أكدت الدراسة أيضا أن الأفراد الأصحاء يتجهون إلى أن يكونوا أكثر سعادة من المرضى، وأن الرجال يكونون أكثر سعادة قليلا من النساء، وأن الأشخاص المتعلمين يكونون أكثر سعادة قليلا من غير المتعلمين. وقد أكدت الدراسات السابقة الملاحظات اليومية التي تقول إن المشاعر تكون معدية خلال فترة يسيرة جدا من الزمن، فإن بدأ شخص ما يجلس في غرفة بالضحك أو البكاء فإن الآخرين يشرعون به كذلك، إلا أن هذا الأمر ينحسر بعد بضع دقائق. إلا أن «دراسة فرامنغهام» أضافت نتائج غير متوقعة؛ وهي أن السعادة يمكنها أن تنتشر أيضا بشكل متنوع وواسع عبر الشبكات الاجتماعية. وقد وجد العلماء أنه إذا أصبحت الزوجة (أو الزوج) سعيدا، فإن الزوج (أو الزوجة) بدورها تصبح سعيدة باحتمال نسبته 8 في المائة. أما الإخوة الذين يصبحون سعداء، فيرفعون احتمال الشعور بالسعادة لدى إخوانهم بنسبة 14 في المائة. ولكن، وعلى عكس عدم ارتباط انتشار السمنة مع القرب الجغرافي، فإن انتشار السعادة يعتمد على المسافات. فالأزواج والأصدقاء نشروا سعادتهم إلى الأشخاص في دائرة لا يتعدى قطرها ميلا واحدا (1.6 كيلومترا). وفي حين لم تنتشر السمنة بين الجيران، فإن السعادة انتشرت بينهم. ومع هذا فإن القرب الجغرافي من زملاء العمل لم ينشر السعادة بينهم.
العزلة الاجتماعية: والسعادة، مثلها مثل السمنة، تنتشر بشكل أسرع بين أشخاص من نفس الجنس، أكثر من انتشارها بين أشخاص من الجنسين. ويبدو أن السعادة، مثل السمنة، تتعدى على الأقل حاجز 3 درجات من الانفصال، أي مثلا: من صديق إلى صديق لصديق ثان، ثم إلى صديق لذلك الشخص الأخير. إلا أن تأثيراتها تضمحل عند عبورها كل درجة من درجات الانفصال هذه، بل وإنها تأخذ في الاضمحلال عند الدرجة الأولى من الانفصال خلال فترة تتراوح بين 6 و12 شهرا. ورغم أن الباحثين لم يكتشفوا بالضبط كيفية انتشار السعادة عبر الشبكات الاجتماعية، فإنهم قدموا تخمينات حول الدور الإيجابي لعملية انتشار السعادة. فالناس كائنات اجتماعية، لذا فإن صحة وسعادة شخص ما يؤثران على الأشخاص الآخرين، ما دامت السعادة والتفاؤل يرتبطان بالصحة الوافرة. وما داما يزيدان من طول العمر، فإن «عدوى السعادة» ربما لها تأثيرات وفوائد صحية لكل أفراد المجتمعات السكانية. ومن المهم الإشارة إلى أن «دراسة فرامنغهام» وجدت أن التعاسة لا تنتشر عبر الشبكات الاجتماعية. لقد وجد بشكل مؤكد أن العزلة الاجتماعية تمثل أحد عوامل الخطر على حدوث النوبة القلبية، بينما وجد أن العلاقات القوية والنشاطات الاجتماعية المحلية تضفي خصائص وقائية. وعلى الرغم من أن الدراسات أظهرت أن الزواج يبدو أنه يقلل من أخطار سرطان البروستاتا، فإنه لم يظهر ما يؤكد أن العزلة الاجتماعية تمثل عامل خطر للإصابة بالسرطان. وقد افترضت دراسة لجامعة شيكاغو عام 2009 أن العزلة لها ذلك التأثير السرطاني، لدى الجرذان على الأقل، وقارن الباحثون بين مجموعات من 5 من إناث الجرذان، وإناث جرذان عاشت منعزلة، فظهرت زيادة بمقدار 3 مرات في خطر سرطان الثدي لدى الإناث المنعزلات، وكانت الأورام لديها أخطر مقارنة بإناث الجرذان الاجتماعية. ولم يرجع الباحثون هذه النتائج إلى تأثير الهرمونات الجنسية، بل كان المؤثر الأكبر كما يبدو هو التوتر. وعلى الرغم من أن البحث أجري على الجرذان، فإنه يثير أسئلة مهمة.
ميدان علم جديد: لقد دمرت الأوبئة البشرية عبر تاريخها القديم ابتداء من الطاعون وانتهاء بالأنفلونزا الإسبانية عام 1918. وقبل أن يتوصل العلماء إلى فهم دور الميكروبات في التسبب في حدوثها، وانتشار عدواها بين شخص وآخر، كان الناس يلقون باللوم على جوانب مثل سلوك الإنسان السيء أو النقمة الإلهية، أو تأثيرات قوى خارقة. إلا أن الأطباء يفهمون اليوم وسائل انتشار العدوى عبر المجموعات السكانية، لذا فإنهم يوظفون أدوات مكافحتها بلقاحات التطعيم، والحفاظ على النظافة، وعزل الأشخاص المرضى لمنع انتشار الوباء. ويظل العلم الذي يدرس الشبكات الاجتماعية علما جديدا أكثر جدة من علم الأوبئة، لذا فإن تأثيره المقبل على الطب لا يزال موضع تساؤل. ومع أن الطريقة المنهجية الإحصائية التي استخدمت في «دراسة فرامنغهام» حول السمنة والسعادة قوبلت بالانتقادات، فإن تلك الدراسات تطرح جوانب مثيرة حول احتمالات انتشار الظواهر غير المعدية عبر الشبكات الاجتماعية البشرية. كما أضافت الأبحاث إلى هذه الجوانب أنماطا أخرى مثل انتشار «عدوى» تناول الكحول، والكآبة. وقد يكون للشبكات الاجتماعية الطبيعية تأثيرات قوية فعلية على الصحة، وإن نجح الأطباء في فهمها، فإن بمقدورهم توظيفها ودعمها بهدف نشر العادات الصحية والسلوك الإيجابي ونمط الحياة الحكيم عبر كل المجتمعات السكانية، محسنين بذلك من صحة المجتمع ككل، ولكن علينا إجراء المزيد من الأبحاث في هذا المجال. المصدر: «كلية هارفارد الطبية»