تيزنيت تحتفل ليلاً بصعود الأمل و"الريزينغ" يشعل ساحة الاستقبال وأجواء فرح لا تُنسى ( صور )    السغروشني تستعرض التحول الرقمي    مغاربة يُنددون بتجويع وتقتيل الغزيين ويرفضون "نكبة جديدة" بفلسطين    رئيس النيابة العامة: المحاماة تمثل أحد جناحي العدالة إلى جانب القضاء    المغرب يتأهل إلى نهائي كأس أمم إفريقيا تحت 20 سنة بعد الفوز على مصر.. وهذا هو خصمه    البارسا يُتوج بطلا للدوري الإسباني    أشبال المغرب إلى نهائي كأس إفريقيا بعد الفوز على مصر    سمو الأميرة للا حسناء تترأس الدورة الأولى للمجلس الإداري لمؤسسة المسرح الكبير    العرائش.. الدريوش في زيارة ميدانية لوحدات صناعية متخصصة في تثمين المنتجات البحرية    يستهدف 110 آلاف مستفيد... إطلاق مرتقب لبرنامج جديد لدعم المقاولات الصغيرة جدا    توقيع اتفاقية شراكة بين مجموعة أكديطال والتعاضدية العامة لموظفي الادارات العمومية    نصف نهائي "كان أقل من 20 سنة".. المغرب ينهي الشوط الأول متعادلا أمام مصر    الرباط.. الأميرة للا حسناء تترأس أول اجتماع للمجلس الإداري لمؤسسة المسرح الملكي    رئيس مجلس النواب يجري مباحثات مع المدير العام للمنظمة الإسلامية للأمن الغذائي    الإمارات تعلن استثمارات ضخمة بأمريكا    جهة طنجة تطوان الحسيمة تسجل أكبر عدد من حرائق الغابات في 2024    جماعة الحسيمة تستقبل وفدًا بلجيكيًا في إطار مشروع تربوي مشترك    سقوط أكثر من 100 شهيد في هجمات إسرائيلية جديدة على قطاع غزة    إعدام جماعي للكلاب المعقمة يثير موجة استنكار بطنجة وسكان يطالبون بالمحاسبة    مشجعو الكوكب المراكشي يحتفلون بعودة الفريق إلى القسم الأول من البطولة الاحترافية    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يترأس مأدبة غداء أقامها جلالة الملك بمناسبة الذكرى ال 69 لتأسيس القوات المسلحة الملكية    في الجزائر الانفعال سياسة دولة    بعد 3 أشهر من وضعه.. إزالة السوار الإلكتروني عن نيكولا ساركوزي وإفراج مشروط عنه    الانخفاض ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    بمناسبة سفر أول فوج منهم إلى الديار المقدسة ..أمير المؤمنين يدعو الحجاج المغاربة إلى التحلي بقيم الإسلام المثلى    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    تم توقيفه في باب مليلية.. خمسيني يحاول تهريب الشيرا في بطنه    قضية مبديع.. متهم أمام هيئة المحكمة باستئنافية الدار البيضاء: لم أتلقَ أي تعليمات بشأن الصفقات    الجيش الملكي يواجه الزمامرة في ثمن نهائي كأس العرش في هذا التاريخ    الغلوسي بخصوص المصادقة على مشروع القانون المسطرة: "هناك من يسعى لحماية المفسدين من المساءلة"    محكمة العرائش ترفض دعوى زوج الوزيرة المنصوري وتُمهّد لاسترجاع عقارات جماعية    الملك محمد السادس يهنئ باراغواي    افتتاح المعهد الوطني العالي للموسيقى والفن الكوريغرافي لتعزيز الإبداع والتعليم الفني بالمغرب    قبل استئناف تصفيات المونديال "فيفا" يُعيد خصم "أسود الأطلس" إلى المنافسة    فتوى تحرم استهلاك لحم الدجاج الصيني في موريتانيا    تزايد عدد المشردين يقلص الدخول إلى مطار مدريد    ابتلاع الطفل لأجسام غريبة .. أخطار وإسعافات أولية    ارتفاع الضغط يطال 1,2 مليون مغربي    باب برج مراكش يفتح ذراعيه لتيار تشكيلي مغربي يسعى لكتابة اسمه عالميًا    الأمن الوطني يحتفل بالذكرى ال69 لتأسيسه: وفاء للمسؤولية.. تحديث مستمر.. وخدمة مواطنة متجددة    دراسة: الاحترار المناخي يهدد أوروبا بانتشار وبائي لحمى الضنك وشيكونغونيا    فيدرالية الدواجن تفنّد شائعة الحظر الصيني وتؤكد سلامة الإنتاج الوطني    بنيعيش يفتتح مهرجان الموكار طانطان لحماية وصون تراث الصحراء    في خطوة لدعم العالم القروي: سند مستدام ثان لبنك المغرب من الصندوق الدولي للتنمية الزراعية    الموت يغيب الرابور "مول العافية"    إدريس الروخ يكشف كواليس تصوير "BAG" قبل العرض الأول    أسعار النفط تتراجع بعد ارتفاع مخزونات الخام الأمريكية    إحياء النادي