بوانو: بلاغ وزارة الصحة لا يجبب على شبهات الفساد في الصفقات والموضوع يحتاج لجنة لتقصي الحقائق    جنوب إفريقيا تحتجز 150 فلسطينيا    فرنسا.. مقتل شقيق الناشط البيئي أمين كساسي في مرسيليا رميا بالرصاص    أكثر من 170 لاعباً يحتجون في الدوري الكولومبي بافتراش أرض الملعب    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    قتيل وجرحى في حادثة سير بإقليم سطات    شَرِيدٌ وَأَعْدُو بِخُفِّ الْغَزَالَةِ فِي شَلَلِي    متابعة "ديجي فان" في حالة سراح    دراسة: ضعف الذكاء يحد من القدرة على تمييز الكلام وسط الضوضاء    الملك يهنئ خالد العناني بعد انتخابه مديرا عاما لليونسكو    لوديي: تراجع حصة ميزانية الدفاع من الناتج الداخلي الخام رغم ارتفاع الغلاف المالي إلى 73 مليار درهم وإطلاق 10 مشاريع صناعية دفاعية    الحكم على سائق "إندرايف" سحل شرطيا ب11 شهرا حبسا وغرامة مالية    حرائق غابات ضخمة في الجزائر تهدد حياة السكان والسلطات تتحرك    موقع عبري: الجالية اليهودية في المغرب تفكر في استخراج جثمان أسيدون ونقله إلى مكان آخر بسبب دعمه ل"حماس"    شركة الإذاعة والتلفزة تسلط الضوء على تجربة القناة الرابعة في دعم المواهب الموسيقية    روما.. المغرب يمثل إفريقيا في اللجنة التنفيذية للدستور الغذائي    استفادة "تجار الأزمات" من أموال الدعم.. الحكومة تقر بوجود ثغرات وتؤكد ضرورة تصحيح اختلالات المقاصة    تصفيات مونديال 2026.. مدرب إيرلندا بعد طرد رونالدو "لا علاقة لي بالبطاقة الحمراء"    منتشين بفوزهم الساحق على كاليدونيا.. أشبال الأطلس يتحدون أمريكا لمواصلة الحلم    عمال راديسون الحسيمة يستأنفون احتجاجاتهم بعد فشل الحوار ويكشفون "مقترحات مجحفة" لإقصائهم    استغلال إصلاحات الإنارة يثير جدلا سياسيا بمكناس وحزب فدرالية اليسار يطالب بفتح تحقيق    نقابات مركز التوجيه والتخطيط تتهم الإدارة بالتضليل وتطالب بالتحقيق في اختلالات التسيير    بوعلام صنصال بعد الإفراج: "أنا قوي"    استطلاع: 15% من الأسر المغربية تفضل تعليم الأولاد على الفتيات.. و30% من الأزواج يمنعون النساء من العمل    إدارة مستشفى محمد الخامس بالجديدة توضح: جهاز السكانير متوفر والخدمات الطبية مفتوحة للجميع    بأغلبية 165 صوتا.. مجلس النواب يقر الجزء الأول من مشروع قانون المالية    ملكية واحدة سيادة واحدة ونظامان!    سعيد بعزيز: لوبي الفساد تحرك داخل البرلمان وانتصر في إدخال تعديلات لفائدة مقاولات التأمين    رشق الرئيس السابق لاتحاد الكرة الإسباني بالبيض في حفل إطلاق كتابه    منح 10 تراخيص لمشاريع الصناعة الدفاعية بقيمة 260 مليون دولار.. و5 أخرى قيد الدراسة (لوديي)    مدير المخابرات الفرنسية: المغرب شريك لا غنى عنه في مواجهة الإرهاب    المركز الثقافي الصيني بالرباط يُنظّم حفل "TEA FOR HARMONY – Yaji Cultural Salon"...    