إيلا كذب عليك عرفي راكي خايبة.. دراسة: الدراري مكيكذبوش مللي كي كونو يهضرو مع بنت زوينة        أبو عبيدة: العدو عالق في رمال غزة.. وهجوم إيران أربك حسابات الاحتلال    إقبال كبير من الجالية والنساء.. هذا عدد المغاربة المستفيدين من دعم السكن وتمكنوا من اقتناء سكنهم    محلل رياضي مشهور: أمرابط بمانشستر ليس اللاعب المتألق الذي رأيناه مع المنتخب المغربي في قطر    حزب الله يشن أعمق هجوم في إسرائيل منذ 7 أكتوبر.. والاحتلال يستعد لاجتياح رفح    طقس الأربعاء.. أمطار ورياح مع تناثر غبار بهذه المناطق    لقاء يستحضر مسار السوسيولوجي محمد جسوس من القرويين إلى "برينستون"    سيراليون دعمات الوحدة الترابية للمملكة.. هو الحل الوحيد لي عندو مصداقية    رحيمي والعين قصاو بونو والهلال وتأهلو لفينال شومبيونزليگ    موقف بركان قوي واتحاد العاصمة ضعيف وها الأحكام اللي يقدر يصدرها الكاف فقضية الغاء الماتش بسبب حماق الكابرانات    الحوار الاجتماعي.. الحكومة والنقابات داخلين فمفاوضات مكثفة على قبل الحق في الإضراب وحرية العمل    رد قوي من طرابلس على التكتل مجهول الهوية لي بغات تخلقو الجزائر.. ليبيا شكرات سيدنا على دعمه الثابت لقضيتها وأكدات أهمية تعزيز اتحاد المغرب العربي    تلاميذ متميزون يستكشفون آفاق الدراسة في كلية العلوم والتقنيات بالحسيمة    "الأحرار" يحسم الاقتراع الجزئي بفاس    المنتخب الجزائري لكرة اليد شبان ينسحب من مواجهة المغرب بسبب خريطة المملكة    بطولة إيطاليا لكرة القدم.. تأجيل احتفالات فريق إنتر باللقب ومباراته ضد تورينو إلى الأحد المقبل    لومبارت كوساك : الفلاحة .. العلاقة بين المغرب والاتحاد الأوروبي "غنية جدا"    إليك أبرز أمراض فصل الربيع وكيفية الوقاية منها    وزير فلسطيني: المغرب الأكثر اهتماما وعناية بشؤون القدس    ميارة يستقبل فيرا كوفاروفا نائبة رئيسة مجلس النواب التشيكي    الملكية الفكرية تدعم جميع جوانب الحياة في المغرب، بما في ذلك الزليج    الأمثال العامية بتطوان... (580)    يهم البذور والأغنام والحليب.. المغرب وفرنسا يعززان تعاونهما الفلاحي    الأديب عبد الرفيع جواهري ضيفا على برنامج "مدارات"    وزير الخارجية الإسباني يؤكد افتتاح الجمارك بباب سبتة    تفتيش شابة على متن حافلة ببني ملال يسفر عن مفاجأة    تداولات البورصة تغلق على "أداء سلبي"    عاجل. حكم قاصح بزاف. الاستيناف طلع العقوبة الحبسية للطاوجني ل4 سنين بسباب شكاية دارها بيه وزير العدل    وزارة إسبانية: "سيام" من أكثر المعارض الفلاحية الواعرة فشمال إفريقيا    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    فرنسا معولة على مخابرات المغرب فتأمين أولمبياد باريس وها شنو گال جيرالد دارمانان    آيت طالب: أمراض القلب والسكري والسرطان والجهاز التنفسي مزال كتشكل خطر فالمغرب..85 في المائة من الوفيات بسبابها    ضمن جولة إقليمية.. حموشي يقود وفدا أمنيا مغربيا إلى الدوحة ويتباحث مع مدير "أمن الدولة"    جائزتها 25 مليون.. "ديزي دروس" و"طوطو" يترأسان لجنة تحكيم مسابقة في فن "الراب"    مديرية الضرائب تعلن عن آخر أجل لإيداع الدخول المهنية    الأمم المتحدة تطالب بتحقيق دولي في المقابر الجماعية في مستشفيات غزة    خارطة طريق فلاحية جديدة بين المغرب وفرنسا    توقعات أحوال الطقس غدا الأربعاء    