ولخطاب الملك في النفس وعليها وقع خاص، خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش خطاب هام للغاية، أتى في لحظة انتصار قصوى …. خطاب العرش توسل حقلا دلاليا معظمه يدور حول الجدية، فقد استل خطاب العرش قيمة الجدية، التي طبعت دائما سلوك المغاربة، وضخ فيها نفسا جديدا حين دعا جلالته إلى المزيد من الجدية للارتقاء بالمسار التنموي، الذي وصل إلى درجة قصوى من التقدم والنضج، إلى مرحلة جديدة …الجدية طبعت الإنجازات المغربية وتفتح باب الإصلاحات الكبرى … الجدية هي الكلمة المفتاح للخطاب السامي الذي ألقاه جلالة الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش، وهي الخيط الناظم للخطاب الذي تطرق إلى العديد من المحاور، مستحضرا الإنجازات التي تمت بسواعد وعقول مغربية، ومؤكدا على الموقف المغربي الراسخ من قضية الصحراء وعلى اليد التي ما زالت ممدودة إلى الجيران في الجزائر …الجدية مفتاح عهد جديد من الإصلاحات والمشاريع الكبرى … خاطب جلالة الملك ليلة السبت الأمة في خطاب العرش السامي بلغة « تمغربيت « الأولى، التي يتحدثها الناس هنا منذ بدأت الأيام، لغة صادقة، واضحة وسلسة، يفهمها ويتذوقها الجميع . وقال جلالة الملك للمغاربة إن الجدية وحدها تدوم، وأن البلد يحتاج أبناءه وبناته الجديين في كل المجالات، لأنهم وحدهم، ولأنهن وحدهن، يستطيعون الذهاب بالبلاد تحت قيادة جلالته إلى بر الأمان . قال جلالة الملك ما يقوله المغربي وتقوله المغربية يوميا « بغينا المعقول « فقط . تذكرنا، وقد ذكرنا بها جلالته في مستهل الخطاب الملكي السامي السبت، أننا يوم « درنا النية « في مجال واحد مثلا هو الكرة، أبهرنا العالم بأسره، وفرضنا على الكرة الأرضية كلها أن تردد اسم المغرب مقترنا بكل آيات الإعجاب والاندهاش والافتخار. لذلك الوصفة المغربية جاهزة: نبوغنا المغربي، وطريقة تنفيذها أيضا جاهزة : بسواعد وعقول المؤمنين بالجدية حتى النخاع في كل المجالات . ولذلك لا سر في المسألة، ولا لغز وراء النجاح، إذا كنا نريده في كل شيء يهم عيشنا المشترك . يقول جلالة الملك: «…والجدية يجب أن تظل مذهبنا في الحياة والعمل، وأن تشمل جميع المجالات: الجدية في الحياة السياسية والإدارية والقضائية: من خلال خدمة المواطن، واختيار الكفاءات المؤهلة، وتغليب المصالح العليا للوطن والمواطنين، والترفع عن المزايدات والحسابات الضيقة . وفي المجال الاجتماعي، وخاصة قطاعات الصحة والتعليم والشغل والسكن . والجدية كمنهج متكامل تقتضي ربط ممارسة المسؤولية بالمحاسبة، وإشاعة قيم الحكامة والعمل والاستحقاق وتكافؤ الفرص». إننا في حاجة ماسة إلى مزيد من الجدية و «المعقول» في تدبير الشأن العام، خصوصا بعدما لامسنا المكانة التي يتحلى بها المغرب، والتي جعلته محط احترام وتقدير الدول العظمى بفضل الإنجازات الرياضية والديبلوماسية والأمنية، وهو ما يفرض علينا تحقيق المزيد من الإنجازات الكبرى، ولا سيما على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والديبلوماسي. الجدية تعني القطع مع سوء التدبير وهدر الزمن التنموي في الصراعات السياسوية الضيقة وتفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة، والأكيد أن المعضلة التي يواجهها الشأن العام ببلادنا لا تتعلق بندرة الموارد المالية أو قلة الكفاءات البشرية، بل غياب قيمة الجدية التي تحول الأقوال والنوايا إلى قرارات عمومية . إن الدعوة الملكية للسياسيين والمسؤولين باعتماد الجدية منهجا في التدبير ليست دعوة من باب الترف وقلة المواضيع أمام الملك، بل هي الطريقة الوحيدة التي من شأنها أن تقوي السياسات وتضخها بالنجاعة المطلوبة، وتفرز القرارات الخادمة لمصالح المواطنين، وما لم يتحل المسؤولون، من رئيس الحكومة إلى أصغر مسؤول، بالجدية في عمله، فلا يمكن الادعاء بأنهم مسؤولون يمثلون الشعب وتطلعاته، بل يمثلون شريحة صغيرة ذات مصالح غير قادرة على تحقيق انتظارات المغرب مهما توفرت الفرص . المغاربة سمعوا ملك البلاد يقول إن الحاجة ضرورية اليوم لكفاءات ووجوه وطاقات جدية… إن هذا الملك يريد العمل، ويبحث عن الصادقين للعمل معه . نعرف أن المغرب هو بلد كفاءات، وبلد شباب، وآخرين أقل شبابا قادرين على إبداع كل الطرق والحلول للنهوض ببلادهم والسير معها جنبا إلى جنب في كل مراحلها ، وأساسا في مرحلتها الجديدة المقبلة . هناك اقتناع، هناك توافق بين الملك وبين شعبه؛ أن الحاجة ماسة إلى الجدية، إلى الوجوه الجدية، والكفاءات الجدية، والطاقات الشابة التي يمتلئ بها خزان هذا البلد حد الإبهار . وهذه المرة كانت واضحة أكثر من المرات السابقة، وتقول باسم الشعب وباسم الملك معا، إن الحاجة ماسة لضخ الدماء الجدية في العروق، التي لم تعد تستطيع الاشتغال بشكل سليم …إن المسالة تهم مستقبل بلد بأكمله .