تناولت الجلسة الثانية من هذا اللقاء السياسي العام التي كانت في صبيحة نفس اليوم، محور «الإصلاحات السياسية، الانتخابات ورهانات الممارسة الديمقراطية،» والتي سير أشغالها يونس مجاهد عضو المكتب السياسي للحزب، وتدخل فيها كل من الفاعل المدني كمال لحبيب، والأستاذ الجامعي سعيد خمري والأستاذ الجامعي كمال الهشومي. توقف كمال لحبيب، في عرضه خلال هذه الجلسة، عند الاستحقاقات الانتخابية ورهان الديمقراطية كممارسة فعلية قائمة على النزاهة والشفافية، مؤكدًا على ضرورة احترام المرجعية الدولية والمواثيق الأممية في العملية الانتخابية. وشدّد لحبيب على أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية كحزب ديمقراطي ويسعى للدفاع عن المستضعفين ويهدف للوصول إلى ممارسة السلطة وتدبير الشأن العام، من أجل تطبيق برامجه والدفاع عن مختلف فئات المجتمع من خلال مرجعيته، من الضروري أن يتملك استراتيجية انتخابية، وأضاف أن الحزب يجب أن تكون له تحالفات واضحة ليتسنى له تنفيذ برامجه ومشاريعه، وتبني استراتيجية واضحة وشاملة، مع ضرورة الالتفات للحركات الاجتماعية والاحتجاجية لدعمها ككل ناخبة مصوتة. وسجّل بالمناسبة وجود تعقيدات في البنية السياسية للمشهد العام، مشيرا إلى أن الدولة تعمل على تطوير هندستها الانتخابية من خلال تعديل القوانين الانتخابية، ونمط الاقتراع، وآليات الولوج إلى الإعلام، وتمويل الحملات، والتقطيع الانتخابي، واللوائح الانتخابية. وهو ما يجعل من الضروري المطالبة بإصدار مدونة شاملة للانتخابات. . وأشار إلى أن تدبير العملية الانتخابية لايزال بيد وزارة الداخلية، ومن الضروري القيام بالنضال من أجل لجنة إشراف للانتخابات مستقلة والقطع مع بعض الممارسات السلبية التي تطغى على المشهد الانتخابي، والعمل على التوفيق مابين البراكماتية الانتخابية والحفاظ على المبادئ الحزبية. واستهل الهشومي مداخلته بمجموعة من الأسئلة الحارقة، من قبيل هل مازالت السياسة ممكنة؟ هل آلية الانتخابات تحتفظ بفعاليتها في ظل تغول المال والسياسة؟ مؤكدا أن مفهوم السياسة أفرغ من مضمونه التحرري إلى تحول تقني. وبالموازاة مع ذلك، طرح الهشومي مجموعة من النقاط والأفكار الأساسية، من بينها: التحول من لحظة الإصلاح إلى حالة الخمول السياسي، وهيمنة الاقتصاد والاتصال على حساب العملية السياسية، والفراغ القيمي الذي حوّل السياسة من فضاء للتفاوض وصراع الأفكار إلى فضاء خالٍ من المعنى. وسجل على أن الحقل السياسي والإصلاحات السياسية لم يفرزا تحولا ديمقراطيا ولا يفتحان المجال لتنافسية حقيقية وبالتالي لإعادة إنتاج نفس النسق بلمسات جديدة. وختم المتحدث بأن واقع الانتخابات يؤدي لإنتاج اللا عقد اجتماعي، وتصبح الانتخابات فضاء للاستهلاك، وينتج كذلك عن هذا الواقع، مخاطر هيكلية، من بينها العزوف السياسي، وبرلمان فاقد للمبادرة التشريعية، وأحزاب أُعيدت صياغة وظائفها لتتحول إلى واجهات شكلية بدل أن تقوم بدورها التأطيري والتنافسي. وتوقف الأستاذ سعيد خمري في بداية مداخلته،عند الإصلاح الدستوري وانعكاساته على عمل المؤسسات السياسية، إلى جانب حكامة الانتخابات، ووضعية الأحزاب السياسية في الوثيقة الدستورية، وأدوارها داخل المجتمع. وأكد خمري أن الممارسة السياسية والانتخابية تطرح، على أرض الواقع، العديد من الإكراهات، كالنقاش الذي صاحب التأثير الواضح لنمط الاقتراع والقاسم الانتخابي، ثم آثار الإعلام الرقمي والذكاء الاصطناعي على المسألة الانتخابية والتواصل الحزبي في فترة الحملات الانتخابية والدعاية بالإضافة إلى علاقة العملية الانتخابية بالبناء الديمقراطي ومدى وجود معايير تنافسية بين الفاعلين الحزبيين للفوز والمساهمة في التغيير. وفي الأخير خلص إلى أن البناء الديمقراطي، وعلاقته بالاستحقاقات الانتخابية، يتوقف على مدى وجود معايير تنافسية حقيقية بين الفاعلين الحزبيين، مشيرا إلى بعض الأفكار التي ستُهيمن على النقاش السياسي في المستقبل، ومنها: استكمال بناء الدولة الاجتماعية، وعلاقة التدبير الحكومي بعالم المال والأعمال، ومرحلة المونديال. وأعقبت مداخلات الجلسة الثانية نقاشات عميقة، انطلقت من زوايا قانونية وميدانية، شارك فيها أعضاء اللجنة السياسية في إطار تفاعلي. ومن المؤكد أن هذه النقاشات ستغني الورقة السياسية التي ستعرض خلال المؤتمر الوطني الثاني عشر.