالاتصال مع بعض العلماء لجمع عرائض مؤيدة لمحمد الخامس الذي كانت تجمع عرائض ضده بإيعاز من المقيم العام وإشراف القياد الخونة ومنهم الباشا الكلاوي. وفي سنة 1951 كان من المشاركين الرئيسيين في تنظيم إضراب للطلبة احتجاجا وتضامنا مع طلبة القرويين بسبب توقيف أستاذين بها بتوجيه من الإقامة العامة للسلطات الاستعمارية، ونجح الإضراب الأول ثم نظم إضراب ثان لامحدود للتضامن حول نفس الموضوع، ليستدعى الفقيه بوراس من طرف الباشا بمراكش حيث اقتيد مكبل اليدين ب " الحجيلة "وهو حبل صغير، ويعتقل ويتعرض للضرب بعصبة الثور 200 مرة تناوب عليها أربعة مخازنية، كما اعتقل العديد من رفاقه وتعرضوا للتعذيب مثله، إلى أن أفرج عنهم بتدخل من السلطان محمد الخامس ليتنهز فرصة إطلاق السراح ويتجهه إلى البيضاء للتواصل مع وطنيين منهم مبارك منار. وقد كلفه حزب الاستقلال بتنفيذ برنامج محاربة الأمية بمراكش، ليتعرض للاعتقال والتهديد بسبب ذلك، حيث منعوا من تنظيم دروس محاربة الأمية بمدرسة الفضيلة، وقد كان من ضمن الوفد الذي زار السلطان بالرباط لتقديم تهاني عيد الفطر سنة 1951، كما التقوا بعد ذلك بولي العهد الحسن الثاني .. وكانت أعمالهم وأنشطتهم متنوعة تشتمل حتى العمل المسرحي، حيث توفق في الحصول على رخصة لعرض مسرحية بسينما مرحبا بأكادير، لكن وبسبب حملة اعتقالات استباقية لمقدم وفد من الأمم المتحدة مخافة تنظيم وقفات احتجاجية ضد الاستعمار كان من المعتقلين أعضاء فرقة التمثيل فتعرض بعضهم للإبعاد من مراكش، غير أن بوراس بادر إلى استدعاء طلبة آخرين إلى أكادير ليتدربوا على المسرحية وليتمكنوا من استيعاب أدوارهم في زمن قياسي ليتم عرضها، وفي اطار إعادة ترتيب الأوضاع تم إجراء الاتصالات للقاء الملك محمد الخامس حيث رافق بوراس ثلاثة طلبة فطلبوا منه التدخل لأن بيوتهم مشمعة وطلب منهم التوقيع عدليا على الالتزام بعدم التدخل في أمور السياسة وعدم الاتصال بالحزب وأخبروه بأنهم لايرضون بذلك ووعدهم خيرا، وبقي الوضع على حاله لمدة شهر وزيادة لعدم قبولهم بالعودة والاتجاه عند الباشا بمراكش لترتيب طي ملفهم، ليخبروا لاحقا بأن الملك قال إن المشكل حل وعليهم الرجوع إلى مراكش، وتبين أنه تدخل فقط حتى لا يتم اعتقالهم، وعادوا ليجدوا بيوتهم لاتزال مشمعة ليبحثوا لهم عن مساكن بديلة، وقد تعرضوا للاعتقال بأمر من ابن الباشا الكلاوي الذي كان ينوب عن والده في سفره بسبب الشك في أنهم وراء كتابة أسماء الخونة على جدران مراكش وتم جلده 50 جلدة، وليمنع بعض زعماء الطلبة من الاقتراب من كلية بن يوسف، ويؤمر بوراس بمغادرة المنطقة وسترفض الإدارة تسليمه شهادة الانتقال التي توضح مستوى دراسته ليرحل إلى الدار البيضاء، وبعد هدوء العاصفة أرسلت له الشهادة ليسجل نفسه بالقرويين بفاس …
وبلغ إلى علمهم، عن طريق الإعلام، العملية التي وقعت بمراكش والتي نظمتها المقاومة بنفس المدينة ضد الباشا الكلاوي عميل الاستعمار، وبعد حملة الاعتقالات التي طالت قياديين من المقاومة منهم حمان الفطواكي وعمر الساحلي ومحمد السوسي … إلخ، وبعد انكشاف خلايا المقاومة والإبعاد الاحتياطي لبعض المقاومين والقياديين إلى مناطق أخرى منها الشمال، شكلت قيادة شبابية جديدة من أربعة افراد لتدبير المرحلة مكونة من بوراس وبوشعيب الدكالي والمنوزي سعيد..وعملوا على إحداث خلية بفاس بعناصر من الشرق والبيضاء
وكان الفقيد صلة وصل قوية بين الزرقطوني والفقيه البصري والمقاومة بالبيضاء ومناطق أخرى من المغرب منها فاس ومكناس ووجدة والناضور وفكيك و…تعرض للاعتقال في مارس 1955 .
