كتاب «حياكة (خياطة) الزمن السياسي في المغرب: خيال الدولة في العصر النيوليبرالي..» للباحث والجامعي محمد الطوزي كتاب رفيع وتوثيقي وجد جريء في تقديم أطروحته العميقة حول الدولة المغربية. وهو عمل طويل النفس تطلب من الباحث والمفكر محمد الطوزي ورفيقته في العلم والتنقيب التاريخي بياتريس هيبو، ثلاثين سنة من العمل تخلله البحث الميداني والحوارات والقراءات في الوثائق والاحداث إلخ... ونزعم أن في الكتاب أطروحة متكاملة وبنيوية لتاريخ الدولة فيها عناصر لم يسبقه إليها أحد، حسب ما اطلعنا عليه من مقاربات بشكل متواضع طبعا وطبعا. كانت لحظة إعلان الاستقلال لحظة حاسمة الأهمية، كما هو حال السنتين الأوليين اللتين تميزتا بفتح ورش ذي دلالة عالية هو ورش طريق الوحدة، ثم تمردين تطلبا تعبئة الجيش، العصيان الأول قاده عدي أوبيهي في الأطلس الكبير، والثاني في أراضي عبد الكريم الخطابي.. الريف….. اللحظات الأولى للاستقلال وضعت شروط التفاوض حول الاستقلال القوة الاستعمارية كسيدة اللعبة، وصاحبة زمام الأمر، فقد خلق إلغاء معاهدة فاس نظاما جديدا، خرج للتو من عقل ادغار فور الذي كان وقتها رئيس مجلس الحكومة، وهو الاستقلال داخل الترابط المتبادل .. وهي صيغة ليست مجرد محسنات بلاغية ولعب بالكلمات، بل محاولة لاستمرار وتمديد السلطة الكولونيالية.. بل تكرس تداخل طريقتين في تصور الدولة، فقد كانت فرنسا تدافع، ما وراء مصالحها كقوة استعمارية، عن فكرة مغرب خالد وأبدي، هو نفسه الذي تمدحه غنائية ليوطي، وقد أسعف السياق الجيوسياسي وقتها( مع أزمة قناة السويس وحيوية عبدالناصر)، في إذكاء المواقف الجاهزة عند الطرف الفرنسي من القومية العربية، وقد ساهمت فزاعة القوميين العرب الانقلابيين العسكريين والجمهوريين في تسهيل عملية انخراط القصر، وكذا جزء من الوطنيين الفرنكوفونيين، أي الاستقلاليون القريبون من الليبراليين، في مشروع تسوية توافقي سمح بدفاع أفضل عن المصالح الفرنسية. وكان لهذا التوافق، علاوة على ذلك، فضيلة تقوية دور الملكية بالحفاظ ، عبر التزام مباشر، على شكل تعاون، على الموارد الإمبراطورية الضرورية لفرملة التطلعات اليمينية لدى حزب الاستقلال.. وبهذا المعنى عمل محمد الخامس، بعد أن أصبح ملكا، على التعددية الضرورية لبقائه، والعمل أيضا، واحتمال أن يكون ذلك بدون علمه، في اتجاه التخفيف من الخيار الذي صار مهيمنا، وهو خيار الدولة الأمة … وقبل أن ينخرط الحسن الثاني، الذي كان وقتها، قد تأثر بالاشتراكية في الأوساط الوطنية، والنقاشات حول الجمهورية الرابعة في حالة عطب والديغولية المبشرة بالوعود، عن سبق إصرار، على طريق بناء دولة أمة عصرية وسلطوية لضرورات الفعالية والنجاعة… هذا التصور يرسم بانوراما يغلب عليها الشك لكنه غني بتداخل الثقافات والمشاريع السياسية، ونجد أن «كاستينغ» وفد ايكسليبان ( تحت إشرف ادغار فور، ضمت محادثاته وليس مفاوضاته ثلاث مجموعات ؟ التقليديون وهم متعاونون يعملون مع الحماية الفرنسية من أمثال الصدر الأعظم المقري، وبشوات أكادير ومكناس والدار البيضاء، والقياد في آيت عياش، الوطنيون «المعتدلون» أمثال باشا فاس الفاطمي بنسليمان، وباشا الرباط عباس الجازي، والذين لم يضعوا شرطا مسبقا عودة السلطان المنفي، والاستقلاليون والشوريون، ممثلين في امحمد اليزيد ، المهدي بنبركة وعمر بنعبد الجليل وعبد الرحيم بوعبيد وامحمد بوستة، والآخرون يمثلهم محمد الشرقاوي وعبد الهادي بوطالب، والذين دافعوا عن إلغاء الحماية وعودة السلطان عودة فورية ..) أو الحكومة الأولى التي ترأسها مبارك لهبيل البكاي( تشكلت حكومة البكاي الأولى من عشرة وزراء استقلاليين وستة من الشوريين بزعامة محمد حسن الوزاني، وأربعة مستقلين بدون ذكر رضى كبيرة الذي كان يمثل الحزب الليبرالي الصغير، أما حكومة البكاي الثانية، فقد تمتع حزب الاستقلال بوزير إضافي وبتوزير رشيد مولين عن الحزب الليبرالي، أما المستقلون القريبون من القصر والمباركين من طرف سلطات الحماية فقد تولوا مناصب أساسية كرئاسة الحكومة( الباي) ونائبه محمد غاري ووزارة الداخلية لحسن اليوسي ووزارة الصحة عبد المالك فرج ) والعفو عن التهامي كلاوي، باشا مراكش الكبير(في الثامن من نونبر 1955غادر التهامي الكلاوي مراكش نحو باريز حيث كان السلطان العائد من منفاه في مدغشقر يسوي آخر القضايا قبل العودة إلى المغرب باعتباره فارس الاستقلال المنتزع من الفرنسيين. وقد قبل السلطان استقبال التهامي لكلاوي والاجتماع به، « وكانت المرة الأولى في حياته، كان على باشا الكلاوي أن ينتظر في قاعة جانبية لمدة ساعة كاملة، وبعد أن نزع حذاءه دخل الباشا وحيدا إلى القاعة التي كان محمد السادس جالسا فيه على أريكة، جثا على ركبتيه ثم زحف إلى أن لامس قدمي السطان ثم وضع جبعته على الأرض في حين كان حاجب السلطان يضغط على كتفيه كما تقتضي العادة، وبصوت بالكاد يسمع توسل إلى السلطان أن يمنح العفو والأمان لرجل عجوز مسكين زاغ عن طريق الحق، غير أن محمد الخامس أجابه: لننس الماضي، نحن في حاجة إليك، كما الشعب في حاجة إليك، وما يهمنا ليس ما فعلته بل هو ما ستفعله في المستقبل»، بعدها ساعدوه علي النهوض وخرج وهو يرجع القهقرى مترنحا، وفي نونبر 1955 حصل الكلاوي على العفو لنفسه وعائلته بعد لقاء مع الملك محمد الخامس في سانجيرمان اون لاي، ومع ذلك فإن لجنة التحقيق التي تم تأسيسها بواسطة ظهير 27 مارس 1956 وضعته ضمن لائحة الشخصيات المحكوم عليها بالتجريد من كافة الحقوق السياسية والمدنية لمدة 15 سنة، ومصادرة جميع أملاكه قبل العفو عليه من جديد بواسطة ظهير8 نونبر 1963، ولقد توفي الكلاوي في 23 يناير 1956..) وفي ما بعد العفو عن عدي أوبيهي، أحداث تشهد على هذا التداخل، كما أنها تتناقض مع الديناميات الوحدوية لدى الوطنيين والتي ستقود إلى التصفية الممنهجة للخصوم باسم وطن واحد لا يتجزأ... وقد كان مولاي الحسن نفسه، وهووقتها في سن 28 من العمر، هو الذي سيفتتح إلى جانب المهدي بن بركة ورش طريق الوحدة الرابطة بين الجزء الذي كان تحت الحماية الإسبانية بباقي البلاد. هدا الورش عبأ 11 ألف شاب خلال صيف 1957، ولم يقتصر الهدف عند واضعيه الاستقلاليين على ربط جماعتي تاونات وكتامة، باعتبارهما منطقتين محتلتين من فرنسا وإسبانيا، بل كان الهدف قريبا من التجربة الفييتنامية والإسرائيلية وقتها بطريقة بلورة الوطن بميلاد إنسان جديد، والواضح أن هاجس التعددية الإمبراطوري كان حاضرا في طريقة وضع تمثيلية الشباب حيث كان لازما تمثيلية كل مناطق المغرب بواسطة ممثل واحد عن كل ألف نسمة.. بما في ذلك المغاربة اليهود.