السينمائي بمدينة مشرع بلقصيري    تقرير أمريكي يصنف المغرب كأفضل وجهة إفريقية لرجال الأعمال الأجانب    ترامب: أمريكا تقترب جدا من إبرام اتفاق نووي مع إيران    مشروع صيني مغربي جديد لتحلية مياه البحر يدشّن مرحلة متقدمة من التعاون البيئي    أسعار العملات الأجنبية مقابل الدرهم ليوم الخميس    من طنجة إلى بكين: كتاب "هكذا عرفتُ الصين" يكشف عمق الروابط التاريخية بين المغرب والصين    الكرملين يكشف عن تشكيلة وفده للمفاوضات مع أوكرانيا في إسطنبول    دراسة: الإفراط في الأغذية المُعالجة قد يضاعف خطر الإصابة بأعراض مبكرة لمرض باركنسون    أمير المؤمنين يوجه رسالة سامية إلى الحجاج المغاربة برسم موسم الحج لسنة 1446 ه    جلالة الملك يوجه رسالة سامية إلى الحجاج المغاربة بمناسبة انطلاق موسم الحج    رفع كسوة الكعبة استعدادا لموسم الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رواية جائزة المغرب التي أثارت جدالا
نشر في المساء يوم 03 - 03 - 2008

اختار محمد المعزوز في «رفيف الفصول»، عن وعي، كتابة نص روائي من أجل تحرير الذات مما يشحنها من أحداث وانفعالات ومواقف تحتفظ بها ذاكرة جريحة. ولأن الكاتب وفد على الرواية من مجالات كتابية أخرى «المسرح، البحث في الجماليات،..»، فمن الطبيعي أن تكون لنصه الروائي صبغة خاصة تميزه عن النصوص الروائية المغربية المجايلة. كما أن الكاتب لا تهمه، وهو مزحوم بانفعالات متراكمة ومنشغل بمغزى رسالته ونواياه التواصلية، الطريقة التي بها سيوصل الفحوى إلى المتلقي، مادامت هذه الأخيرة تتبوأ مكانة ثانوية في النص. إن الروائي، وهو يسرد، بات يحترق في ما يكتبه لأنه صادر عن ذات مكلومة وعاطفة تجيش بالصدق، مثلما ظل مشدودا إلى عوالم الطفولة والماضي أكثر مما هو منشغل بأساليب السرد والتبئير وصيغ الحكي. لذلك يجد القارئ نفسه مفتونا بالمحكي وأحداثه التي تؤطرها الذاكرة وفقا لمنطق استرجاعي يلبسه الكثير من الحنين ويصطبغ بألوان رومانسية.
وبما أن أغلب الأحداث تصدر عن ذات راو يشارك في بناء الأحداث، بل هو البطل الحقيقي في النص الذي يتفاعل مع شبكة من الشخصيات وفق علائق متواشجة، يظل من خلالها هو البؤرة، ومادام الكاتب الفعلي وجديا وعاش الكثير من تفاصيل الخيبات السياسية والإحباطات المتواصلة كمناضل في فضاء وجدة، ومادامت الأفضية المذكورة في النص موجودة فعلا في وجدة، فإنه يحق لنا القول بأن النص الروائي يتضمن الكثير من سمات النص السير- ذاتي.
تحت هذا الحصار الملغوم بين طاحونة المشاعر والمواقف، كانت الذاكرة تخفق وترتمي على البياض دفعة واحدة دون هوادة، متحدية بذلك عجز اللغة ومنطق التسلسل وتداخل الأحداث وكثرة الشخصيات. فالحكاية التي تتأسس عليها مادة النص تبدو بسيطة للغاية، غير أنها متخللة بسياقات فيها كثير من النقد والتشريح والتشخيص، حيث إن البطل «المعز بن نوالي»، الذي غاب عن الوطن مضطرا ما يزيد على عشرين سنة، عاد ليجد وجدة بفضاءاتها وشخوصها تتجرع طعم الخسارة والبؤس وترزح تحت نير الانتهازية والتفقير والانهيار «وحسبي أني جئت المدينة الأصل، لكني لم أجد تاريخها ولا معناها، وجدتها شكلا ميتا لا غير» ص 67. وبينما هو غارق في استيهاماته وشروده وتفكيره في هذه الحال وسباحته في ذاكرة الماضي الجميل الذي تحفزه على استدعائه ذاكرة الأمكنة الحافلة، كان، المرة تلو الأخرى، يفاجأ بأحداث مفجعة تزيد هذا النص درامية: موت ابن العم، مأساة سقوط «دار ليتام» على العشرات من الأطفال، غدر الناس وخيانتهم، انقلاب المحبوبة وتخليها عن أهلها وقيمها، تحول رمضان بن ميمون إلى إرهابي وتفجيره لنفسه في ساحة «سيدي عبد الوهاب» مخلفا الكثير من الضحايا، إخفاق المسيرة الاحتجاجية التي قام البطل بتنظيمها ضدا على محبوبته السابقة «الغالية» وجشع زوجها «خيطانو» ومعهما العميل «زازة»، تمكنه من اختطاف لقاء حميمي مع الغالية على الشاطئ، علاقة الحب التي نمت بينه وبين الصحفية الشابة «سلمى». لقد كان الراوي- البطل يحكي تفاصيل هذه الأحداث مجتمعة، وهو يذهب ويؤوب بين الماضي والحاضر.