وزير الزراعة والأمن الغذائي بنيجيريا: "نرغب في تعميق علاقات التعاون مع المغرب في المجال الفلاحي"    أمل تيزنيت يستنكر الأخطاء التحكيمية التي ارتكبت في مباراته أمام جمعية المنصورية    بعد أزمة نهضة بركان.. الاتحاد الدولي للمصارعة يعتمد خريطة المملكة في أقمصة المنتخب    بكين تنفي "كل المزاعم بتجسس صيني"    أكادير.. الدورة الأولى لمهرجان "سوس كاسترو" الدولي لفنون الطهي ونجوم المطبخ من 25 إلى 28 أبريل الجاري    الذهب ينخفض لأدنى مستوى في أكثر من أسبوعين مع انحسار مخاوف الشرق الأوسط    بنموسى: الأزمة التي عاشتها المنظومة التعليمية شكّلت لنا فرصة للإصلاح    وزارة التربية الوطنية تشرع في عقد المجالس التأديبية للأساتذة الموقوفين وسط رفض نقابي لأي عقوبة في حقهم    حرائق الغابات تجتاح عددا من مقاطعات كندا    العلاج بالحميات الغذائية الوسيلة الفعالة للشفاء من القولون العصبي    هذه هي الرياضات المناسبة إذا كنت تعاني من آلام الظهر    ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و183 شهيدا منذ بدء الحرب    فرنسي يبصق على مؤثرة مغربية محجبة قرب برج إيفل (فيديو)        سعد لمجرد يكشف تفاصيل لقائه بجورج وسوف    الأمثال العامية بتطوان... (579)    وفاة الشيخ اليمني عبد المجيد الزنداني عن 82 عاما    كيف أشرح اللاهوت لابني ؟    الأسبوع الوطني للتلقيح من 22 إلى 26 أبريل الجاري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النقد والملاءمة
بصدد كتاب «في رحاب السرد: قراءة في البنيات والدلالات الروائية ل» د.عبد السلام أقلمون»
نشر في العلم يوم 19 - 03 - 2009


1-»في رحاب السرد» والمحمولات الكبرى
بناء على الترابط العلائقي بين هندسه النص البنائية، ومحتويات هذا البناء، نشير إلى أن المنجز النقدي «في رحاب السرد» تبنين في سبعة فصول ومقدمة موجزة، ويعتمد مفهوم «القراءة» استراتيجية نقدية للإنصات والتحليل ودراسة النصوص الروائية، أو منتج النص الروائي ومبدعه، مما جعل الخطاب النقدي متمفصلا إلى شقين؛ الأول «خطاب نظري» يتمحور حول مبدع النص الروائي، وهو خطاب يقتصر تجليه النصي على الفصل الأول. أما الخطاب الثاني فهو «خطاب تطبيقي» يدرس النص الروائي، ويفككه، ويبني دلالاته بناء على مكوناته البانية والمهيمنة. من هنا، أمكننا الحديث عن نمطين نقديين في مقاربة المحمولات الأساسية لهذا المنجز النقدي:
أ- الاعتراف النقدي:
يتخذ الاعتراف سمته النقدية في كتاب «في رحاب السرد» من الاشتغال على قامة إبداعية متمثلة في الروائي المصري «نجيب محفوظ»، وإبراز دوره في المشهد الروائي العربي المعاصر، فيستقي، بذلك، الاعتراف النقدي أهميته من تجديد الوعي بأهمية المبدع في تشييد نصوص روائية يسمها بميسم التميز، وتغدو هي خطابا دلاليا وجماليا دالا على مبدعها، ضمن صيرورة فكرية تحتفي بالمبدع، وتشير إلى تميز نصوصه الروائية. وبذلك تتجه الممارسة النقدية صوب الاحتفاء النقدي بالمبدع من منظور ثقافي معرفي، وليس من زاوية بيوغرافية وذوقية ضيقة، مادام «حكم الذوق ليس حكم معرفة»(3) كما يقول كانط. هكذا، توجه الفصل الأول صوب الروائي العربي المتميز «نجيب محفوظ»، مستثمرا خطابا نقديا إبستيمولوجيا؛ لأنه خطاب منصب على قضايا تخص المعرفة والبناء الروائي أفصح عنها المسار الحياتي النوعي «لنجيب محفوظ»، أو أضمرها وعمل الناقد على كشفها.
