الحكاية اليوم ليست الرد على إدريس الأزمي أو تتفيه سفاسفه، ولا حتى اعتبارها، والحكاية أيضا ليست في الحديث عن صبيانية الأزمي وعبادته لمول اللايف بنكيران… الحكاية ليست الرد على الأزمي لأنه مجرد لعبة صبيان يلعب بها بنكيران… ومشهد الإذلال كان في المؤتمر الأخير للبيجيدي… الحكاية هي سؤال عن طريقة وصول مثل هؤلاء، ذات خريف، إلى المسؤولية، وعن الناس الذين صوتوا لأجل إيصال أناس قالوا لنا في نهاية المطاف «واش بغيتونا نخدمو بيليكي» إلى مراكز القرار ومراكز التشريع وبقية المؤسسات. هذا السؤال جارح ومؤلم، ويمس أوتارا حساسة عديدة، لكنه ضروري… السؤال الأكبر في المغرب اليوم هو: من يصوّت على أحزاب لا تتوفر على برامج سياسية، بل تمتلك فقط الشعارات والخطب والكلام المرسل والمطلق على عواهنه، وحين تضيق بها الدائرة وتتضح كل أوجه انعدام الكفاءة فيها، تفاجئنا عبر طاقاتها «الخلاقة» بعبارات مثل «بيليكي» وغيرها كثير؟!!!! نسي الأزمي وأمثاله أن السياسة ليست أسهما في شركة مدرّة للربح، السياسة عمل نضالي في الأساس، ومن أراد تحقيق مداخيل وأرباح فما عليه سوى ممارسة التجارة وتجشّم عناء الاستثمار. اعتنق العدالة والتنمية، منذ نيله الشرعية وانخراطه في العمل السياسي داخل المؤسسات بفضل الراحل عبد الكريم الخطيب، وبفضل الراحل الآخر إدريس البصري، شعار الجبهة الوطنية المتطرفة في فرنسا، وشعار كل الشعبويين في العالم كله: «كلهم فاسدون» أو «Tous pourris»، وظل يقول لقواعده والمتعاطفين معه إن كل الأحزاب المغربية الأخرى مليئة بالمنافقين واللصوص والفاسدين، والذين يملؤون بطونهم بمال الفقراء، والذين لا يراعون الله ولا يريدون دخول الجنة أبدًا ولا يكترثون بالشعب المغربي إطلاقا. دخل الحزب معمعة العمل الحكومي والبرلماني، وشرع في اكتشاف ملذات الحياة، وفجأة وجد المغاربة أنفسهم أمام زعيمه بنكيران وهو يمتشق المعاش تلو المعاش، ويرفض التخلي عن المناصب الدنيوية الزائلة، أو التي كان يصفها بأنها زائلة، ويجلس في الدار يراقب الفيسبوك ولايفاته، ويطلق من خلاله رصاص الرحمة على نفسه أولا، وعلى حزبه ثانيا، وعلى عديد الشعارات التي أمطر بها الناس هو ورفاقه، أو لنقل إخوانه، في الحزب سابقا على امتداد عديد السنوات. يظهر عبد الإله بنكيران، الحديث العهد بالبرلمان، وهو يرغي ويزبد بلحيته المبعثرة أمام فتح الله ولعلو، وزير الاقتصاد والمالية في حكومة التناوب. دخل بنكيران البرلمان بعد صفقة سياسية غامضة، وجاء محمّلا بمهارات الدعوة والخطابة ليثير موضوع المعاشات والظلم الذي فيه، قبل أن يجيبه ولعلو، كان يتابع شطحاته بابتسامة ماكرة لا يتقنها غير من خبر الناس ودروب تحوّلاتهم في الأمكنة والأزمنة. وكأن ولعلو يقول في قرارة نفسه: «سنرى ما ستفعلون يوم تكونون مكاننا»، وذلك بالفعل ما حدث. بعد عشرين سنة من مشهد بنكيران في البرلمان، يعود إدريس الأزمي، رئيس المجلس الوطني للبيجيدي، إلى نفس القاعة البرلمانية ليرغد ويزبد بدوره، لكن بدون لحية مبعثرة هذه المرة، ودفاعا عن تعدد التعويضات وعن المعاشات، لأن البرلمانيين كما قال: «ما غاديش لخدمة بيليكي»!!!!!