بلا تردد، وبكل ثقة، يمضي حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلى الأمام، ليس فقط من أجل تجديد هياكله التنظيمية، بل أيضاً لتقويم السياسات الوطنية ورسم ملامح المستقبل، من موقعه الراهن في المعارضة. هذا الموقع، الذي اختاره الحزب عن قناعة بعد الانتخابات السابقة، وضعه في تخندق واضح خارج التحالف المتنفذ الذي يقود الحكومة، لكنه لم يسقطه في المزايدة ولا في العدمية. على العكس، ظل الحزب حريصاً على ممارسة معارضة مسؤولة، توازن بين النقد البناء والمشاركة الفعالة في النقاش العمومي حول كبرى القضايا التي تهم الشعب المغربي، من العدالة الاجتماعية إلى السيادة الاقتصادية. لقد قرر حزب الاتحاد الاشتراكي التوجه مباشرة نحو عقد مؤتمره الوطني، في احترام تام للمقتضيات التنظيمية والقانونية، وفي إطار دورة باتت عادية جداً ضمن التقاليد الديمقراطية للحزب. وقد مرت هذه المحطة داخل المجلس الوطني بسلاسة ووضوح، دون محاذير أو معيقات، مما يعكس نضج التنظيم وقوة مؤسساته. اليوم، أصبح من الراسخ أن الاتحاد الاشتراكي لم يعد ذلك الحزب الذي تتهدده المؤتمرات، بل ذلك التنظيم الذي تتجدد فيه النخب بكل ديمقراطية، وتتقوى فيه الفكرة لا الأشخاص. لقد طبع الحزب آلياته مع التمارين الديمقراطية التي راكمها واستوعب دروسها جيداً. تحديات الوطن الراهنة تتجاوز التموقعات السياسية. فالاتحاد الاشتراكي ليس مجرد معارضة أو أغلبية، بل هو فكرة، والفكرة لا تموت. هو تنظيم ينبض بنضال مناضليه ومناضلاته، هو برنامج، وهو إيمان راسخ بأن مغرباً حداثياً ديمقراطياً، متقدماً ومنفتحاً، يشكل قاطرة لإفريقيا، ويصله بأوروبا، هو مشروع ممكن، بل ضروري. الاتحاد الاشتراكي خدم قضايا الوطن في أحلك اللحظات، وقدم تضحيات غالية، سواء في سنوات الجمر أو في محطات الإصلاح. لم يتأخر عن معارك الحريات، ولم يخذل الشعب حين طلب التغيير. شارك في التناوب من منطلق الواجب، لا الغنيمة. وخدم الدولة والشعب حين كانت البلاد في مفترق طرق، فكان حزب الوفاء، لا المزايدة. في البرلمان، كان صوت العقل والاقتراح، لا الصوت العالي. في الشارع، كان صوت الكرامة والعدالة الاجتماعية، لا الفوضى. وفي المؤسسات، كان دائماً داعماً للدولة الاجتماعية، للمساواة، وللتماسك الوطني. مشروعه لم يكن يوماً محصوراً في مقاعد وزارية، بل كان دائماً مشروع بناء إنسان مغربي حر وكريم، ووطن يسع الجميع ولذلك كان الاتحاد قي المعارضة والنضال حتى حكومة التناوب التوافقي أو حين كلن البلد على أبواب السكتة القلبية . اليوم، نحن أمام واقع تتجدد فيه التحديات. السياسات العمومية في المغرب، رغم المجهودات، تعاني من ضعف في التنفيذ والتنزيل على أرض الواقع، ومن محدودية في الأثر. المشاريع الكبرى تحتاج لإرادة تنموية لا لحسابات حزبية. والمؤسسات تحتاج لأحزاب مسؤولة، تنبني على الشرعية الشعبية لا على الاستعمال الظرفي للدولة ولإمكاناتها . الاتحاد الاشتراكي سيبقى وفياً لرسالته: الدفاع عن الديمقراطية الحقة، عن العدالة الاجتماعية، عن تكافؤ الفرص، وعن وطن يتسع لكل أبنائه. وطن لا يحتكر فيه أحد الوطنية، ولا يستفرد فيه أحد بالسلطة الرمزية أو الفعلية بما يعني أن الثوابت والمشترك هو للجميع وفوق الحسابات . من هنا، فإن المؤتمر الوطني المقبل ليس فقط لحظة تنظيمية، بل هو لحظة سياسية لتجديد المشروع الاتحادي، وإطلاق نقاش عميق حول مستقبل المغرب، بمشاركة الاتحاديين والاتحاديات، في كل الجهات، وبين كل الأجيال. الاتحاد الاشتراكي سيظل كما كان: حزباً للوطن والإنسان، من أي موقع، في الحكومة أو في المعارضة، لأن البوصلة لا تتغير: الوطن أولاً، والإنسان دائماً. وستكون فرصة للاتحاديين وحتى المواطنين واقترح أن تفتح صفحات تواصل خاصة لأجل تلقي مقترحات المواطنين والمواطنات في القضايا التي تقترحها اللجان التحضيرية وتجميعها كمساهمات، لأن الأمر يعني القوات الشعبية وأعتقد أنها ستكون تجربة فريدة في إشراك المواطنين والمواطنات في المساهمة في رسم صورة المستقبل وحزب المستقبل . إننا فعلا في حالة استماع وتمعن لصوت الشعب ولشارع مغربي يتحدث من داخل حزبه، الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.