مجلس النواب يمرر الجزء الأول من قانون المالية    شركة الطرق السيارة تعلن عن افتتاح مفترق سيدي معروف في وجه مستعملي الطريق السيار القادمين من الرباط والمحمدية    "كاف" تطرح المزيد من تذاكر "الكان"    تحطم مقاتلة يصرع طيارين في روسيا    مقاييس التساقطات المطرية المسجلة خلال 24 ساعة الماضية    أموال ومخدرات.. النيابة تكشف "العلاقة الوطيدة" بين الناصري و"إسكوبار الصحراء"    علم الوراثة الطبية.. توقيع اتفاقية شراكة بين مركز محمد السادس للبحث والابتكار والجمعية المغربية لعلم الوراثة الطبية    إطلاق بوابة «ولوج الملعب» لتقديم معلومات آنية بشأن ملعب طنجة الكبير    تداولات بورصة البيضاء تنتهي خضراء    الاتحاد الأوروبي يستعد لإعادة التفاوض حول اتفاق الصيد البحري مع المغرب بعد قرار مجلس الأمن الداعم للحكم الذاتي    على هامش تتويجه بجائزة سلطان العويس الثقافية 2025 الشاعر العراقي حميد سعيد ل «الملحق الثقافي»: التجريب في قصيدتي لم يكن طارئاً أو على هامشها    سقطة طبّوخ المدوّية    المسلم والإسلامي..    سدس عشر نهائي مونديال قطر لأقل من 17 سنة.."أشبال الأطلس" يرغبون في الزئير بقوة أمام المنتخب الأمريكي    امطار متفرقة مرتقبة بمنطقة الريف    الترجمة الفلسفية وفلسفة الترجمة - مقاربة استراتيجية    نجاح واسع لحملة الكشف المبكر عن داء السكري بالعرائش    ثَلَاثَةُ أَطْيَافٍ مِنْ آسِفِي: إِدْمُون، سَلُومُون، أَسِيدُون    المغرب يستأنف الرحلات الجوية مع إسرائيل اليوم الخميس    المنتخب الوطني يجري آخر حصة تدريبية بمركب محمد السادس قبل التوجه إلى طنجة    دراسة: لا صلة بين تناول الباراسيتامول خلال الحمل وإصابة الطفل بالتوحد    مرض السل تسبب بوفاة أزيد من مليون شخص العام الماضي وفقا لمنظمة الصحة العالمية    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حشيش المخزن
نشر في المساء يوم 07 - 08 - 2008

لم نكد نصدق خبر توقيف رجل درك في تمارة قبل أسبوع يتزعم عصابة لسرقة بيوت عباد الله ويتولى مهمة إرشاد لصوص عصابته إلى أماكن السرقة، حتى سمعنا قبل أمس خبر إعفاء رئيس الشرطة القضائية بسلا من مهامه بسبب علاقته المشبوهة بمروجي المخدرات، واختفاء بعض المحجوزات التي تضبطها الشرطة القضائية عند بعض تجار المخدرات.
والواقع أن خيط الود بين بعض المسؤولين الأمنيين بسلا وعصابات تجار المخدرات ما لبث يتقوى خلال السنين الأخيرة، إلى الحد الذي أصبح فيه كل التجار الصغار والكبار للمخدرات يعرفون الفرق بين «حشيش السيفيل» و«حشيش المخزن».
والفرق بين الحشيشين واضح وصارم، فالأول هو حشيش البزناسة الذي يشترونه من باعة الجملة ويبيعونه بالتقسيط لصالحهم. فيما «حشيش المخزن» فجميع البزناسة يعرفون أن مصدره هو ذلك الحشيش المحجوز الذي يصادره الأمن من تجاره. وهكذا عندما تتم مصادرة كيلو من الحشة تبدأ المفاوضات مع المهرب لكي يشتري شهور السجن بالغرام. وعوض أن يلبسوه في المحضر تهمة حيازة كيلو من المخدرات فإنهم يضعون، حسب قدرة المهرب على اقتناء الشهور، ستة أشهر أو أربعة. ويسجلون له في المحضر الغرامات المتبقية التي لم يستطع دفع ثمنها، والتي سيقضي عنها عقوبة سجنية.
