«ماما».. كلمة تتمنى أن تسمعها كل امرأة، لكونها رمز الحياة المرتبطة بالأمومة والاستمرارية، ولكنْ هناك من النساء من يفتقدنها، سواء كنّ متزوجات -بسبب العقم- أو عانسات، فاتهنّ قطار الزواج، فيجنحن نحو تبني طفل يملأ «فراغ» حياتهن، وينعمن رفقته بالحنان، بأن يمنحن أنفسهنّ بتبني طفل بطاقة الدخول إلى عوالم الأمومة المفقودة. «المساء» رصدت ظاهرة تبني الأطفال من قِبل نساء لم تسعفهنّ حظوظهن في أن يَحظين بزوج يمنحهنّ طفلا يناديهن: «ماما».. بدأت كلثوم (موظفة) البالغة من العمر 40 سنة، حكايتها بالكشف عما كان يخالجها من إحساس بالحزن والاكتئاب من عنوستها وافتقادها طفلا يؤنس وحدتها، قبل أن تشفق لحالها أختها الكبرى، التي قبلت بتبنيها أحد بناتها «آية».. قالت لنا كلثوم: «كم مرة كنت أجبَر فيها على إخفاء شعوري أمام الآخرين كي لا أسمع منهم كلمات تثير مشاعري وتحمّلني عتابا فوق طاقتي.. إنها أصعب حالة يمكن أن تمر منها امرأة، حيث كنت بلا طفل أضمّه إلى صدري، الوضع الذي جعلني أعيش لحظات عصيبة من اليأس وتحقير الذات، إلى درجة أنني أصبحت أخضع لعلاج نفسيّ، ليُخلّصني من سيطرة العبث في حياتي».. تستجمع أنفاسها وتختم: «أما اليوم، ورغم أنني لم أتبنّ آية»، ابنة أختي، إلا بعد بلوغها سبع سنوات، فإنها استطاعت أن تُدخل البهجة والفرحة في حياتي، وإن كنت أتضايق إلى حدّ الغيرة من أنها لا تناديني «ماما».. الكلمة التي تعني لي الحياة، ما دمتُ لم أوفق في الزواج والإنجاب. الأمومة تعوضني عن الزّوج عالية، تبلغ من العمر 46 سنة، إطار بنكي، قالت: «لكل طفل الحق في أن ينمو وسط عائلة تحبّه أو عائلة بديلة تمنحه الحب نفسه.. هذا ما ورد في معاهدة الأممالمتحدة الخاصة بحقوق الطفل، من هذا المنطلق فضّلتُ الحصول على طفل من دار للأيتام من أجل الحصول على الأجرَيْن: الأول أنْ أرحمه من اليتم وأوفر له أسرة، وإنْ كنت أمثل فيها الأم والأب معا، وكذا كي أعوّض نفسي عما فاتني من العمر، حيث انتظرت طويلا من أجل عودة خطيبي من الديار الأمريكية لأكتشف أنه كان «يتسلّى بي»، ويوهمني بعلاقة لا وجود لها في حياته، لكونه تزوج بعد هجرته إلى أمريكا وأنجب ثلاثة أبناء، بينما كان يسخر مني وجعلني أحبه وأنتظر عودته».. حياتي بلا هدف فاطمة، تبلغ من العمر 40 سنة، مسؤولة إدارية في شركة خاصة، قالت إنّ «إحساس الأمومة شيء رائع ولا يُقدَّر بثمن، حيث كنت أشعر بنقص قاتل قبيل تبني طفلة اخترتُ لها اسم «علية»، فكنا لبعضنا مُنقذين، أنقذتها من أم فقيرة لا تستطيع التكفل بمصاريف عيشها وأب تَنكّرَ لنسبها».. وتابعتْ: «أدخلتني علية إلى أجمل عالم ومنحتني صفة الأم التي أشعر بروعتها مع ذبذبات صوتها حين مناداتي «ماما».. وتعود لتتذكر «في السابق، عندما كنت بمفردي لا يملأ فراغي صراخها، كنتُ أتساءل بحسرة: لماذا أنا وليس غيري من النساء؟!.. لأنّ الحرمان من الأمومة يجعلني بلا هدف، علما أنني فشلت في تجربة الزواج لعدم إنجابي الأطفال، رغم أن الطبيب المعالج أكد سلامتي من العقم».. الأمومة لا يعادلها شيء «لا شيء يعوض شعوري بالأمومة الحقيقية».. بهذه الكلمات بدأت سمية حديثها حينما سألناها عن سبب تبنيها طفلها «هشام». قالت سمية، البالغة من العمر 37 سنة، وتعمل أستاذة: «في البداية، تردّدت كثيرا ورفضت ذلك على اعتبار أنّ التبني حلٌّ ترقيعيّ، ولا يمكنه أن يعوضني الإحساس بالأمومة الحقيقية، لكنّ الفراغ والحاجة إلى طفل جعلاني أستعين بصديقة لي تعمل في دار للأيتام من أجل تسهيل الإجراءات المُعقَّدة لتبني طفلة، لكني فشلت، والعذر: تردّد الجهات المعنية في الموافقة على تبني الإناث، خوفا من استغلالهنّ في أعمال مشبوهة.. وأعدت الكَرَّة بأن تقدّمتُ بطلب لتبني طفل (ذكر) ووُفّقت، وكان هشام الطائرَ الذي جلَب السّعادة إلى قلبي». تبنيتُ طفل خادمتي لم يسبق لنادية، مديرة شركة، الزواج، تبلغ من العمر 48 سنة. قالت: «إنّ أشدّ ما يؤلمني ويزيد من شعوري باليأس هو الناس وطريقة تعاملهم معي، حيث لم أتزوج ولديّ راتب شهري جيد، وكثيرا ما كنت أسمع لمن هذا الشيء؟ لمن تشترين وتجمعين المال وليس يوجد لديك طفل ولا زوج يرِثانِك؟.. متناسين ما تُخلّفه هذه الكلمات العابرة على نفسيتي، مما جعلني أقرّر تبنيَّ طفل من خادمتي، التي أنجبت طفلا من سفاح، ولم تستطع توفير الحياة الكريمة له».. تواصل نادية: «تبنيت «فهد»، الذي يبلغ من العمر حاليا 3 سنوات، وجعلته طفلي الوحيدَ، أسهر على رعايته وتربيته أحسن تربية، ولا أفكر يوما في أن أخبره أنّ والدته كانت خادمتي حتى لا يُحسّ بما يؤلمه من مشاعرَ قد تؤثر على علاقتي به، علما أنه ملأ فراغي ومنحني الحنان الذي كنت أفتقده وأسكَتَ عني الألسن القاسية، التي لم تكن ترحم أحاسيسي الدفينة، لكوني امرأة ومن حقي الزواج والإنجاب»..