لذلك كان الحفر النقدي آلية منهجية ومعرفية اتخذها الناقد عبد السلام أقلمون ليذكر بالوضع الاعتباري والرمزي للروائي المصري «نجيب محفوظ»؛ وضع ساهمت في تحققه الذات المبدعة من جهة، وإنتاجها الروائي النوعي من جهة ثانية. فبالنظر إلى مميزات السياق العام لبداية القرن العشرين، التي يمكن اختزالها في ثلاث مقولات جوهرية: الأصالة التراثية، والمثاقفة، والصدمة الكولونيالية، استطاع «نجيب محفوظ» أن يتأقلم إبداعيا مع كل التغيرات والتحولات، مما أفضى به إلى اكتساب شرعية ثقافية قوامها «ملاءمة» الإنتاج الروائي لرؤاه الفكرية والجمالية، ولواقع ثقافي وتاريخي متغير باستمرار. لكن هذه الملاءمة تسندها، حسب الناقد، «صناعة إبداعية» تجعل الفعل الروائي محكوما بسلطة النموذج؛ حيث كان «نجيب محفوظ» أمام قيد التقليد قبل خلق «الأسلوب» الخاص به. ويظهر ذلك بقوة في تأثر «محفوظ» بنموذج الكتابة الروائية التي اختطها «جرجي زيدان» (ص13)، كما تعبر عنه بقوة الروايات الثلاث: رادوبيس، وكفاح طيبة، وعبث الأقدار.
وفي سياق الاعتراف النقدي يلح الناقد على أهمية الإنتاج المحفوظي الروائي؛ باعتباره إبداعا ولودا ومنتجا قوامه البناء المنتظم، كما يعكسه مساره الروائي القائم على ثلاثية مرحلية: التأسيس والتطوير والتجريب، وفتح كل مرحلة على قضية التأصيل والتثقيف، مما جعل الإنتاج الروائي محكوما بشرطية التراكم المفضي لجاوز الذات في كل تجربة روائية، وبشرطية الإنصات لنبض المجتمع وتفاعلاته وتحولاته وصراعات فرقائه أو تآلفها.. إلخ. ليصير النص الروائي المحفوظي، بناء على هذين الشرطين، تجربة فنية ومعرفية؛ حيث تغدو نصوصه الروائية: «خزانا للفكر والمعرفة، ومختبرا لتشريح المجتمع واستكناه العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وانعكاساتها في نفوس الناس، ونشوء مؤهلاتهم وخمود طموحهم، وأسباب إقبالهم على الحياة بهمة وعزم، وأسباب إدبارهم عنها في نكوص وجزع» (ص20). إنه المنطق الذي يؤكد التصاق الروائي بالمؤسسة الاجتماعية بكل مكوناتها وامتداداتها، مما يجعل النص الروائي المحفوظي منسجما والتصور الذي ينطلق منه «إيتالو كالفينو» من أن «الرواية المعاصرة كموسوعة، كمنهج معرفة، وفوق كل شيء كشبكة من الصلات بين الأحداث والناس والعالم»(4)
.
ويبدو الناقد، في الفصل الأول، متجها صوب التنصيص على أن «نجيب محفوظ» «ظاهرة» استثنائية في المشهد الروائي العربي؛ حيث يتجلى خطاب الاعتراف النقدي محكوما بمبدأين: الأول أساسه التحسيس بأهمية الإنتاج الروائي ل»نجيب محفوظ» من زاوية الملاءمة الفنية والفكرية التي يفرزها النص جراء انتمائه إلى لحظة مفارقة للأخرى، والثاني قوامه ترسيخ صورة نموذجية لمبدع فذ يتبني «فلسفة الماء» القائمة على التكيف مع الوضعيات الفكرية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية.. التي تعيشها الذات المبدعة.
