منذ اليوم صرت أخشى على موقعي داخل جريدة «المساء»، أصبحت أخشى أن يأتي يوم وأجد فيه امحند العنصر يجلس في ذلك الركن القصي من المكتب، يحرر الملفات الأسبوعية، يفرغ الحوارات، ينقب عن الأخبار. أخشى حقا أن أفقد الوظيفة الوحيدة التي أتقنها في الحياة، بعد أن يثبت العنصر لرئيس التحرير قدرته الرهيبة على التقاط الأخبار من مظانها وعلى إجراء حوارات حصرية وعلى إنجاز تحقيقات ميدانية لم يسبق أن اقترب منها صحافي مغربي غيره. أنا موقن جدا بأن امحند العنصر -الذي تقلب في عدة وزارات وتقلد مناصب كثيرة داخل الدولة، وزهد في منصب الوزير كي يصبح رئيسا للجهة- يمكن أن يصبح بسهولة بالغة جدا صحافيا لامعا ينافس أشهر صحافيي «نيويورك تايمز» و»تايمز» و»إلباييس». أعرف أن العنصر لن يرضى بغير الجريدة الأولى في المغرب، كيفلا وهو كان دائما مستعدا للدفع بحوارييه إلى وزارات ثانوية مقابل أن يظفر هو بالوزارات التي يراها تليق بطموحاته التي لا تنتهي. سيفعلها العنصر، لا محال، سيأتي إلى «المساء»، سيأتي لا شك في ذلك، هو فقط ينتظر أن يزجي بعض الوقت في فاس انتقاما من غريمه حميد شباط الذي أخرج قيادات حزبه من مقرها وكسر صور رموزه، وحينما يسكن عقدة شباط سيبحث عن الصحافة مادام يتقن كل شيء. هذه هي فرصته كي ينتقم من أعدائه في الحركة التصحيحية، ستخصص له الجريدة فضاء واسعا ومحترما كي يكتب ما يشاء عن حزبه وعن الذين يريدون رأسه في حزب «أحرضان»؛ وهذه هي فرصته كي يكتب أعمدته النارية، ولن يكون بحاجة إلى افتتاحيات جريدته الشهيرة. أخشى على وظيفتي من العنصر، فلست صديق حليمة وكل تحالفاتي في الحياة هشة، أكثر من الهشاشة التي تحدث عنها الصبار في تقريره، وقد يفرط فيَّ رئيس تحريري بسهولة حينما يدرك أن العنصر، جوكير حقيقي، سيغنيه عن عشرات الصحافيين في هيئة التحرير. أتصور العنصر، من الآن، يدبج الافتتاحيات ويتصل بابنكيران ويجيبه ويتصل بنبيل ويجيبه، ويتحلق حوله الصحافيون قبل محنة البوكلاج كي يتوسط لفائدتهم لدى حليمة والبرجاوي ومزوار ولدى كل هؤلاء الذين اعتقدوا أنهم صاروا مشاهير ولا تهمهم أرقام الصحافيين. أتصور العنصر، الوزير «الشاب»، يفرغ حلقات كرسي الاعتراف مع شباط، ويتلذذ بتعذيبه ويسأله السؤال الشهير: من أخرجك من الحكومة ومن أوحى لك بأن تساند نقديا حكومة الموساد وداعش؟ وأتخيله يحاور لشكر ويقول له برزانة الصحافي الباحث عن المعلومة: كم من جماعة ربحت في الانتخابات الجماعية؟ ولمَ لمْ تربح جهة واحدة؟ أتخيله، كذلك، يسأل مصطفى بكوري: كيف سقطت في المحمدية ثم صرت، بقدرة قادر، رئيس أقوى جهة اقتصادية في المغرب؟ من يتجرأ على إخفاء الحقيقة عن العنصر، يكفي فقط أن يستفيد من بعض الدروس البسيطة في فن الحوار مع الأستاذ عبد الوهاب الرامي، ليكون محاورا رائعا. أنا أتنبأ له بذلك. من اليوم، سأحضر في الثامنة صباحا إلى المكتب، وسأبذل كل ما في وسعي كي أثبت لزملائي، ولرئيس التحرير أيضا، أني قادر على العمل بتفان كما لن يفعل العنصر.. وليتهم يقتنعون.. ماذا أفعل بعد أن يقرر العنصر أن يشتغل في الصحافة؟ ماذا سأفعل بعد أن يحتل الصفحتين الأولى والأخيرة؟ ماذا أفعل بعد أن يقنع الجميع بصلابة قلمه وغزارة معطياته وسعة مصادره؟ لا أمل لي سوى أن يتصادف دخوله إلى المكتب مع مزاج سيئ لأحد الزملاء… ساعتئذ، سأشكر الله، مقدر كل أقدار الكون، على رحمته التي وسعت كل شيء…