المغرب والإمارات: تحالف الوفاء في زمن الجحود وعبث الجوار العسكري    تحذير أمني عاجل بشأن ثغرات خطيرة في متصفح «فايرفوكس»    الأميرة للا حسناء تزور بباكو المهرجان الدولي للسجاد بأذربيجان    الأمريكية ليديكي تحطم رقمها القياسي العالمي في سباق 800 متر حرة    أمن فرنسا ينهي اختطاف والد مستثمر في العملات المشفرة    الجراحة عن بُعد تدخل مرحلة جديدة في المغرب: طبيب في الدار البيضاء يجري عملية ناجحة لمريض في العيون باستخدام الروبوت    السلطات الإسبانية تؤكد أن تحديد أسباب انقطاع الكهرباء يتطلب "عدة أيام"    معهد الموسيقى بتمارة يطلق الدورة السادسة لملتقى "أوتار"    بريطانيا تطلق رسمياً لقاح جديد واعد ضد السرطان    حريق بمسجد "حمزة" يستنفر سلطات بركان    خالد فكري .. الحارس الأسبق للملك يشتكي أكاذيب جيراندو إلى القضاء    المعهد العالي للتدبير والإدارة والهندسة المعلوماتية ينظم حفل تخرج الدفعة الثانية عشر منذ تأسيسه ويعلن افتتاح حرمه الجامعي الجديد بمؤهلات عالية الجودة في أكدال الرباط    "الأونروا": الحصار الإسرائيلي الشامل يدفع غزة نحو كارثة إنسانية غير مسبوقة    بلخيضر يكشف موعد جاهزية ملعب طنجة الكبير    توقيف 17 شخصا على خلفية أعمال شغب بمحيط مباراة الوداد والجيش الملكي    علماء يطورون طلاء للأسنان يحمي من التسوس    بعدما حطم أرقاما قياسية الصيف الماضي.. مهنيون يتوقعون تراجعا في سعر الدجاج    برقية تعزية ومواساة من جلالة الملك إلى أفراد أسرة المرحوم الفنان محمد الشوبي    المنتدى الدولي للبرلمانيين الشباب الاشتراكيين يعبر عن دعمه للوحدة الترابية للمغرب    قطر ترد على تصريحات نتانياهو "التحريضية"    شركة بريطانية تجر المغرب للتحكيم الدولي بسبب مصادرة مشروعها    الأعوان المحليون في سفارات المغرب: خدمة بلا ضمانات    الملاكم كانيلو ألفاريز يعتلي عرش الوزن "المتوسط الفائق"    حسابات الوصافة تشغل الجيش والوداد    "صوت أمريكا" تستأنف البث    نجم الراب "50 سنت" يغني في الرباط    فوز كاسح للحزب الحاكم في سنغافورة    "ميتا" تهدد نيجيريا بمنع الولوج إلى "إنستغرام وفيسبوك"    وهبي: قادرون على تعويض الغيابات وأؤمن بكل اللاعبين    الداخلة.. أخنوش: حزب التجمع الوطني للأحرار ملتزم بتسريع تنزيل الأوراش الملكية وترسيخ أسس الدولة الاجتماعية    من المثقف البروليتاري إلى الكأسمالي !    رغم انخفاضها الكبير عالميا.. أسعار المحروقات بالمغرب تواصل الارتفاع    الطالبي العلمي يمثل جلالة الملك في حفل تنصيب الرئيس المنتخب ل"الغابون"    الشرطة البريطانية تعتقل خمسة أشخاص بينهم أربعة إيرانيين بشبهة التحضير لهجوم إرهابي    تنغير.. مسار المضايق والواحات، غوص في طبيعية دادس الساحرة    الجمعية المغربية لطب الأسرة تعقد مؤتمرها العاشر في دكار    دراسة: الشخير الليلي المتكرر قد يكون إنذارا مبكرا لارتفاع ضغط الدم ومشاكل القلب    طقس الأحد ممطر في هذه