وذكر في مذكراته أنه في 1952 بعد اعتقال أعضاء اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، في سياق التضامن والاحتجاج على اغتيال الزعيم النقابي فرحات حشاد، تصادف وجود عبد الرحيم بوعبيد مع المجاهد الحنصالي في زنزانة واحدة، وكان بوعبيد من المدافعين عن الحنصالي.
تكلف بعقد لقاء مع أحرضان الضابط بالجيش الفرنسي بعد وساطة واتصال قام بهما د. الخطيب والبكاي، وتم يوم 11 يناير 1955، وحضره سعيد المنوزي واتفقوا على طريقة للتواصل بينهم.
كما تم الاتصال مع أحد الأشخاص بعثه المجاهد عبد الكريم الخطابي المتواجد بمصر ، وكان موضوع اللقاء المساعدة في أعمال المقاومة بالريف، وكلف بوراس عباس المسعدي بالاتصال بمرسول الخطابي وتبين لهم أن هذا الشخص له علاقة بالمخابرات الفرنسية…
وتعددت الاتصالات التي يقوم بها بوراس في اطار توفير ظروف عمل أكثر قوة ومردودية مع الالتزام الكبير بقواعد السلامة والحذر، وفي علاقة بكل التحركات كان هناك عمل مواز سياسي ونقابي أعقبه ظهور خلاف وتباين في طرق العمل سجله عبد الله إبراهيم على المحجوب بن الصديق، وفي هذا قال الشهيد إبراهيم الروداني وفق ما وثقه بوراس في مذكرته ( ها حنا غدي نشوفو هاذ المحجوب آش غدي يخرج منو )، اعتبارا للمنافسة بين مجموعتين، واحدة تدعم المحجوب والثانية تدعم الطيب بن بوعزة، ولقد طلب بوراس من عبد الله إبراهيم أن يتدخل بقيادة حزب الاستقلال لدعم المقاومة لكنهم اعتذروا، وقال لهم عبد الله إبراهيم من الأفضل أن تعتمدوا على أنفسكم …
في مارس 1955، وفي كمين نصبه الاستعمار الفرنسي بعد وشاية إسباني كان في علاقة تجارية مع أحد أعضاء المقاومة باعه شاحنته، اعتقل بوراس ونقل إلى الرباط معصوب العينين حيث تعرض للتعذيب من أجل انتزاع أسرار الملف وأسماء لها صلة بالمقاومة، وبعد أيام حضر الإسباني الواشي ليحكي، بحضور بوراس المعصوب العينين، الذي ميزه من صوته، تفاصيل عملية الشراء والحوارات التي دارت معه، ثم نقل إلى معتقل الشرطة بالمعاريف بالبيضاء، وتمكن من تسريب معلومات لخارج السجن لإثارة انتباه القيادة بالبيضاء بواسطة أحد ضباط الشرطة المتعامل مع بعض القياديين حتى يغادروا المنطقة لتجنب اعتقالهم، ومنهم بوشعيب الدكالي وسعيد المنوزي وعباس المسعدي، وكان بوراس يعلن لهم أثناء التحقيق عن أسماء المتعاملين مع الاستعمار على أنه يتعامل معهم، وبعد اطمئنانه لمغادرة القيادة للدار البيضاء اعترف لهم بأنه يعمل من أجل استقلال المغرب وعودة السلطان من منفاه، وأن ما يقوم به هو من جنس ما قام به الفرنسيون ضد الاستعمار الألماني، ونفى أن يكون لحزب الاستقلال أية علاقة بالمقاومة دعما أو توجيها، وكان الاستنطاق يستمر معه من الثامنة صباحا إلى منتصف