"لم يعد هناك مجال للغموض أو الخداع، فإما أن يكون المواطن مغربيا أو غير مغربي. انتهى وقت ازدواجية المواقف، والتملص من الواجب، ودقت ساعة الوضوح وتحمل الأمانة..الجميع، دولة ومجتمعا، مطالب بتحمل مسؤوليته كاملة في مواجهة المتآمرين فإما أن يكون الشخص وطنيا أو خائنا، إذ لا توجد منزلة وسطى بين الوطنية والخيانة، ولا مجال للتمتع بحقوق المواطنة والتنكر لها، بالتآمر مع أعداء الوطن". بهذا الموقف الواضح، أكد جلالة الملك محمد السادس، في خطاب الذكرى 34 للمسيرة الخضراء، طبيعة التعامل الحاسم والنهائي، مع المتآمرين على الوحدة الترابية للمملكة، مشددا على أن المغرب، الذي ما فتئ يتعامل مع ملف الصحراء بواقعية ومسؤولية وثبات، لم يعد يقبل أن يتمادى الخصوم، والمتآمرون معهم، في معاكسة الحق المغربي، ومشروعية الحفاظ على سيادته، ووحدته الترابية، وإجماعه الوطني. وحذر جلالة الملك الذين يستغلون أجواء الحرية والديمقراطية السائدة في المملكة، لاسيما في الأقاليم الجنوبية المسترجعة، للاستمرار في التآمر، إذ حينما يتعلق الأمر بأي مساس بالسيادة أو الوحدة الترابية في أي دولة كانت، تصبح المسألة في دائرة الأمور، التي يجب التعامل معها، باستخدام كل الوسائل القانونية، بكل ما تستدعي خطورة القضية من حزم ومسؤولية. وجاءت تحذيرات جلالة الملك للمتآمرين على الوحدة الترابية، في وقت أكد جلالته أن التصعيد، الذي يقومون به، هو نتيجة للانتصارات، التي حققتها مبادرة الحكم الذاتي، ونتيجة أيضا للفشل، الذي يصاب به الخصوم، الذين أصبحوا يدركون، أكثر من أي وقت، واقعية المبادرة الملكية، وقابليتها للتطبيق، باعتبارها مشروعا ديمقراطيا، وتشاركيا، وموجها للمستقبل. في هذا الصدد، دعا جلالة الملك كل القوى الحية في البلاد، إلى التصدي لمناورات المتآمرين، والواقفين وراءهم، الذين تزيد حدة إصابتهم بالذهول والارتباك، بمجرد الحديث عن الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية، وبمجرد الحديث عن التنمية والاستثمار في هذه الربوع الغالية على كل مغربي. وشدد جلالة الملك، في هذا السياق، على أنه "يتعين على كافة السلطات العمومية مضاعفة جهود اليقظة والتعبئة، للتصدي بقوة القانون لكل مساس بسيادة الوطن، والحزم في صيانة الأمن والاستقرار والنظام العام، الضمان الحقيقي لممارسة الحريات". يعلم الجميع، داخليا وخارجيا، أن العشرية الأولى من حكم الملك محمد السادس شكلت مرحلة غنية، عرف المغرب، خلالها، تحولات كبرى، إذ طبعها التجديد الواثق في مشروع المجتمع المغربي الحداثي الديمقراطي، النامي والمتضامن، وهو مشروع توحدت حوله والتزمت به كافة مكونات الأمة، رغم اختلاف الآراء المعبر عنها هنا وهناك. كما طبعها أيضا الطموح الجديد والكبير، الذي يغذيه المغاربة اليوم، من أجل تنمية وإشعاع بلادهم، وأخذهم بزمام مصيرهم، واستعادة الثقة في أنفسهم، منذ أن اختارت البلاد، بجرأة، سلسلة من المصالحات النموذجية المتجهة نحو المستقبل: وهكذا، تصالح المغرب مع ماضيه، وأعاد قراءة ذاكرته، وأنصف المجتمع نساءه برد الاعتبار للمرأة المغربية، وتصالحت الدولة مع مكوناتها الترابية بتأسيس عملها على مقاربة جديدة للتنمية البشرية القائمة على القرب، وعززت الأمة اعترافها بالطابع التعددي لهويتها، عبر الارتقاء بالثقافة الأمازيغية إلى مستوى اعتبارها أحد أهم محاور السياسة العمومية. هذه الثقة المعززة غذت مفاهيم جديدة في خطاب المغاربة، الذي أضحى يتجه أكثر فأكثر نحو استعمال وتداول المرجعية الكونية في الديمقراطية وحقوق الإنسان، وبات مفهوم المواطنة يترسخ باستمرار، ليمتد استعماله في فضاءات متنوعة، من المدرسة والسياسة والمقاولة، إلى البيت والأسرة والشارع. وشكل هذا النهج مصدر قوة للمغرب، ومثار تحفيز للمغاربة، في المضي قدما نحو مستويات حقوقية أوسع وأرقى وأفضل. لكنه، مع الأسف، شكل هذا النهج، في الوقت نفسه، محط استغلال انحرافي للبعض، فمنهم من فهمه على أنه ضعف، ومنهم من جنح إلى تأويل منحرف حول خضوع مزعوم للبلاد لضغوطات منظمات حقوقية دولية، فصورت لهم أوهامهم أنهم يمكن الركوب على هذا الفضاء الحقوقي المغربي الرحب، للتطاول والتآمر على الوحدة الترابية والسيادة الوطنية. هذا الفصل انتهى، اليوم، وسينتهي بالقانون ولا شيء غير القانون، فأرقى الديمقراطيات في العالم لا يمكن أن تتساهل أبدا عندما يتعلق الأمر بوحدة الوطن، إنها حد فاصل بين الفعل الوطني، مهما عبر عن درجة الاختلاف، وبين فعل الخيانة، الذي يشكل جريمة ضد المغرب والمغاربة، وجريمة ضد الماضي والحاضر والمستقبل. وفي هذا الصدد، فإن الجميع، دولة ومجتمعا، مطالب بتحمل مسؤوليته كاملة في مواجهة المتآمرين، ابتداء من السلطات العمومية، بإعمال المساطر القانونية، بكل حزم ومسؤولية، إلى مختلف مكونات المجتمعين السياسي والمدني، للتصدي لكل من تسول له نفسه أن يمس بالوطن. والمغاربة الأحرار يقولون "الواحد يموت على ابلادو اولا اولادو"...