وسط مدينة يفترض أنها تسير نحو التحديث والشفافية، تنفجر كل مرة قنبلة جديدة في وجه سكان طنجة، عنوانها الأبرز: منير ليموري، عمدة الصدفة، أو كما يلقب في كواليس المجلس: "سوبرمان عمداء المغرب". رجل لا يُسائل، لا يحاسب، ولا يتعثر حتى حين يخرق القانون جهاراً وبالألوان. وفي هذا السياق، تتوالى فصول العبث المحلي على خشبة مسرح المجلس الجماعي، حيث قرر ليموري، وبكل ما أوتي من "جرأة محمية"، ممارسة ضغط مباشر على محمد الحميدي، أحد أعرق وجوه حزب الأصالة والمعاصرة في الشمال، لإجباره على الاستقالة من رئاسة فريق الحزب داخل المجلس. جريمة الحميدي؟ أنه تجرأ ووقع بلاغا تضامنياً مع النائبة البرلمانية سلوى الدمناتي، التي طردت من اجتماع رسمي بطريقة مهينة، ليس من طرف العمدة، بل من طرف مستشاره الخاص في التواصل هذا "الظل" الذي صار أقوى من الأصل. ويبدو أن هذا المستشار، الذي لا يعرف له وصف وظيفي دقيق، يتصرف وكأنه مخرج مسرحي أكثر من كونه إطاراً في مؤسسة عمومية، حيث يدير الدخول والخروج، يقصي من يشاء، ويكرم من يشاء، في مسرحية عبثية عنوانها "السفارة في القصر البلدي"، بإخراج طنجاوي غارق في منطق الإفلات من العقاب. وفي هذا الإطار، لم يعد خافيا أن العمدة يتخذ قرارات تتجاوز بكثير صلاحياته القانونية، من أبرزها ملف عمارة سكنية جرى سحبها من المنصة الرقمية لتدبير الرخص، بعد أن رفضتها الوكالة الحضرية بشكل رسمي بسبب خروقات في التصميم. العمدة، وكأن شيئا لم يكن، وقع رخصة السكن بيده، ضارباً عرض الحائط بالملاحظات التقنية والقانونية ،وكأن المنظومة العمرانية تدار بمبدأ: "مرر تسلم ". اللافت في الأمر، أن هذا الخرق الخطير مر في صمت، دون أن تفتح في شأنه أي مسطرة مساءلة، لا من الجهات الرقابية، ولا من السلطات الوصية، ما يعزز الاعتقاد بأن الرجل يتمتع ب"حصانة غير معلنة"، تسمح له بالتصرف فوق المؤسسات، وفوق القانون. والمفارقة المقلقة، أن هذه التجاوزات الثقيلة، التي تمس التعمير، والتدبير، والأعراف المؤسساتية، لم تؤد إلى أي شكل من أشكال المحاسبة. في المقابل، شهدت طنجة في وقت سابق عزل أحد رؤساء المقاطعات بسبب شبهات قانونية بسيطة، لم يكن حتى مسؤولا مباشراً عنها، ما يفتح الباب واسعاً أمام سؤال جوهري: هل هناك مواطنون من "درجة أولى" في المسؤولية، وآخرون يمكن التضحية بهم بسهولة؟ نعم، لقد عزل الرجل وعلق ك"عبرة لمن يعتبر"، بينما يواصل ليموري، صاحب التوقيعات الخارجة عن السياق، والتواصل الذي يقفز فوق المنتخبين، عمله وكأن شيئاً لم يكن. وفي خضم هذا المشهد، يتساءل متتبعون: كيف لعمدة لا يتقن حتى الخطابة، ولا يُعرف له أثر سياسي قبل الانتخابات، أن يمنح هذا الحجم من السلطة المطلقة؟ من سلمه مفاتيح المدينة، وجعله يتصرف وكأن طنجة ضيعة شخصية لا ينطبق عليها منطق المؤسسات؟ والأدهى، أن هذه التجاوزات تمرر وكأنها من التفاصيل اليومية في حياة الشأن العام المحلي، وكأن العمدة يمارس صلاحيات مطلقة لا تطالها رقابة ولا تسري عليها القوانين. وفي انتظار أن يتحرك ضمير مسؤول ما، تبقى طنجة مدينة معلقة بين القانون والمحاباة، بين الديمقراطية وولاءات "ما بعد الصندوق"، حيث يُعزل الشرفاء، وتُمنح الرخص بالمجاملات، وتكافأ الفوضى بصمت ثقيل.