الليل… وبقي على هذه الحال لأكثر من شهر ونصف، ليتم نقله إلى وارزازات مقيدا للتعرف على رجل نفى معرفته به رغم ترهيبه وتهديده لينقل مرة أخرى إلى البيضاء ويحال بعد أشهر من التعذيب على قاضي التحقيق بالمحكمة العسكرية، فطالب بحضور محاميه في التحقيق الذي نصحه بقول ما يعرف، وكان ذلك اليوم هو أول وآخر يوم حضر فيه ذلك المحامي. في مساء اليوم الأول نقل إلى سجن القنيطرة للتحقيق، وكان تعامل القاضي لبقا وذكيا لا عنف فيه، حيث قرأ عليه محضر الشرطة ليقوم بوراس بنفي ما يراه يحتاج للنفي ويسكت عن غيره، وفي أحد أيامه بسجن القنيطرة أطل عليه من نافذة الزنزانة الوطني والمقاوم الشاب عبد الفتاح سباطة، الذي كان معتقلا أيضا، والذي صدر في حقه حكم بثلاثين سنة، وكان يكلف بأعمال النظافة بالسجن، ولم تكن له سابق علاقة مباشرة معه، وهو من زوده بمصحف بطلب منه ومن قام بنقل المعلومات من المقاومة والوطنيين بالخارج إلى الفيجيجي ومنه إلى الخارج، كما سرب تقريرا يهم المقاوم بنبوبكر وآخرين، المعتقلين بنفس السجن، يخبرهم فيه بأنه لم يفش أي سر ولم يذكر أسماءهم أثناء التعذيب بالمعتقل، وبعد محاولات تم جمعه معهم في جناح واحد لكن كل واحد في غرفة، كما سربت خلاصة تقريره إلى كل من الفقيه البصري ومولاي عبد السلام الجبلي، اللذين نقلا من سجن غبيلة إلى نفس السجن بالقنيطرة، ولقد كان الوطنيون يقومون بتعليم وتقديم الدروس في محاربة الأمية للمعتقلين الآخرين في أوقات الاستراحة، وعمل قاضي التحقيق على إجراء مقابلة بين بوراس وكل من الفقيه البصري ومولاي عبد السلام وقد وُضع فوق رأسه طربوش ورقي يحجب وجهه ويمكنه، عبر ثقب، من رؤية من هم أمامه حتى لا يتعرف عليه أحد منهم وسأل عن معرفته بهم فنفى، ليتم بعد ذلك إصدار الأوامر بنقله نحو سجن غبيلة وذلك ما تم، ليجد بالسجن بعد ذلك كلا من حسن العرايشي، ومحمد منصور، وبوشعيب الغندور، وعبد القادر عسو، وكلهم محكوم عليهم بالإعدام، ولقد نظمت عملية هروب كل من البصري وسباطة ولحسن الصغير كللت بالنجاح، وبعد عودة محمد الخامس من المنفى يوم 16 نونبر 1955 وتشكيل حكومة برئاسة البكاي، شرع القضاء في إطلاق سراح المعتقلين تباعا من سجن القنيطرة والبعض من سجن اغبيلة، لكن لم يفرج عن بوراس الذي كان مازال شبه مستثنى من التسهيلات التي تقدم للآخرين، وفي فبراير1956 نقل باقي المعتقلين ومنهم بوراس إلى " فوريان الدار البيضاء " بعين الشق تحت رقابة حراس السجن، وهكذا اقترح بوراس على منصور الهروب من المعتقل فوافق وأخبر آخرين وتم إخبار بونعيلات خارج السجن بالعملية ليحضر سيارة لنقلهم لينطلقوا فارين وملتجئين لبيت عائلة الورداني بدرب الشرفاء بالدار البيضاء ليلتحق بهم هناك، كل من البصري وحسن الأعرج.