ب-التحليل النقدي:
يصير الخطاب النقدي، في هذا المستوى، «قراءة» لستة نصوص روائية يحكمها مبدأ التنوع التيماتي والانتماء الجغرافي، مع هيمنة واضحة للنصوص الروائية المغربية. وتسعف طبيعة الخطاب النقدي المعتمد في دراسة النصوص الروائية الستة في تبين معالم التنوع النقدي، أثناء عملية الدراسة والتحليل.
هكذا، يقارب الناقد رواية محمود المسعدي «حدث أبو هريرة قال..» من منظور نقدي يتأسس على ثلاثة منطلقات؛ تاريخي وأجناسي وجمالي. في المنطلق الأول يقرر الناقد عبد السلام أقلمون أهمية الرواية في المسار الروائي العربي؛ أهمية تؤكد أنها «نص تأسيسي»(ص25)، بناء على التمايز النوعي لهذا النص عن غيره من الروايات المعاصرة له. وهو إقرار تأتى بعدما غير الناقد مسار «القراءة» معتمدا على مؤشر زمني في المقاربة والتحليل، يتمثل في زمن الكتابة (1940) لا زمن النشر (1972). وفي المنطلق الثاني يستنتج الناقد أن الانتماء الأجناسي لهذا النص يتحدد في كونه «رواية تأسيسية شعرية تراثية فلسفية»(ص27). إنه قانون النحت الذي يحتكم إلى الصيرورة الزمنية ليقر بتأسيسية الرواية، وإلى الانزياح اللغوي للإقرار بشعريتها، وإلى بنيتها المعجمية والتركيبية لإثبات تراثيتها، وإلى محكي أفكارها وأقوالها لتأكيد فلسفيتها. وفي المنطلق الثالث ينطلق الناقد في مساءلة بعض العناصر الجمالية المؤسسة للفعل الروائي؛ حيث توجَّه الخطاب النقدي صوب العناصر البانية؛ خاصة الشخصية الروائية التي تنفتح على دلالات شتى، أهمها «القلق الوجودي» للكائن البشري (ص31).
ويتخذ الناقد إشكالية الخلخلة التي أحدثها نص «أوراق» لعبد الله العروي على مستوى التعيين الأجناسي مدخلا هاما لتحليل ودراسة هذا النص، منتقدا في البداية فعل الخلخلة الذي لا يستجيب لقانون التراكم، مما جعل الناقد لا يكف عن طرح الأسئلة المعبرة عن قلق الانشغال بمساءلة نقدية لجنس أدبي «طريف»، ولنص سردي يحكمه انشطار الحكاية التقليدية، لكن تؤطره بنيات تيماتية محورية حصرها الناقد في «الوطنية والإسلام والفكر الغربي»(ص40)، ويمكن من جهتنا أن نظيف المؤسسة والتعبير، وهو ما أكده الناقد حينما أقر بأن «أوراق» «خليط من الأجناس التعبيرية»(ص47) التي يمكننا أن نظيف لما أورده (تسعة أشكال تعبيرية)، المقالة والحكاية التراثية والسيرة الذاتية والغيرية، مما أفضى إلى ترك سؤال الانتماء الأجناسي ل»أوراق» معلقا: «وبعد؛ في أي جنس أدبي نستطيع أن نصنف «أوراق»؟ (ص48). يمكننا أن نجيب ببساطة إنه جنس «السيرة الذهنية»(5)؛ الجنس الذي أبدع فيه ابن طفيل والغزالي والعقاد وجبرا إبراهيم جبرا وكولن ولسون...إلخ.
ووجد الناقد في رواية «السيل» لأحمد التوفيق «مذاقا» خاصا، نعته «بمذاق مغربي»؛ لكنه مذاق مر، لأن الرواية، من منظور الناقد، تقربنا في حركيتها الرحلية، من البادية وإليها بعد الاسقرار الجزئي في المدينة من عوالم السوداوية والظلامية والبؤس والحزن والمأساة، عبر بناء فني ينهض على «جمالية البشاعة» (ص53)، التي اكتشفها بودلير(6). وتدعم رواية «غريبة الحسين» التوجه المغربي لأحمد التوفيق في منجزه الروائي؛ لكن ليس المغربية الشوفينية ذات التوجه الإثنوغرافي الضيق، بل المغربية المحتفية بالهوية المحلية، حيث صار المغرب قبلة للآخر الأجنبي المحمل برؤية إيجابية تعمق المثاقفة المنتجة، وتخترق الخطاب الاستشراقي المحمل بقيم الانتقاص، مما جعل رحلة «كلود» بطلة الرواية «هجرة نحو الجنوب»، في سياق ما يسميه إدوارد سعيد ب»الرحلة إلى الداخل»(7)؛ رحلة تحطم التمثلات الجاهزة والمصوغة وفق متخيل الليالي الألف.
