في غفلة منا، وفي غفلة من زمن العولمة الذي اجتاحنا وأفقر جيوبنا وحولنا إلى عبيد استهلاك، لم يعد أطفال وبنات المغرب يعرفون طعم نبات كرينبوش الذي كان المسكن الطبيعي لجوع سابقيهم في مغرب ما بعد الاستقلال حتى نهاية الثمانينات من عهد الحسن الثاني. كرينبوش، ورغم أنه لم يكن له طعم خاص، فقد كان يزود أجساد الأطفال بكل الألياف النباتية الضرورية لنموهم، وكان سكان القرى، من صغار وضعاف الفلاحين، يقدمون خدمة بيعه أمام مدارس المدن بعد كل فصل شتاء مقابل بضع نقود صفراء بائسة، لكنها كانت كافية في ذلك الزمن الغابر لحفظ الكرامة والعيش من غير تسول. هذه النبتة العجيبة، التي لا شك وأنها من عائلة «الجلبانة» الخضراء، انقطعت عنا أخبارها، وهجرت أبواب المدارس بعد أن عوضتها قطع الشوكولاطا المستوردة من تركيا ومصر أو تلك المحضرة في معامل عين السبع وبرشيد والتي تباع بدرهم واحد، مقابل حشو أمعاء أطفالنا بالسكريات والدهنيات الزائدة. كرينبوش، النبتة، كانت علامة جميلة عن مغرب انقطعت عنا أخباره هو الآخر، تماما كالترفاس الذي كان يأتي مع أول «المنازل» بعد أن يخترق البرق والرعد مسامعنا في الليالي المغربية الطويلة والمفقودة، وحتى القسدان المشوي أمام المدارس ودور السينما انتهى إلى رف أرشيف الذاكرة الوطنية. أطفال مغرب اليوم لا علم لهم بكل هذه المأكولات، فمعارفهم وأذواقهم أصبحت لصيقة ب«البيتزا، وماكدو، وكيندرز، والبانيني، والإسكالوب، وسنيكرز»، مع ما تكلفه هذه الأشياء من ثقوب عميقة في جيوب الآباء، وما تخلفه من ترسبات دهنية تعيق، في كثير من الأحيان، نمو الأبناء وتنعكس سلبا على صحة أسنانهم وعظامهم وقوة ذاكرتهم. الآباء الذين يركضون مكرهين وراء الاختيارات الجديدة لأبنائهم، يتناسون أنهم في موقع توجيه الأطفال لا في موقع التبعية العمياء لسوق الإشهار الذي يستهدف عقلية الأطفال بالأساس، ويكلفهم، عبر مكر الخطاب الإشهاري، بمهمة استخراج النقود من جيوب وأرصدة الآباء.