وتزامنت هذه المرحلة مع نداء للملك محمد الخامس يطلب فيه من من الناس أن يسلموا الأسلحة إن كانت بحوزتهم، وفي نفس الوقت كان جيش التحرير المغربي يكمل بناءه وتنظيم قواته المتواجدة في مناطق جبلية مختلفة استعدادا لاستكمال معركة التحرير حتى طرد المستعمر والاستقلال التام مخافة تراجع المستعمر، وسمى بوراس هذه المرحلة أي 1956 "زمن الفوضى"، حيث بادر البعض في إطار تنفيذ عشوائي لنداء تسليم السلاح للقيام بنصب نقط تفتيش تسببت في فوضى واضطراب وتعسف طال حتى المقاومين الذين لايعرفهم هؤلاء، وكادت تحصل مشكلة مع سي محمد منصور الذي كان محكوما بالإعدام من الفرنسيين، وكان يحمل سلاحا واعترضه البعض ولحسن الحظ تعرف عليه واحد من الحاضرين ونبههم، واضطر معها العديد من المقاومين إلى تغيير هوياتهم ووثائقهم تحسبا للالتقاء برجال الدرك، ليتم الانتقال إلى وجدة بتنظيم من سعيد بونعيلات ثم إلى الناظور للالتقاء بموقع تجمع أعضاء جيش التحرير والملتحقين به فوجدوا هناك قيادات منهم، التهامي النعمان، واعمر الحريزي، وسعيد ولد الحاج، وكان المسؤول عن هذه المنطقة عباس المسعدي وعبد الله الصنهاجي .
وفي هذه الفترة وصلهم خبر وفاة عباس المسعدي، ولاحتواء الحدث الخطير وتجنب تطورات أخطر تم تسريع مصالحات بإشراف من عبد اللطيف بنجلون وأحرضان الذي عين عاملا بالرباط بعد الاستقلال، وقد حضر بوراس في اجتماع التهدئة – لم يحضره الفقيه البصري – بين المقاومين لتجنب السقوط في شراك صراعات، وتم استقبال نخبة من جيش التحرير من طرف الملك محمد الخامس ليعود بعد ذلك للناظور ثم تطوان، وقد تسرب إلى علم بعض المقاومين أن جهات بجيش تحرير الشمال اتخذت قرارا باغتيال بوراس نظرا لمخالفته وانتقاده لطريقة عملهم وقمعهم لبعض المقاومين، وفي نفس المرحلة أغتيل الشهيد إبراهيم الروداني وآخرين بالبيضاء…
وألحقت قيادة حزب الاستقلال باللجنة السياسية كلا من محمد بوراس ،ومحمد البصري، وعبد الرحمن اليوسفي، وعبد السلام الجبلي، وحسن صفي الدين، والمحجوب بن الصديق عن النقابة وضمن أعضاء هذه اللجنة السياسية أعضاء اللجنة التنفيذية لم يحضر اليوسفي لاجتماعاتها بشكل كلي، وحضر الجبلي الاجتماع الأول فقط وبقي الآخرون يداومون على الحضور .. وبعد اعتقال أحد قادة جيش التحرير الذي التحق بالجيش الملكي من طرف قيادات جيش التحرير بالشمال ليودع وآخرين بسجن بريشة، وبتدخل من ولي العهد الذي طلب من الملك عقد مجلس وزاري للتداول في هذا الحدث وا ستدعى بوراس ليقوم بدور الوساطة للإفراج عن المعتقلين، وذلك ما حصل ورافقه لمتابعة العملية أحد الحراس الخاصين لولي العهد…
وبعد صراعات واختلافات بحزب الاستقلال وبين الوطنيين شكلت حكومة عبد الله إبراهيم ليعمد بوراس للتفرغ للعمل في المنطقة الشرقية لتقوية التنظيم والتوعية السياسية ومتابعة كل قضايا الشرق..
وفي علاقة بموضوع جيش التحرير ومنذ 1957 ارتكز العمل على حماية المنطقة الشرقية لعلاقتها بالأراضي المغربية التي لم يتم استرجاعها بعد والعلاقة مع جيش التحرير والمقاومة الجزائرية، والجنوب المغربي الذي مازالت أراضيه خاضعة للاستعمار الإسباني، وقام حرمة ولد بابانا الذي كان نائبا بالبرلمان الفرنسي بزيارة لمكتب المقاومة بدرب الشرفاء بالبيضاء حيث استقبله بوراس الذي اتصل بالفقيه البصري وبقيا على اتصال بحرمة، وبفال ولد عمير، والداي ولد سيدي بابا، والمختار ولد اباه وكلهم كانوا أعضاء بالبرلمان الفرنسي، كما كانت هناك اتصالات منفردة بزكرياء أمير ترارزة ، ومن بين القضايا موضوع التشاور والتنسيق الصحراء المغربية المحتلة، وتم تقديم الأربعة للملك محمد الخامس وأصبحوا يتوفرون على سكن بالمغرب، وكانت نوايا وإرادات الجميع موحدة على توحيد شمال إفريقيا بعد نهاية الاستعمار .
