يبدو أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لا يستطيع أن يمر أسبوعًا دون أن يذكر "دولة لا يريد ذكر اسمها" — وهو في الحقيقة يذكرها أكثر من أي دولة أخرى! ففي آخر خرجاته التلفزيونية، قال تبون بكل ثقة مصطنعة: "دول الخليج دول شقيقة ما عدا دولة وحدة ما نذكرش اسمها... حبو يتداخلوا في أمور لي دول عظمى منعناهم باش يدخلو فيها". ويا للعجب! الرئيس الذي لا يذكر الاسم، يعرف الجميع أنه يتحدث عن دولة الإمارات العربية المتحدة، التي يبدو أنها تسكن رأسه مجانًا منذ سنوات. فبدل أن ينشغل تبون بأزمات بلاده المتراكمة — من البطالة إلى الفساد إلى هروب الشباب بقوارب الموت — يفضّل إطلاق سهام الغيرة نحو دولة تبني وتبدع وتُحترم عالميًا، بينما هو يكتفي بالخطابات الفارغة. هل أصبح نجاح الإمارات جريمة في نظر النظام الجزائري؟ أم أن رؤية برج خليفة مضاءً كل ليلة تثير الحساسية في قصر المرادية؟ تبون، الذي يزعم أنه "منع" دولة كبرى من التدخل، نسي أن بلاده غارقة حتى الأذنين في تدخلات المؤسسة العسكرية التي تختار الوزراء وتُقيل الرؤساء وتحدد حتى ما يُقال في نشرات الأخبار. أي سيادة هذه التي يتحدث عنها؟ سيادة الشعارات والميكروفونات؟ الحق يُقال: النظام الجزائري بات يُتقن فن "الغيرة السياسية". فمنذ أن فقد البوصلة الإقليمية، وهو يحاول تعويض عقدة النقص بشتم من ينجحون. مرة المغرب، مرة الإمارات، وغدًا ربما سنسمع تبون يهاجم سويسرا لأنها "تتدخل في شؤون الساعة الرملية"! المشكل ليس في التصريح بحد ذاته، بل في عقلية النظام الذي يرى في كل نجاح عربي تهديدًا له. فالإمارات اليوم قوة استثمارية ودبلوماسية عالمية، بينما الجزائر تُدار بعقلية بيانات الحرب الباردة. الفرق بين البلدين كالفرق بين من يرسل صواريخ إلى المريخ ومن لا يزال يُبرر انقطاع الكهرباء في القرن الواحد والعشرين. تبون يصرّ على أن يظهر بمظهر "الزعيم السيادي"، لكن كل تصريحاته تكشف عكس ذلك: حاكم مقيد بأوامر الجنرالات، يرفع صوته فقط حين يأمره من فوق. حتى حين يهاجم، لا يفعلها بدافع قناعة بل بدافع ولاء لخطاب المؤسسة العسكرية التي تحتاج دائمًا إلى عدو خارجي لتبرير بقائها. وفي المقابل، الإمارات لا ترد. لا تحتاج إلى أن ترد. فالدول الواثقة بنفسها لا تجادل من يعيش في ظل الدبابات. الصمت هنا ليس ضعفًا، بل ازدراءً راقيًا. إن تصريحات تبون ليست إلا عرضًا جانبيًا في مسرحية النظام الجزائري الطويلة، حيث يلعب الجنرالات أدوار البطولة، ويُترك لتبون دور "الناطق الرسمي باسم الغيرة الوطنية". فيا سيادة الرئيس، حين تقرر "ألا تذكر اسم الدولة"، على الأقل تظاهر بأنك نسيت حقًا. لأن التكرار الفاضح جعل الجميع يعلم أن الإمارات أكبر من أن تُذكر، وأرفع من أن تُمسّ بكلمات الحسد والضجيج.