المناطق    وهبي: مهمة "أشبال الأطلس" معقدة    طنجة.. العثور على جثة شخص يُرجح أنه متشرد    بعد خيباته المتراكمة .. النظام الجزائري يفتح جبهة جديدة ضد الإمارات    برشلونة يهزم بلد الوليد    وداعاً لكلمة المرور.. مايكروسوفت تغيّر القواعد    مقتضيات قانونية تحظر القتل غير المبرر للحيوانات الضالة في المغرب    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    الموت يفجع الفنانة اللبنانية كارول سماحة بوفاة زوجها    ابنة الناظور حنان الخضر تعود بعد سنوات من الغياب.. وتمسح ماضيها من إنستغرام    الملك: الراحل الشوبي ممثل مقتدر    كازاخستان تستأنف تصدير القمح إلى المغرب لأول مرة منذ عام 2008    الداخلة-وادي الذهب: البواري يتفقد مدى تقدم مشاريع كبرى للتنمية الفلاحية والبحرية    أصيلة تسعى إلى الانضمام لشبكة المدن المبدعة لليونسكو    اللحوم المستوردة في المغرب : هل تنجح المنافسة الأجنبية في خفض الأسعار؟    دراسة: هذه الأطعمة تزيد خطر الوفاة المبكرة    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قرار الأم تيريزا
نشر في المساء يوم 18 - 09 - 2010

قبل قرار البابا يوحنا بولس الثاني، الذي انطوى على التكريس الرسمي، كانت جموع البشر على نطاق عريض هي التي منحت الألبانية أغنيس غونخا بوياخو، أو الأم تيريزا (1910 1997)، مؤسِّسة «أخوية بعثات الإحسان التبشيرية» وحاملة جائزة نوبل للسلام، صفة القدّيسة. وقبل أيام، أحيا الآلاف الذكرى المائوية لولادة هذه القدّيسة، في غمرة حنين جارف إلى صفاتها الأيقونية، خاصة وأنّ الأحقاب الراهنة تستولد من صنوف البؤس والشقاء ما يحثّ على استدعاء أمثولتها.
والأم تيريزا كانت، وهكذا ستظل حتى أمد طويل، أسطورة في ميدان الإحسان وأعمال الخير، وحالة استثنائية في حجم النفوذ الذي انتزعته من كرادلة الفاتيكان، والذي لم يسبق لامرأة أن حظيت به. لا ينبغي لهذه الاعتبارات أن تطمس الوجه الآخر من شخصية الأم تيريزا: السيدة الدولة، التي كانت تدير من كلكوتا مؤسسة جبارة ذات بنية تنظيمية بالغة التعقيد، تنتشر في مئات البلدان، وتنفق من ميزانية بمليارات الدولارات، وتستخدم جهازا بيروقراطيا بآلاف الموظفين والمتطوعين، وتؤثّر في أمور إنسانية وسياسية وفكرية تتجاوز بكثير سقوف مدّ يد العون إلى فقراء هذه البسيطة.
فالأم تيريزا اعتمدت، أولا، فلسفة فريدة في إطعام الجائع وإسعاف المريض، تبدأ من الروح قبل الانتقال إلى الجسد، أو هي بالأحرى تنهى عن مقاربة الجسد، ما لم تستجب الروح للنداء. بذلك يتوجب على الجائع أن يُسْلم روحه للعلاج اللاهوتي، قبل أن يمتلك الحق في ملء معدته الخاوية، وأما المصاب بمرض ال«إيدز» فإنه رجيم الروح، وليس له أن يحظى بعناية شبيهة بمريض ذاء الرئة. ولعلّ أسلوب عملها في اليمن كان نموذجا عربيا، لكي لا يقول المرء: إسلاميا، على استراتيجيتها في العلاج اللاهوتي قبل العلاج الفيزيائي، وفي تطهير «معدة الروح» قبل ملء معدة الجسد.