ولقد لعب بوراس دورا كبيرا في تنظيم جيش التحرير بالشرق حيث أسست قاعدة عسكرية كبيرة ، وكانت تتواجد بالمنطقة قواعد عسكرية للجيش الفرنسي، وكذا السلطة المغربية وتواجد لجزائريين من جبهة التحرير، الذين يقومون بأعمال عدائية ويعتقلون كل من لايريد مساعدتهم أو التعاون معهم، وكان مركز بوعنان تحت قيادة عمر النعيمي السوسي من تارودانت الذي كان بالجيش الجزائري قبل أن يلتحق بجيش التحرير المغربي، وبالخصوص بفيجيج، وكانوا يتوصلون بالدعم وبالسلاح من كلميم بالجنوب المغربي، وكانوا يعملون من أجل وضع حد للفوضى التي يتسبب فيها الجنود الجزائريون، وفي نفس الوقت يفتحون قنوات للتفاهم ، ورتب لقاء للبعض منهم مع محمد الخامس 1958، وكان رفقتهم بوراس الذي خاطب الملك قائلا إن هذا الوفد الذي يمثل ذو يمنيع ، وأولاد جرير ، ولعمور جاؤوا لرؤية الملك وليسمعوا منه هل تلك المناطق مغربية فأجاب الملك (عرفتوا هاذ الباب اللي انتوما واقفين عليها راه بحال هنا بحال تما)، وللإشارة فقد كان جيش التحرير المغربي متحكما في المنطقة الشرقية أي بشار المغربية، ورغم أن الأمور تسير كما يخطط لها جيش التحرير المغربي إلا أنه بدأ التحرش من طرف البعض بتحريك رجال الدرك وبعض الأشخاص بمن فيهم عامل منطقة قصر السوق في محاولات منهم لتفكيك الجيش وإضعافه بإبعاد الجنود والمتطوعين عنه، والتي فشل معظمها.
ولقد تسبب الاختلاف في تدبير إتمام استقلال المغرب بين جيش التحرير المغربي وقيادته العسكرية والسياسية في علاقة بحزب الاستقلال الذي كان حزبا يجمع كل التوجهات، حيث كان علال الفاسي من المتحمسين لاتمام الاستقلال وعمل الجيش إلا أن الأمور تحولت إلى صراع داخل حزب الاستقلال لتقع القطيعة بعد تعيين الملك لحكومة بلافريج سنة 1958، حيث شدد الخناق على جيش التحرير بمنعه من الاقتراب من الجيش الفرنسي، وبموازاة مع ذلك كانوا في مناوشات مع الجيش الجزائري الذي يستفز ويتعسف وكان جيش التحرير المغربي يردعهم ويعتقلهم أحيانا، ولمعالجة المناوشات مع جبهة الجزائر عقد لقاء بالرباط رفقة حسن لعرج السكتاني مع عبد الحميد مهري، حيث تبين أن ما يقع متعمد وأن نيتهم جميعا هي الاستيلاء على الأراضي المغربية، إلا أن جيش التحرير المغربي تمكن من نشر قواته وبسط نفوذه بالمناطق الاستراتيجية بشرق المغرب وبقي الاتصال مستمرا بانتظام مع القيادة الوطنية المتواجدة بالدار البيضاء بمنطقة بوشنتوف بليوط ، وكان مكلفا بالاتصلات اللاسلكية والراديو بعض الجنود الصحراويين المغاربة، الذين كانوا بالجيش الإسباني، حيث ترفع تقارير عن الأوضاع والتحولات والمستجدات، وربط الاتصالات أيضا بجيش التحرير بالجنوب المغربي بكلميم وقياديين منهم الشهيد إبراهيم التزنيتي ، وادريس بنبوبكر، إضافة لوجود بنسعيد ايت ايدر وباهي بمنطقة بيزاكارن.
