الدوزي يكشف أسباب الانسحاب من "أغنية الكان" .. ويأمل تتويج أسود الأطلس    تقرير: النيابات العامة تمكنت من تصفية أزيد من 497 ألف شكاية سنة 2024، بما يفوق عدد الشكايات المسجلة خلال نفس السنة    طنجة.. شخص يُنهي حياته بحي المصلى    الركراكي يختم التحضيرات للقاء مالي    كأس إفريقيا.. أنغولا وزيمبابوي في مواجهة مصيرية ضمن المجموعة الثانية        زخات رعدية محليا قوية وتساقطات ثلجية ورياح قوية وطقس بارد من الخميس إلى الأحد بعدد من مناطق المملكة (نشرة إنذارية)    ارتفاع تداولات بورصة الدار البيضاء    الأرصاد الجوية تحذر من تكرار فيضانات آسفي و"تساقطات سلا" السبت المقبل    ساعف: السياق السياسي بالمغرب يعرف انحدارا كبيرا    زخات رعدية قوية وتساقطات ثلجية مرتقبة بعدد من مناطق المملكة    عقد اتحاد طنجة لجمعه العام العادي رغم طلب العصبة تأجيله يثير جدلًا    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    الفنان الروسي بيوتر إكولوف يحيي حفلا موسيقيا ببيت الصحافة بطنجة    مدرب مالي يناشد جماهير الرجاء لدعم نسور مالي أمام المغرب    جمعية تكافل للاطفال مرضى الصرع والإعاقة تقدم البرنامج التحسيسي الخاص بمرض الصرع    حين تفتح سانت بطرسبورغ أبوابها ويخرج المغرب من الضوء    نبأ الجميلي تناقش أطروحة دكتوراة عن أدب سناء الشعلان في جامعة تركيّة    جائزة الملك فيصل بالتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء تنظمان محاضرة علمية بعنوان: "أعلام الفقه المالكي والذاكرة المكانية من خلال علم الأطالس"    "أسود الأطلس" في اختبار قوي أمام "نسور" مالي لحسم التأهل مبكرا إلى ثمن نهائي "الكان"    "الكاف" يعاقب الجيش الملكي بحرمان جماهيره من حضور مباراتين في دوري الأبطال    رحال المكاوي يحصل شهادة الدكتوراه من كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال بالرباط    وزارة العدل وجمعية هيئات المحامين تتدارسان جدل القانون المنظم للمهنة    مطار محمد الخامس يكسر حاجز 11 مليون مسافر بفضل كأس إفريقيا    معهد الجيوفيزياء يوضح تفاصيل هزّتَي مكناس وأسباب عودة النشاط الزلزالي    حوض سبو.. السدود تسجل نسبة ملء تبلغ 42,8 في المائة    نتائج الجولة الأولى من دور المجموعات        السلطات الأمريكية تحقق في صعوبة فتح أبواب سيارات تيسلا    14 دولة تندد بإقرار إسرائيل إنشاء مستوطنات في الضفة الغربية المحتلة        أنفوغرافيك | حصيلة 2025.. الجرائم المالية والاقتصادية وغسيل الأموال    الجزائر تُقرّ قانوناً يجرّم الاستعمار الفرنسي ويطالب باعتذار وتعويضات.. وباريس تندد وتصف الخطوة ب«العدائية»    2025 عام دامٍ للصحافة: غزة تسجل أعلى حصيلة مع 43% من الصحفيين القتلى حول العالم    وزارة العدل الأمريكية تحصل على مليون وثيقة يُحتمل ارتباطها بقضية إبستين    إحراق سيارة تحمل لافتة لمناسبة عيد حانوكا اليهودي في ملبورن الأسترالية    تهنئة مثيرة لترامب تشمل "حثالة اليسار"    قناة "الحوار التونسية" تعتذر للمغاربة    "الجمعية" تحمّل السلطات مسؤولية تدهور صحة معطلين مضربين عن الطعام في تادلة وتطالب بفتح الحوار معهما        إطلاق خط سككي جديد فائق السرعة يربط مدينتين تاريخيتين في الصين    الصين تكتشف حقلا نفطيا جديدا في بحر بوهاي    بالإجماع.. المستشارين يصادق على مشروع قانون إعادة تنظيم مجلس الصحافة    معارض إفريقية متنوعة للصناعة التقليدية بأكادير ضمن فعاليات كأس إفريقيا للأمم 2025    فيدرالية اليسار الديمقراطي تحذر من حالة الشلّل الذي تعيشه جماعة المحمدية        ندوة علمية بكلية الآداب بن مسيك تناقش فقه السيرة النبوية ورهانات الواقع المعاصر    بالملايين.. لائحة الأفلام المغربية المستفيدة من الدعم الحكومي    كيف يمكنني تسلية طفلي في الإجازة بدون أعباء مالية إضافية؟    ملتقى العيون للصحافة يعالج دور الإعلام في الدفاع عن الصحراء المغربية    ‬ال»كان‮«: ‬السياسة والاستيتيقا والمجتمع‮    رباط النغم بين موسكو والرباط.. أكثر من 5 قارات تعزف على وتر واحد ختام يليق بمدينة تتنفس فنا    رهبة الكون تسحق غرور البشر    بلاغ بحمّى الكلام    فجيج في عيون وثائقها    الولايات المتحدة توافق على أول نسخة أقراص من علاج رائج لإنقاص الوزن    دراسة: ضوء النهار الطبيعي يساعد في ضبط مستويات الغلوكوز في الدم لدى مرضى السكري    دراسة صينية: تناول الجبن والقشدة يقلل من خطر الإصابة بالخرف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حلقات يكتبها الكنبوري.. شحرور ومعضلة المنهج
نشر في اليوم 24 يوم 28 - 01 - 2020

لقد حاول محمد شحرور أن يقدم مساهمة علمية جديدة في نقد النص الديني، وتسليط الضوء على القرآن الكريم، انطلاقا من رؤية جديدة أساسها اللغة العربية، على اعتبار أن النص القرآني هو نص لغوي أساسا. هذه هي الفكرة الجوهرية في نقد الدكتور إدريس الكنبوري نظريات شحرور. وهو يرى أن هذا المفكر المشرقي نظر إلى المفسرين القدامى، ووجد أنهم لم ينجحوا في الاقتراب من النص القرآني بسبب تخلف العلوم في عصرهم، وعدم انفتاحهم على العالم، لذلك، نظروا إلى القرآن نظرة شمولية منبهرين بنظرية الإعجاز البلاغي التي سدت في وجوههم جميع الأبواب إلى النص، وتجاوز حالة الانبهار التي استمرت عدة قرون.