ففي صيف 1973، نزلت الأم تيريزا في مرفأ الحديدة اليمني، برفقة خمس من الأخوات العاملات في بعثات الإحسان، وكانت مدعوة رسميا من قبل الشيخ سنان أبو لحوم، لغرض إنساني مباشر هو تقديم الدواء والرعاية الطبية إلى الفقراء. أوّل شروط الأم تيريزا كانت إحضار قسّ كاثوليكي لكي يقيم القدّاس من أجل الأخوات، فوافق الشيخ على مضض، وهكذا تمّ افتتاح «دار السلام» و«دار الإغاثة» في الحديدة، ثمّ «دار النور» في تعز، وأخيرا «دار الجلجلة» في صنعاء العاصمة. ولكنّ هذه الدور انقلبت إلى ما يشبه كنائس الأمر الواقع، لأنّ الأخوات انخرطن في نشاط تبشيري محموم، يعقد مقارنات بين المسيحية و»المحمدية»، ويحظر على المريض استبدال الصليب (المعلّق فوق رأسه) بالمصحف، حتى إذا اكتفى المريض بوضعه تحت وسادته!
ولم يطل الوقت حتى أخذ القسّ يقيم القدّاس في الشارع، ويوزّع نسخا مجانية من العهد القديم والعهد الجديد، ويهدي الأطفال صلبانا صغيرة وكبيرة من البرونز أو النحاس أو حتى الفضة. وحين احتجّ أبو لحوم، وأوضح ما يعتمل في نفوس الأهالي من مشاعر التخوّف والسخط، ردّت عليه الأم تيريزا بالقول: «إما أن تقبلونا هكذا، أو نحزم أمتعتنا ونرحل غدا». وخلال كلمة ألقتها أثناء ندوة لبعثات التبشير في واشنطن، وصفت تجربة البعثات في اليمن على النحو المدهش التالي: «لقد قلت لرئيس الوزراء إنني مستعدة لإحضار الأخوات ورعاية فقرائكم، شريطة أن تسمح ليسوع بالمجيء معنا. وهكذا، بعد 800 سنة من الغياب، عاد خبز القربان المسيحي إلى اليمن».
والأم تيريزا كانت، من جانب ثان، ذراعا ضاربة في يد الفاتيكان حول ملفات كبرى مثل الإجهاض، وتنظيم النسل والأسرة، وفصل الكنيسة عن الدولة، وصيانة الحريات المدنية والشخصية الأساسية التي يمكن أن تتنافى على هذا النحو أو ذاك مع مفهوم الكنيسة عن الحياة الدنيا. وفي عام 1978، أثناء حفل تسليمها جائزة نوبل للسلام، أعلنت أن الإجهاض هو الخطر الأكبر (نعم: الأكبر!) الذي يهدد السلام العالمي. وعلى جبهة الحرب الخفية بين الكنائس المسيحية، كانت الأم تيريزا بمثابة فزّاعة عقائدية في وجوه المجتهدين هنا وهناك من خارج الكنيسة الكاثوليكية، حتى لقد شاع القول إن معاداة الأم تيريزا هو «عداء للكاثوليكية» على غرار العداء للسامية.
وكانت، ثالثا، تكره اقتران الإحسان بالسياسة، ليس بمعنى أنها لم تكن تنظر في الحيثيات السياسية حين تنظّم عمليات الخير، بل كان العكس هو الصحيح. وتلك القاعدة كانت وراء تقاعسها عن إرسال الأغذية والأدوية إلى أطفال العراق أثناء سنوات الحصار، لأنّ هذا الملفّ «مشحون بالسياسة أكثر مما ينبغي». ولكنها، في المقابل، لم ترَ حرجا في استلام تبرعات بملايين الدولارات من طغاة العالم (أمثال دكتاتور هاييتي السابق جان كلود دوفالييه) أو كبار رجال الأعمال الفاسدين (مثل الأمريكي شارلز كيتنغ، بطل فضائح التزوير الكبرى في حسابات التوفير).
وبصرف النظر عن موقف المرء من الأم تيريزا، ينبغي ألا يسود ارتياب تأثيمي مسبق حول الحقّ في الوقوف على تفاصيل حاسمة قد يبقيها طيّ الخفاء طغيان المحيّا الملائكي لسيدة جليلة طاعنة في السنّ جعلت الإحسان ديدنها اليومي، ولكنها مارسته في سياق مقاربات، سياسية ومالية وفلسفية وإيديولوجية، ليست «مقدّسة» تماما.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.