ولقد شنت حملات إعلامية ممنهجة ضد المقاومين والوطنيين وأعضاء من جيش التحرير في علاقة بسياسة حكومة بلافريج وتوجه قياديين من حزب الاستقلال، وكانت جريدة "الأيام" التي يسيرها أحمد زياد تقوم بالدور الأساسي في التهجم والإساءة، وتطورت الأمور إلى اعتقال بعض الوطنيين والمقاومين بجيش التحرير بالشرق ليقدم الجيش المغربي على تطويق كل مراكز جيش التحرير بالمنطقة، وبعد لقاءات بين بوراس والملك محمد الخامس تم تطويق المشكل والنزاع وتم الإفراج عن جميع المعتقلين وتزامن هذا مع تبعات ملف عباس المسعدي، الذي سينقل رفاته إلى أجدير، واستغل البعض ذلك وشرع في إتلاف مقرات حزب الاستقلال، وكان ما سيعرف ب"أحداث الريف"، وفي ظل هذه الاضطرابات سقطت حكومة بلافريج، ولتجاوز الأزمة عين محمد الخامس أواخر 1958 عبد الله إبراهيم رئيسا للحكومة، وكان عبد الرحيم بوعبيد وزيرا للاقتصاد ، ومن تداعيات الصراع داخل حزب الاستقلال قرر بوراس وآخرين الانسحاب من اللجنة السياسية والقيام بعقد لقاءات تواصلية بمختلف ربوع الوطن لشرح موقفهم وقراراتهم وكان بوراس مكلفا بالشرق، وقامت حكومة عبد الله إبراهيم بمبادرات وأعمال إيجابية كان لها الصدى بالوطن، وفي هذه الأجواء طالب كل من عبد الله إبراهيم وعبد الرحيم بوعبيد بجلاء الجيش الفرنسي من المغرب، وقال أحد المسؤولين الفرنسيين متحديا: ( سنرى من سيجلى ، أنحن أم هم ؟)، وفي ماي 1960 تمت إقالة حكومة عبد الله إبراهيم ، وشكلت حكومة يترأسها الملك محمد الخامس وبها أحزاب باستثناء الاتحاد الوطني للقوات الشعبية .
ولقد شهد المغرب حملات من القمع والاعتقال طالت العديد من القادة الوطنيين والمقاومين وقيادات جيش التحرير المغربي، وتوبع العديد منم بتهم ملفقة موضوعها مؤامرة اغتيال ولي العهد وبقوا معتقلين إلى أن أصدر الملك الراحل محمد الخامس بلاغ العفو عنهم .
وبعد العفو مباشرة شرع الاتحاديون سنة 1960 في الإعداد للانتخابات، حيث حصلوا على أغلبية المقاعد في المدن الكبرى، وفي أكتوبر 1960 ذهب بوراس رفقة عبد الرحيم بوعبيد الذي ألقى محاضرة بوجدة ، وبعد عودتهما علم بحدوث اعتقالات كبيرة شملت حتى بنموسى وبنحمو، وأخبر بنسعيد الذي التحق ببوراس وقررا الاختفاء حيث استقر بضيعة مولاي العربي التي بقي بها قرابة 3 أشهر ونقله بنسعيد إلى موقع آخر حيث وجد إبراهيم التيزنيتي مختفيا أيضا، وبقوا كذلك إلى اليوم الذي توفي فيه محمد الخامس في فبراير 1961، حيث تم الانتقال إلى الشمال وسلك طريق المهربين للدخول إلى سبتة مع عدم استعمال جوازات سفرهم فاعترضهم بعض الحراس الذين أسروا لهم باسم اليوسفي فتركوهم يمرون، وقام بعض الوطنيين بنقل متاعهم وحاجاتهم ليغادروا بالباخرة إلى إسبانيا ثم بالحافلة من مالقا ومنها إلى باريس حيث كان في انتظارهم مولاي المهدي العلوي، الذي كان طالبا وقتها، وليقوم المهدي بنبركة بعد أسبوعين بإعداد إجراءات تنقل بوراس، والحسين الصغير، ومصطفى العماري، وأحمد الفطري، إلى يوغسلافيا، وشرعوا في تعلم اللغة المعتمدة في صربيا، وكانت تصلهم منح لمصاريفهم الشخصية الضرورية.