وإذا كانت المرجعية الرحلية هي المدخل لقراءة النص الروائي السابق، فإن قراءة رواية «البوار» لزهرة المنصوري كان من زاوية المرجعية الفضائية؛ التي تمركز محكيها حول جغرافية القرية أوالجبل المهملة والمهمشة والمتحققة الوجود، يقول الناقد: «وحسنا فعلت «البوار» وهي تلتفت إلى هذا الفضاء الطبيعي الأسطوري المسمى القرية المغربية» (ص94). كل ذلك جعل من رواية «البوار» رواية قضية (ص99) بمواصفات جمالية وفنية ملائمة للمرجعة الفضائية؛ حيث انزاحت فيها البطولة لصالح الفضاء بامتداداته المتنوعة. وضمن نفس السياق، يقارب الناقد قصة «شجرة الأرغان» لسليمان القوابعة، بادئا بالحديث عن إشكالية المهمش الفضائي في المنجز الروائي؛ حيث تظل الكثير من المدن المغربية، مثل مدينة تارودانت، ذات الصيت التاريخي، والخصوصيات الثقافية والاجتماعية النوعية منفلتة من التداول الإبداعي، عكس بعض المدن المتمركزة في الأنطولوجيا الروائية المغربية والعربية. لذلك تشكل القصة استثناء هاما في الالتفات لهذا الفضاء؛ بيد أنها التفاته لم تكن محكومة بصنعة قصصية تبرز هذا الفضاء، الذي جاء باهتا في النص، ومحكوما بمبدأ التعالي على الشرط المكاني، مما جعل
المكان القصصي مطلقا في امتداده الجغرافي رغم ارتباطه بشجرة الأرغان وزيته.
2-»في رحاب السرد» والخلفية المنهجية
لا يقدم الناقد في خطابه المقدماتي إشارة دقيقة للخلفية المنهجية المؤطرة للفعل النقدي، بيد أن الخطاب النقدي يعبر عن خلفية منهجية تقوم على التنويع والملاءمة أثناء «القراءة» والتحليل، فيصير الفعل النقدي مدعوما بخلفيات منهجية يفصح عنها الخطاب النقدي الذي يترك النص يفرض منهجية خاصة لقراءته وتفكيك بنياته، وبناء دلالاته. ويمكن إجمال المنطلق المنهجي في السيميائيات السردية، ونظرية التأويل. في المنطلق الأول توجه العناية صوب المكونات البنائية للنص الروائي، وتفكيك العلامات والرموز النصية. وفي التوجه الثاني يحتكم بناء الدلالة إلى إضاءة العتمات، وتحويل «الإنصات» إلى النص إلى فعل دينامي يفعل كل صمت يتسرب من شقوق النص الروائي وفراغاته.
3-»في رحاب السرد» ومبادئ الممارسة النقدية
نروم في هذه الخطوة الإجابة عن السؤال التالي: ما هي المبادئ التي احتكم إليها الناقد عبد السلام أقلمون في دراسته للنصوص الروائية؟
لقد تحكمت عدة مبادئ في الخطاب النقدي للمنجز النقدي «في رحاب السرد»، من بينها:
-مبدأ التأصيل: يتجلى هذا المبدأ في رغبة الناقد القوية لإثبات العلاقة الوطيدة بين الفعل الروائي والمادة التاريخية التراثية؛ حيث يؤكد أن البداية الروائية ل»نجيب محفوظ» اقترنت ب»التاريخ الفرعوني». ويتخذ التأصيل، أحيانا، طابع الدفاع عن الهوية المحلية، وهو ما نلمسه بقوة في «قراءة» النصوص الروائية «البوار» و»غريبة الحسين» و»السيل»، التي يتحدث عنها وعن مبدعها بحماس نقدي قائلا: «هذه الطريقة تشي بقدرة أحمد التوفيق على إنتاج نص تكون نسبته إلى «المغربية» فوق الجدل، أي الرواية بمذاق مغربي قادر على المنافسة في سوق الإبداع الروائي العربي» (ص66).
