لن ينتظر الهمة طويلا لكي يعلن عن ميلاد حزب «العهد الجديد».. فبعد 10 أشهر من مغادرة وزارة الداخلية ها هو الآن على عتبة إعلان حزب جديد مشكل ظاهريا من أحزاب قديمة وباهتة كانت تطفو على سطح المشهد الحزبي دون أن تثير كبير اهتمام. أحزاب صغيرة ستلعب دور كومبارس في فيلم كبير يلعب فيه الهمة دور البطولة، حتى لا يقال إن صديق الملك أسس حزب القصر... هذه مجرد مناورات، فالعيون كلها مركزة على العلاقة التي تربط الهمة بالبلاط ودلالاتها السياسية، والباقي تفاصيل. سألت مسؤولا كبيرا في الدولة اشتغل مع الملكين السابق والحالي عن دلالات سماح الملك لفؤاد عالي الهمة بدخول الحقل الحزبي، فقال بعد تردد: «المغرب فيه ما يزيد عن حاجته من الأحزاب. المطلوب الآن تقوية هذه الأحزاب ودمقرطتها... الملك الآن لا يحتاج إلى أحد، الآخرون هم الذين يحتاجون إليه. مضى الزمن الذي كانت فيه الشرعية محل نزاع»، قلت له: «لم تجب عن سؤالي»، وأضفت إليه سؤالا أعقد: «إذا كان الملك لا يحتاج إلى أحد، وإذا كانت الشرعية لا نزاع حولها، فلماذا يسمح لشخص محسوب عليه بتأسيس حزب سياسي سيرى فيه الناس أنه حزب الملك لا محالة؟»، ابتسم وقال: «لا أعرف، سأكذب عليك إن قلت لك إن لدي تفاصيل هذا الموضوع، لكنني أعرف أن الملك ومنذ أن جاء إلى العرش وهو ينتظر من الأحزاب أن تجدد نفسها وأن تغير قياداتها وأن تنزل أكثر إلى الميدان. لا تنس أن الملك يمضي 11 شهرا وهو يتجول في كل ربوع المغرب. لقد زار مناطق مهمشة وقرى معزولة لم تطأها رجل زعيم سياسي أو رئيس حزب من قبل، وهو يعرف الخصاص الموجود في التأطير. ومثل أبيه، لا يريد أن يجد نفسه أمام حزب واحد. الملوك.. كل الملوك، لا يقبلون سياسة الخيار الواحد... لنقفل هذا الموضوع ولا تسألني عنه بعد اليوم...». استسلمت لرغبته، ولكن الفضول الصحافي دفعني إلى الاقتراب من مصادر أخرى في محيط الملك محمد السادس التي أكدت لي أن «موضوع خروج الهمة إلى المجال الحزبي لم يكن محل نقاش وسط مستشاري الملك، وهناك من المستشارين من يعارض مغامرات الهمة وخططه لتشكيل مراكز نفوذ سياسي وإعلامي ومالي في المملكة... لكن أحدا لم يبد رأيه للملك صراحة لأنه لم يطلب ذلك». الآن أصبحت التكهنات حقيقة، والاحتمالات يقينا.. حركة الهمة شكلت فريقين في كل من مجلس النواب ومجلس المستشارين، وخمسة أحزاب ستحل نفسها وستدخل تحت خيمة «صاحب التراكتور»، وسيبدأ الحزب الجديد بالاستعداد لانتخابات 2009 الجماعية التي تعتبر القاعدة الخلفية لانتخابات 2012 التشريعية... دون أن يعني هذا أن الحكومة الحالية ستظل في مكانها إلى غاية إكمال ولايتها، فكل الاحتمالات واردة، خاصة إذا اتسع حجم الفراغ السياسي المهول الذي أحدثه ضعف الاتحاد الاشتراكي واليسار عموما... حزب الهمة سيرتكز على ثلاثة أسس وسيواجه تحديين رئيسيين. سيرتكز على علاقة الهمة بالملك، حيث سيستقطب الحزب التكنوقراط والأعيان والانتهازيين وكل طامع في منصب في الدولة أو موقع في اقتصاد الريع الذي ترعاه الدولة، وسيرتكز ثانيا على نفوذ الإدارة التي اشتغل الهمة في نواتها الصلبة (الداخلية)، وعلى شبكة العلاقات التي راكمها في موقعه السابق والحالي، ثم سيتكئ ثالثا على موارد مالية هائلة يوفرها الأغنياء الذين سيلتحقون بالحزب والأعيان الذين استفادوا سابقا من قربهم من «صديق الملك»، وهذه الموارد هي التي ستغذي وقود إعلام الحزب ومصاريف اشتغال آلته الدعائية... أما التحدي الذي سيواجهه حزب الهمة فهو النفوذ المتزايد للإسلاميين، خاصة بعد التجديد والحيوية التي أبان عنها حزب العدالة والتنمية في مؤتمره الأخير، أما التحدي الثاني فهو مواجهة «الفراغ» السياسي المحيط بالمملكة، والذي يهدد بتفريخ ظواهر لا يعرف أحد شكلها ولونها وأهدافها في محيط يعاني من الخصاص ويغرق يوما بعد آخر في الفساد... هل سينجح الهمة في جعل مولود اصطناعي طفلا حقيقيا يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ويتخطى عتبة البلاط.. هذا هو التحدي الأكبر.