ماذا يحدث بعد ذلك للكمية المتبقية من الحشيش المحجوز والذي لم يسجل في المحضر، إنه ببساطة يتحول إلى «حشيش المخزن» ويعاد إنزاله إلى أسواق سلا لكي يباع بالتقسيط. والمدهش في الأمر أن «حشيش المخزن» الذي تسهر عناصر من الأمن على إيصاله إلى السوق، يعتمد أساسا على البزناسة الصغار لبيعه. والذين يرعون هذه التجارة الموازية يعرفون أسعار الحشيش في السوق المغربي، فعندما يصل ثمن الكيلو الواحد إلى عشرة آلاف درهم، فإنهم ينتظرون من البزناسة أن يسددوا لهم عشرة آلاف درهم بالتمام والكمال. ولذلك فالبزناسة لا يتساهلون مع زبائنهم كلما تعلق الأمر بترويج «حشيش المخزن»، بل يحرصون على أن لا يضيع منه «التفرتيت» لأنهم يعرفون أن أي غرام ضائع سيدفعون ثمنه من جيوبهم.
ولهذا يطبقون مع «حشيش المخزن» القاعدة التجارية الشهيرة التي تقول «ممنوع الطلق والرزق على الله»، حتى ولو تعلق الأمر بزبائن من رجال الأمن أنفسهم.
اليوم يبدو أن أمر هذه «العصابة» المنظمة قد انكشف، وحتما إذا عمقت الإدارة العامة تحرياتها ستعثر على امتدادات هذه الشبكة الأمنية التي عوض أن تكافح المخدرات تكافح شهيتها المفتوحة للمال بالمخدرات.
وهذه ليست أول مرة يصبح فيها عناصر من الدرك أو الجيش أو الأمن أعضاء أو زعماء لعصابات متخصصة في السرقة والسطو وتجارة المخدرات. فقد كتبنا حول العصابة التي تم اعتقالها في طنجة والتي كانت مشكلة من حوالي خمسة عشر رجل أمن، وكتبنا حول العصابة التي كانت تسرق السيارات والمشكلة من رجال أمن بنواحي الرباط. وقبل أسبوع تم اعتقال عسكري بالجنوب لتورطه في تجارة المخدرات.
والمشكلة أن هذه «الشراكة» بين رجال الأمن والدرك لا يخرج «سربيسها» دائما على خير. وما وقع لذلك الدركي بإقليم قلعة السراغنة شهر يوليوز الأخير على يد عصابة متخصصة في ترويج المخدرات، يمكن اعتباره درسا لكل دركي أو شرطي يخلط الواجب بالعشبة. فقد وعد الدركي أصدقاءه في العصابة أن الحكم الذي سيصدر ضد أحد أفراد العصابة سيكون مخففا، لأنه سيقوم بتبسيط التهمة في المحضر لكي تتلاءم مع حكم مخفف. إلا أن العصابة اكتشفت بعد صدور الحكم ضد أحد معتقليها أن الدركي لم يضع يده في المحضر ولم يخفف أي شيء. وفوق هذا وذاك يطالب ببقية الرشوة التي اتفق مع العصابة عليها. فما كان منهم إلا أن استدرجوه بالتي هي أحسن، واختطفوه واحتجزوه ثم عذبوه، والكارثة أنهم اغتصبوه.
وهكذا خرج الدركي من هذه المغامرة «لا حمار لا ستة فرنك».
مما يعني أن حملة تطهير في صفوف الدرك والأمن والعسكر أصبحت مسألة حياة أو موت، حتى لا تتحول هذه المؤسسات الأمنية من مكافحة الجريمة والشغب إلى آلة منتجة لهذه الآفات.
وإلى جانب تحول بعض أفراد الشرطة القضائية إلى مافيوزيين يقاسمون تجار المخدرات غنائمهم، هناك بعض رؤساء الشرطة القضائية من أصبحت مخافر أمنهم تابعة مباشرة لعزرائيل عوض الشرقي أضريس. وأكثرها اشتغالا هذه الأيام مع ملاك الموت هي الشرطة القضائية بتطوان التي أرسلت إلى المقبرة في غضون سنة واحدة ثلاثة مواطنين نزلوا ضيوفا عندها.
ويبدو أن نور الدين قصبي، رئيس الشرطة القضائية، الذي يفتخر بكونه حاصلا على شهادة الدكتوراه في علم الإجرام، لديه عقد حصري مع عزرائيل، لذلك فإنه لا يدخر جهدا في إرسال ضيوفه إلى العالم الآخر كلما مروا من مفوضية شرطته.