-مبدأ التنظير: يسجل هذا المبدأ حضوره القوي في الفصل الأول، ويبدو مدمجا في سياق التحليل النقدي لباقي فصول المؤلف النقدي. ويتخذ هذا المبدأ أداة للتداول النقدي في القضايا المتصلة بالنص الروائي؛ بدءا بالتعيين الأجناسي وإشكالية التجريب (نص أوراق)، مرورا باللغة الروائية التي تتمرد على لغة النثر التقليدي (نص السيل)، وصولا إلى الرواية و»التحدي الثقافي للآخر»(ص72) عبر بنية إبدالية للطروحات الاستشراقية التحقيرية والجاهزة (نص غريبة الحسين)، انتهاء بالفضاء الروائي الذي تلائمه منهجيا «السيميوطيقا الطوبولوجية» لقراءة أبعاد الفضاء المضمرة والغنية، وبنائه الجمالي المحكم كما يعبر عنه النسيج الفضائي لرواية «البوار». أو بنائه الفني الهش، ودلالاته المألوفة، كما تعبر عن ذلك قصة «شجرة الأركان».
-مبدأ النحت: ينشَدُّ هذا المبدأ إلى الجانب المفاهيمي، مدعما إنتاجية الخطاب النقدي؛ سواء من زاوية الإنتاجية، أم من زاوية إعادة الإنتاج وتجديد الصياغة. ويمكننا التمثيل بالمقولات التالية: رواية تأسيسية شعرية تراثية فلسفية (ص27)، الفحولة الروائية (ص66)، البيان الروائي ?البيان بمفهومه البلاغي-(ص69)، التفضية.. إلخ.
-مبدأ الاقتحام النقدي: ونقصد به الإعلان الصريح عن مظاهر القوة والضعف في النص الروائي في سياق نقدي يحاول إعادة الاعتبار لمبدأ التقويم الذي يتأسس عليه الفعل النقدي، وهو ما يمارسه الناقد تجاه النصوص الروائية المدروسة، لأنه ينطلق من قناعة فكرية مفادها: «أن النقد الروائي إما أن يكون مجاملا إما أن يكون تبريريا. وأنا أعرف أن النقد الروائي المغربي قد حاز من العلم بمجاله ما لا أعتقد أن مثله تهيأ لموقع آخر في عالمنا العربي.. ولكن.. كل ما ينجزه حتى الآن عبارة عن قراءة النصوص وتحليلها دون إبداء الرأي في روائيتها ومستواها من الإقناع» (ص51).
-مبدأ القلب المنهجي: يظهر هذا المبدأ بقوة حينما يعمد الناقد إلى ختم دراسته النقدية لبعض النصوص الروائية بمقاربة العنوان؛ حيث يعكس ويقلب التمرحل المنهجي المألوف الذي يجعل دراسة العنوان، وغيره من العتبات النصية في بداية التحليل. وهذا ما نلمسه في دراسة عنوان روايتي «غريبة الحسين» و»شجرة الأركان» في نهاية الدراسة النقدية.
-مبدأ المقارنة والاستدلال: يكشف هذا المبدأ عن تراكم قرائي إبداعي ونقدي كبير؛ سواء كان المنتوج المقروء غربيا أم عربيا. وتتجلى معالم المقارنة بين الروائيين والنصوص الروائية في استحضار نصوص موازية للمتن المدروس. هكذا، تتم الإشارة إلى النصوص الإبداعية التالية، على سبيل المقارنة،جارات أبي موسى، موسم الهجرة إلى الشمال، ثلاثية غرناطة، عرس الزين. وإلى المنجز النقدي، على سبيل الاستدلال والحوار النقدي، لكل من ابن خلدون، ولوكاتش، وأورباخ، وكريزنسكي، وجان ماري شيفر، وكريستيفا، وفليب هامون، وغريماس، وغريفل، وباختين، وجينيت، ولينتفيلت، وعبد الله العروي، وأحمد التوفيق، وحميد لحمداني، ومحمد برادة، وإدريس الناقوري، وعبد السلام أقلمون..إلخ.