وبالمغرب استمرت حملة الاعتقالات لتصل إلى المقاوم الكبير لفاخري، الذي كشف بعد التعذيب العنيف عن مخبأ السلاح المخصص لمواجهة الاستعمار، و صدرت أحكام ، يوم 20 غشت، موزعة من السجن المؤبد والحكم بالإعدام على عبد السلام الجبلي، ومحمد بنموسى الساحلي 20 سنة سجنا، وأحكام متفاوتة على إخوانهم المعتقلين بالمغرب، وبعد تعبير بوراس عن عدم رضاه بالبقاء بيوغوسلافيا أرسل إليه بنبركة بطاقة الطائرة إلى بيروت ليجد في استقباله الوطني والمقاوم الكبير أحمد المرابط ليلتحق بدمشق بسوريا حيث يوجد إبراهيم التيزنيتي، وعمر الفرشي، وعمرو العطاوي، والتحق بعض رفاقه بالجزائر بعد استقلالها ليبقى بوراس بسوريا إلى حين وقوع الانقلاب بها في مارس 1963، وفي زمن الانقلاب زار كل من اليوسفي والبصري سوريا للتهنئة بنجاح الانقلاب، وأقنع الفقيه البصري بوراس بضرورة الانتقال إلى الجزائر رغم تحفظه من السفر إليها لوجود خلافات بينه وبين بعض قيادات الجزائر، وبعد التقائه بالإخوان توجه إلى وهران وبعدها بلعباس والتحقت أعداد أخرى بالجزائر ، التي رحبت بالملتحقين في زمن بنبلة، وفي نهاية حكمه وقعت خلافات واعتقل العديد ليوضعوا بمعسكر الوطي، ووقع خلاف بين الجماعة ومولاي عبد السلام الجبلي من جهة ومولاي عبد السلام وبوراس من جهة أخرى، وفي الوقت الذي كان يستعد فيه بنبلة لعقد الصلح مع المغرب قاد بومدين انقلابا في يوليوز1965، وجاء عند بوراس كل من اليازغي وبنسعيد ليخبراه بضرورة الاحتياط، ولتقرر الجماعة أن يغادر بوراس الجزائر فسافر إلى باريس بجوازه المغربي، وبعد مدة أراد التوجه لروسيا لمعالجة عينه المريضة ولما كان بألمانيا اتصل بأحد الإخوة بفرنسا ليخبره بحدث اختطاف المهدي بنبركة، ولما رجع لباريس بدأ بالتنسيق مع مولاي عبد السلام بشأن جواز سفره الذي أشرفت صلاحيته على الانتهاء، وأنجز له جواز سفر بالسفارة السورية باسم جديد لتجنب التعرف عليه واختطافه، خاصة وأنه محكوم في المغرب بالسجن المؤيد، وللتغطية على عدم وجود ختم دخوله لفرنسا قام بوضع شكاية للأمن يخبر بضياع جوازه ليعطى بعد أيام شهادة الضياع وحل الإشكال، وسافر بعد ذلك إلى روسيا لعلاج عينه وتصادف وقت انتهاء علاجه وهو مقيم بالفندق الاستعداد لاستقبال الملك الحسن الثاني، الذي كان في زيارة لروسيا وطلب من مرشده أن يحوله لفندق آخر لأن وفدا رسميا سيحل به، وكانت غايته تجنب أن يكون شخص ضمن الوفد المرافق للملك، وخاصة حراسه الشخصيين الذين يعرفهم ويعرفونه في أوقات لقاءاته به أو بالملك محمد الخامس، كان هذا في 1966 ، ليعود إلى باريس فاتصل به عبد الفتاح سباطة يخبره بأن شخصا يريد رؤيته ليجد أن الأمر يتعلق بالفقيه البصري .
وبقي بوراس يتنقل بين عدة دول، وكان عمله وتحركاته ومبادراته في تنسيق تام مع اتحاديي الداخل واتحاديي الخارج واللاجئين تجنبا للقمع أو الاعتقال أو تنفيذ الأحكام الصادرة ضدهم، وكان العمل يشمل التأطير والتكوين الفكري والتدريب، وتنظيم استقبال ورعاية ودعم وتيسير إقامة وتنقل واندماج اللاجئين، بما في ذلك إعداد الوثائق والجوازات ضمانا لحمايتهم وتجنب مراقبة تحركات العديد منهم، وكان بوراس متحفظا جدا من أحد كبار الضباط بالجيش المغربي يطلق عليه " جنرال"، الذي التحق بهم وكلف بالإشراف على التداريب، وأخبر ونبه مرارا بعض القياديين بشكوكه، ومنهم الفقيه أثناء إحدى زياراته لسوريا.
