وضعت كومة من الأوراق والقصاصات والخلاصات لدراسات كثيرة، وأنا أبحث عن موضوع لعمودي الأسبوعي، حتى استقر أمري على موضوعين: كتبت صفحة في الأول ثم قفزت إلى الثاني وكتبت عدة أسطر، وبدأتْ أفكاري تتلاشى وتذوب وسط زوبعة من الأحاسيس التي تجتاحني، كما يحدث لمكعب السكر في كوب شاي دافئ. وعجزت عن الإمساك بطرف الخيط من جديد. هل سأفعلها مرة أخرى؟ وأسقط الطائرة في الحديقة، كما حصل مع موضوع الأسبوع الفارط، حيث انطلقت من «ثورة الفل» المصرية لأرتمي في سرير الحرية والجنس؟!... اليوم سبب توتري ليس «الفل» ولا «الياسمين» وإنما ثورة جديدة انفجرت كالبركان في ليبيا الشقيقة.. لم نَجْنِ منها وردا بعدُ، وإنما شوكا من العنف الوحشي. ولم نشمَّ عبيرا، ولكن عبق الدم المسفوح... وصارت الأخبار التي تأتيني من هناك أداة التعذيب التي أصطلي بها صباح مساء، وصار صدري درعا تتساقط عليه رصاصات المرتزقة وقذائف المدرعات. نحتاج إلى وقت طويل كي نتجاوز أحاسيسنا الأولى، حتى نستطيع الكتابة بموضوعية وعلمية، فما يحدث اليوم يحمل من الدلالة التاريخية ومن الهول والغرائبية ما يجعل منا شهودا لأحداث غير عادية لا تتكرر إلا مرة كل 70 سنة أو أكثر، كما يحدث مع مذنب «هالي»، الذي يزورنا مرة كل 76 سنة. كان يعتريني الخجل وأنا أرى مريضا بجنون العظمة -نطلق عليه في الأمراض النفسية «البارانويا»- يحكم شعبا بأكمله، كأن أرحام حفيدات عمر المختار عجزت عن ولادة رجل رشيد يسحب من تحت أرجله البساط، فدلائل جنونه لا تخفى على أحد: يكفي أن تراه وهو يمشي رافعا رأسه يطاول بها الجبال، وجامعا قبضته ليمسك بها الثريا، وخيمته التي «ترحل» معه حيثما نزل... ولباسه الفريد الذي ينتحر لرؤية كل مصممي الأزياء، وشعره المنفوش وصدره المرصع بالنياشين والخرائط ومعارض الصور الفوتوغرافية... وألقابه الرنانة: فهو قائد الثورة وملك ملوك إفريقيا ورئيس الجماهيرية العربية الاشتراكية -خذ نفسا- الإفريقية الليبية العظمى... وإحدى مؤلفاته التي تحمل عنوان «القرية.. القرية، الأرض.. الأرض، وانتحار رائد الفضاء»!... أنا أفهم أن كل هذا لا علاقة له بالعلوم الجنسية ولكنّ القذافي موضوع جنسي لوحده: يكفي أن تعلموا أن اسمه الكامل هو معمر بومنيار القذافي، و«بومنيار» تعني في أمازيغية أهل الريف، في شمال المغرب «صاحب الذكر الكبير المنتصب»... ما أبلغها من كلمة تعني أربع أشياء مرة واحدة، تجعل الذي يفهمها يذوي من الخجل والحياء لِما تحمله من قلة الأدب، ويبدو لي أنه العضو الوحيد الذي يعمل جيدا في بدن مختل من رأسه إلى أخمص قدميه... كيف لا يخجل الليبيون والعرب والأمازيغ كلهم برئيس يحمل اسما يكشف عورة بأكملها... أتذكر أنه، منذ ما يقرب من سنة، رفضت السعودية اعتماد السفير الذي عينته باكستان كممثل لها في الرياض وكادت تندلع أزمة دبلوماسية لولا أن شرحت الدولة المستقبِلة أسباب الرفض الذي يرجع إلى كون السفير يحمل اسما معناه أكبر قضيب فاسمه «أكبر ز...» وقد تكرر رفضه في عدة دول عربية إلى أن استقر به الأمر في جنوب إفريقيا... فكيف قبلنا نحن العرب «كارثة» كالقذافي «بومنيار»، الذي أذل شعبا بأكمله وخرج يهدد ويتوعد ويسمي خيرة شبابه «جماعة من الجرذان والمخدرين والمقملين»، رغم أنه لم تنجب ليبيا من المخدرين إلا أبناءه الذين اشتهروا بلياليهم الحمراء في أشهر حانات أوربا، حيث يعربدون ويتحششون ولا ينبؤك مثل هنيبعل القذافي، صاحب الفتوحات الأوربية. لا هنيبعل القائد الفينيقي، الذي دحر روما على رأس جيش من الفيلة عن طريق إسبانيا وفرنسا، متحديا جبال البيريني. بعد سقوط بنعلي ومبارك والقذافي.. ستتحسن الصحة الجنسية بكل تأكيد فلا يمكن للجنس السليم أن يترعرع في بيئة فيها البطالة والجوع وانعدام السكن اللائق -الذي يحفظ للأزواج حريتهم وحميميتهم- وتفشي القهر والظلم والكبت والاستعباد للشرفاء الأحرار. العنف ليس اللطم ولا الركل ولا حتى الرشاش، العنف هو كل ما يشوش النظام المتناغم للأشياء ابتداء من «اغتصاب» العدالة و«اغتصاب» حرية الآخر، و«اغتصاب» الحب والجنس بين المحبين...