والمدهش أن كل المواطنين الذين «استفادوا» من كرم ضيافة سعادة الرئيس وخرجوا من عنده جثثا هامدة يضعون في تقاريرهم أنهم ماتوا «موتة الله». فمنهم من ابتلع كيسا بلاستيكيا وانفجر في رئته كأحمد الداوس، ومنهم من تم اعتقاله في حالة سكر ومات عندهم بسكتة قلبية. ويبدو أنه حتى مواطنو الاتحاد الأوربي الذين ينزلون ضيوفا في ولاية الأمن بتطوان لا يخرجون سالمين، مثل المواطن الفرنسي «بيريز فرانسوا» الذي وضعه رئيس الشرطة القضائية رهن الاعتقال الاحتياطي، بتهمة حيازة المخدرات، فعاد إلى فرنسا داخل صندوق.
إن كل هذه الجثث التي جمعها رئيس الشرطة القضائية بتطوان في رصيده، تستحق من الإدارة العامة للأمن الوطني أن تفتح تحقيقا معمقا في ملابساتها. فلا يعقل أن يموت في ولاية أمن واحدة في ظرف سنة واحدة ثلاثة مواطنين. حتى الأخطاء الطبية في العيادات الخاصة لا تقتل سنويا كل هذا العدد من الضحايا.
ولعل ما سيشجع الإدارة العامة على المضي في فتح هذا التحقيق هو «السيرة العطرة» التي تركها رئيس الضابطة القضائية وراءه في آسفي عندما كان رئيسا للضابطة القضائية هناك.
فمنذ سنتين وإلى الآن لازالت زوجة وأبناء بكري عبد العزيز يبحثون عن جثة والدهم الذي اختفى عن الأنظار ولم يعثروا سوى على سيارته المحروقة. ورغم أن الزوجة راسلت وزير الداخلية ووزير العدل وبقية اللائحة الطويلة التي لا أحد منهم يجيب عادة عن شكايات المواطنين، واتهمت عناصر أمنية عاملة تحت إمرة رئيس الشرطة القضائية بمعرفة سر اختفاء زوجها، فإن الجثة لم يظهر لها أثر إلى اليوم.
ولدينا في الجريدة ملف كامل من الشكايات التي كتبها مواطنون بعضهم مرمي في السجن وبعضهم خارجه يتهمون فيها عناصر أمنية عاملة تحت إمرة رئيس الشرطة القضائية بتلفيق تهم المس بالمقدسات والتعذيب في مخافر الأمن.
وليست آخرها طبعا الشكاية التي رفعها نائب الوكيل العام للملك بآسفي، بعد أن ترك القضاء واشتغل في المحاماة، ضد رئيس الشرطة القضائية يتهمه فيها بتعذيب أخيه وتلفيق تهمة المتاجرة بالمخدرات له للانتقام من نائب الوكيل العام للملك الذي تجرأ وأمر بفتح تحقيق في السجن المدني بآسفي بعد الإضراب الذي شنه السجناء داخله. وانتقاما أيضا لكل الشكايات التي فتح فيها نائب الوكيل العام للملك تحقيقا والتي كانت تتهم كلها رئيس الشرطة القضائية بالتعذيب والشطط في استعمال السلطة.
هكذا نفهم بشكل أفضل لماذا يدعي رئيس الشرطة القضائية أنه حاصل على دكتوراه في علم الإجرام. «الراجل قاري على الإجرام فالجامعة، ماشي غير سامع عليه».
عندما ترى الإدارة العامة للأمن الوطني كيف أن بعض رؤساء الشرطة القضائية أصبحوا في ظرف وجيز يشيدون القصور في الشمال، إلى جانب تجار المخدرات. وعندما نكتشف أن قائد سرية الدرك الملكي بتارغيست لديه في حساباته تسعون مليار سنتيم. وعندما نرى كيف أن جنرالا «يصرف» 120 مليون سنتيم إلى الأورو في باب سبتة فقط لكي يقضي بها عطلة لبعض الأيام في «لاكوسطا ديل صول». عندما نرى كل ذلك نفهم أن هناك شيئا ما فاسدا في المملكة الشريفة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.