وبعد أن قدم إلى دمشق من براغ أبلغ بأن حملة اعتقالات تمت شملت أحمد بنجلون وبونعيلات بإسبانيا وسلما للسلطات المغربية، وغيرهما ممن لديهم جوازات سفر سورية رحلوا لسوريا بتدخل من السفارة السورية أما التيزنيتي فرحل للسجن لأن رخصة إقامته انتهت إضافة إلى ما حجز معه .
وفي سنة 1971 في تزامن مع زيارة اليوسفي لدمشق كتب بوراس رسالة للفقيه البصري يخبره بأن ما يقومون به هو ضرب من العبث وأن ذلك ينتج عنه المزيد من الاعتقالات، ولخص قراره بقوله" فلتعتبر من الآن أنني أتخلى عن الحركة"، وسلم الرسالة مغلقة لليوسفي ليسلمها للفقيه البصري، وفي 1972 زار بنونة بوراس في سوريا وأحاطه علما بالتسلل الذي سيقومون به من الجزائر عبر فيجيج فنبهه إلى أنه لم يعد معهم في هذه "الحريرة" وأن هذه مغامرة مكشوفة وستثير الشكوك من البداية، واتفق على لم شمل أسرة بوراس بتنظيم تهريب الزوجة والابنين الصغيرين من المغرب عبر الجزائر، وأنجزت جوازاتهم وأرسلت إليهم بمقر إقامتهم بوهران ليسافروا إلى إيطاليا دون مرافق وقام بوراس باستقبالهم بمطار دمشق وسجل الأبناء بالمدرسة .
وفي 3 مارس 1973 استمع إلى أخبار أحداث مولاي بوعزة بإذاعة إسرائيل بالعربية، والتي عبر بوراس عن رفضه تنفيذ أية مهمة للجماعة لأنه متشبث باعتزاله، وبعد وصول الأبناء للجامعة وتدخل قياديين وطنيين من المقاومة عند الدولة المغربية أعطيت التعليمات لتسوية وضعيتهم بإعداد جوازات سفرهم المغربية وتوصلهم بالمنحة المغربية.
وفي سنة 1977 سافر إلى باريس لزيارة الطبيب وتصادفت زيارته زيارة لعبد الرحيم بوعبيد لفرنسا، وقام مولاي المهدي العلوي بتحديد موعد لقاء بينهما، واقترح عليه بوعبيد التدخل لتيسير عودته للمغرب فاشترط أن يعود معه شخص عزيز عليه اسمه محمد ساعة، الذي كان وراء الإشراف على دخول الجماعة من الجزائر إلى فيجيج ثم كولميمة، وفي سنة 1980 صدر عفو ملكي ليطلب الإلتقاء بصديقه ساعة بباريس ودخلوا سويا إلى المغرب، وللإشارة فقد خرج بوراس من المغرب في 28 أكتوبر 1960 وعاد إليه في 29 أكتوبر 1980، وكان في استقباله أعضاء من المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي واللجنة الإدارية للحزب، ونظم حفل استقبال بمنزل الحبيب الشرقاوي، وحاول بوراس التدخل باتفاق مع بوعبيد عند الجابري لثنيه عن الاستقالة بعد أن تعطلت مساعيه لرأب الصدع مع جماعة أحمد بن جلون، ولم يسفر تدخل بوراس عند الجابري عن أية نتيجة لتشبث الأخير بقراره، وبالمؤتمر الرابع للاتحاد الاشتراكي انتخب عضوا باللجنة الإدارية للحزب إلا أنه عبر عن عدم استعداده لتحمل أية مسؤولية حزبية وأخبر لجنة الترشيحات بالمؤتمر الخامس بقراره.
وبقي الفقيه الفيجيجي سي محمد بوراس مستمرا في وفائه لوطنيته الصادقة ومبادئه ورفاقه في الوطنية والاتحاد واليسار، يتتبع بشكل كبير كل قضايا المغرب والأوضاع السياسية والحزبية برؤية نقدية موضوعية بناءة، وكان دائم التواصل مع رفاقه وأصدقائه إلى أن أقعده التعب والهرم، ليختار الحضور إلى تارودانت عند ابنه جمال وليلقى ربه ويدفن بتارودانت يوم الأحد 23 غشت 2020.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.