لقد عاد الراوي- البطل إلى وجدة بحثا عن حب مستحيل جمعه بالغالية قبل أن يسافر إلى منفاه بعدما ترك لها بطنا عامرا، لكنه أصيب بفشل مريع لما وجد الغالية قد تزوجت أكبر مستغل وانتهازي في البلدة، وأجبن شاب عرفته وجدة في الماضي، وهو طفل لقيط لا أصل له. لتُكَون صحبته ثنائيا خطرا أفسد البلدة وامتص خيراتها وطوح بأهلها إلى جحيم الفقر والضياع؛ يقول الراوي: «أدركت أنها ليست الغالية التي أحببت، تلك المرأة التي بعت العمر من أجلها» ص97. إن الغالية، وهي تشكل لب القصة والحافز الذي حرض البطل على العودة إلى وجدة، تحمل دلالات ورموزا أكبر مما تدل عليه. فالغالية هي: الحب، والوطن، والحرية، والثقة، والأمل، والفرج،.. وبضياعها فقد ضاعت، وفق رؤية متناغمة، كل الأشياء الأخرى التي يمكن أن يحلم بها مواطن مناضل عاد بعد منفى عشرين سنة.
وقد استغل الروائي تجربة مع الجماليات ليختار بإتقان رموزه، الشيء الذي يجعل من النص أرضية خصبة لممارسة تشريح سيميائي يسبر غور معانيه ورسالته ومغزاه. فهناك اشتغال قوي على الجسد والدماء: دم البكارة المحيل على الفتح والخلاص- الصلع المؤدي لمعنى الذلة واليأس- الحفاء المحيل على البؤس والغضب- المرأة الرمز الذي يدل على الحلم والحياة والحرية- إجهاض الولد دليل على الخسارة الكبرى- الموت الذي يحيل على فناء القيم وخواء الإنسان من إنسانيته، بتر الأعضاء الدال على العقم وفقدان الوظيفية والموت البطيء... وغير ذلك مما يحفل به النص من مفارقات ساخرة خاصة على مستوى الأسماء والألقاب: (خيطانو- الغالية- دندان- زازة- رمضان- الكليعة-الدراز- رورو- زوزو- خلافة- بولعيون- بيبي- أم الخير-المخرشش- لعوج- المسخوط...). وكما يتضح، فالأسماء تنبض بالحياة، وتحبل بالدوال وتحتاج إلى من يسائلها سيميائيا كي تبوح وتشي بالمزيد مما لم يقله النص. كما أن أسماء الأماكن والمواقع تهيئ أرضية الاشتغال الأنثروبولوجي قصد بلوغ معان إضافية تثري زخم الدوال النصية: (سيدي يحيى- سيدي عبد الوهاب- ثلث أسقاقي- باب الغربي- أهل الجمال- الخرابة- سوق الغزل-..).
ومع أن الأحداث كانت تتدافع أمام مخيلة الراوي، فقد أتاح لنفسه تنويع اللغة بين الدارجة والشعرية والفرنسية. كما كان يستعرض، مرة، مرة، محفوظه من الأغاني والأشعار: «أغان فرنسية، أغاني الراي» (الصفحات: 114-143-144-145). وقد أفاد هذا التنويع، على مستوى الخطاب، النص في فتح آفاقه على العوالم الجوانية والبرانية، يذكي سيولته قصة حب متخللة بين البطل والغالية، وبينه وبين سلمى التي ظهرت لتعوض حبا فاشلا قديما أسقطته النوازع المادية.
نستشف من النص، فضلا عن ذلك، غيرة قوية على أم الرأس مدينة وجدة، إذ تشكل الرواية برمتها صراخ الذات من أجل إنجاد هذا البلد المهشم «اعترف هؤلاء أن وجدة تغرق في بؤس مقيت وأنها تنتهي رويدا في اندحار أخرق لا منطق له» ص 118، «هذه المدينة، الآن، تغرق في ظلام طويل، تقتات من حسائه المر وترتدي غيمة الزمن المنغلق... تجتر جمر الجموح شهادة على مهوى الإنسان في قيعان الجحيم» ص 33. وهي، كما أسلفتُ، رمز للوطن ككل. إن الرواية شكوى وبوح ومرثية لوطن يحتضر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.