4-»في رحاب السرد» واللغة النقدية
يتمرد الناقد عبد السلام أقلون على الصرامة اللغوية للخطاب النقدي، فيحررها، أحيانا، من طابعها التقريري الجاف، ويجنح بها، أحيانا أخرى، إلى السخرية اللاذعة. وللتدليل على ذلك نسوق الأمثلة التالية:
-إن الوجود منطو على أسراره الجميلة في صدفات أغوار المتعة الحسية. فاستفاق على تلك الحقيقة وأكل منها صورا من الإحساس بروعة الوجود، تعكسه رقصة الفتى والفتاة في محفل هو الحياة، تدعو الأشواق إلى أن تبعث على ندائها... (ص31).
-والغفلة عن هذه المعطيات قد يوقع الناقد والقارئ على السواء في دوامة الحيرة والتيه في خلجان هذا المركب النصي. (ص44).
-ف»أوراق» عملية حفر شديدة في الذاكرة، تحاول أن تعرض الذهن للشمس، وأن تخترق به العتمة والظلمة.. وأن تكشف كل شيء في النور. (ص47).
-فداخل الوطن الواحد تستمر وتتعايش جميع الأزمنة التاريخية حيث لا يزال العصر الحجري والخشبي والحديدي.. أزمنة حية في الواقع أيضا وليس فقط في وثائق المؤرخين. (ص61).
-..لينظر في البوار أي شيء هو، وأي شيء أفضى إليه، ولأي شيء تبور الأشياء، ولما لا يتراجع البوار أمام صبيب غيث يرفع الجدب، ويحيي موات هذه الأرض لتهتز وتطرز أديمها المشقوق بوشي الطبيعة الغناء؟ (ص85).
-لعلها أوهام تحز نياط العاشقين الصمود والصعود، غزلتها الكتابة بألف لون من خيوط الحياة فنسجت بها ذلك السجاد القروي الباذخ بأشكاله الفطرية وألوانه الفانتاستيكية.. (ص86).
تعبر هذه النماذج أولا عن الحس الشاعري المضمر عند الناقد عبد السلام أقلمون، وثانيا عن المرح النقدي، الذي يساعد في متابعة القراءة النقدية ببسمة تفجرها اللغة، بدل التجهم الذي تولده الكثير من المنجزات النقدية.
قدمت هذه الورقة في حفل توقيع الكتاب ضمن أنشطة المعرض الجهوي للكتاب: صيف الكتاب 2008 بأكادير، يوم الثلاثاء 08 يوليوز 2008.
1- د. عبد السلام أقلمون، في رحاب السرد: قراءة في البنيات والدلالات الروائية، ربانيت RABAT NET، المغرب، ط1، 2008، وأرقام الصفحات داخل المقال التي لا تحيل على الهامش هي أرقام صفحات الكتاب.
2 - يشير الناقد في بداية كل فصل إلى أنه في الأصل مقال نشر في منبر ثقافي وطني، أو مقال شارك به الناقد في إحدى الملتقيات الثقافية الوطنية.
3 - إمانويل كانت، نقد ملكة الحكم، ترجمة: غانم هنا، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، ط1، 2005، ص: 101.
4 - إيتالو كالفينو، ست وصايا للألفية القادمة: محاضرات في الإبداع، ترجمة وتقديم: محمد الأسعد، سلسلة إبداعات عالمية، الكويت، العدد 321، ديسمبر 1999، ص: 101.
5 - يمكن العودة للدراسة القيمة للأستاذ محمد الداهي حول السيرة الذهنية وبعض تحققاتها النصية، انظر: شعرية السيرة الذهنية: محاولة تأصيل، دار وليلي للطبع، مراكش، ط1، 2000.
6 -د.حميد لحمداني، القراءة وتوليد الدلالة: تغيير عاداتنا في قراءة النص الأدبي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء - بيروت، ط1، 2003، ص: 17.
7 -إدوارد سعيد، الثقافة والإمبريالية، ترجمة: كمال أبو ديب، دار الآداب، ط2، 1998، ص: 274.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.