يخلص الكنبوري إن المساهمة الكبرى لشحرور هي تفكيك النص القرآني إلى عناصره المختلفة، بدل النظر إليه ككتلة واحدة كما فعل السابقون، حيث ميز بين القرآن والكتاب وأم الكتاب والسبع المثاني وتفصيل الكتاب، فأصبحنا أمام نظرة معاصرة غير مسبوقة تجمع بين التراث والحداثة.
في هذه الحلقات، تطوير لهذه المناقشة، ودعوة أيضا إلى النقاش.
يتجلى هذا الفقر اللغوي عند الدكتور شحرور في عدم تحديد الضوابط اللغوية التي يعتمدها في دراسته للقرآن، وفي عملية التمييز بينه وبين الكتاب وباقي الكلمات أو المفاهيم الأخرى مثل الذكر وأم الكتاب وغير ذلك.
يتبين ذلك من عدم فهمه نشأة النحو العربي في علاقته بالقرآن، بل أكثر من ذلك في سوقه بعض البديهيات في البحث العلمي في اللغة بوصفها كشفا خاصا له. فقد نشر كتيبا صغيرا تحت عنوان «دليل القراءة المعاصرة للتنزيل الحكيم: المنهج والمصطلحات»، سعى فيه إلى تبيان «المنهج» الذي اعتمده في مختلف مؤلفاته التي تدور حول قضية واحدة، هي «القراءة المعاصرة للقرآن». وفي هذا الكتيب يقول: «نحن ننطلق في قراءتنا المعاصرة من أن إرساء أسس التدوين والتقعيد جاء لاحقا للسان العربي ولاحقا للتنزيل الحكيم، لا سابقا له» (ص 28).
إذن، هذا هو «منطلق» القراءة المعاصرة للدكتور شحرور، وهذا هو صلب منهجه، فلنفحص هذا المنهج علميا، لأن الدكتور شحرور ينادي بالنزعة العلمية.
إن القول إن «إرساء أسس التدوين والتقعيد جاء لاحقا للسان العربي ولاحقا للتنزيل الحكيم، لا سابقا له» من المعطيات البديهية التي يلزم كل أحد معرفتها قبل ولوج أي باب من أبواب العلوم الإسلامية، بل هي بديهية من البديهيات المعروفة في جميع الحضارات البشرية وفي جميع الثقافات، ولم لا؟ إنها بديهية من بديهيات العلوم المعاصرة، إذ المنهج والقاعدة يأتيان لاحقين للعلم المبحوث فيه، لأن القاعدة تبحث في الاطراد، والاطراد لا يحصل إلا بالاستقراء، ولا يكون هناك استقراء إذا لم تكن هناك مادة كافية يمكن استقراؤها لاستخراج ما يطرد فيها من ظواهر ومتغيرات وثوابت تنظم كلها في قواعد تصبح بمثابة أصول للعلم، أي علم. ومن الناحية التاريخية، فإن اللسان سبق القلم، أي أن الشفهية كانت قبل الكتابة، والإنتاج قبل التدوين. وفي ما يرتبط بالثقافة العربية الإسلامية، فإن العلوم كانت شتاتا قبل أن يجمعها المدونون، حصل هذا في علوم الحديث والشعر واللغة وغيرها من فروع المعارف الأخرى، فقد انتشر الحديث وبعده وضعت علوم الحديث والجرح والتعديل وعلوم الإسناد وغيرها، وانتشر الشعر وبعده وضع علم العروض وأسماء البحور والضرورة الشعرية وغير ذلك، وكانت اللغة منتشرة في القبائل العربية، وكان يجري التخاطب والخطابة والغناء بها، وبعد ذلك جاء جمع اللغة ووضع قواعدها.
من المعروف أن الإنسان العربي كان يتحدث اللغة العربية سجية وبالسليقة، وكانت القواعد مكنونة في اللسان العربي بحكم الفطرة أو الكفاءة اللغوية، كما يقول تشومسكي، الذي يرى أن «الكفاءة اللغوية» (compétence linguistique) هي تلك القدرة الموجودة لدى جميع الناطقين باللغة نفسها على فهم وتأويل الجمل والتراكيب داخل اللغة نفسها، لكن هذا لا يعني أن الجميع واعٍ بالقواعد التي يستخدمها لإنتاج المعاني والجمل، ومع ذلك، فإن الجميع يستعمل تلك القواعد على نحو مشترك وبطريقة سلسة. وهذا ما يفسر لنا اليوم كيف أن الإنسان العربي كان يتلقى الشعر الجاهلي الفصيح والصعب على الناطقين بالعربية اليوم، بل كيف كان الشاعر الجاهلي ينتج تلك القصائد دون أن تكون هناك قواعد يمكن الرجوع إليها.
وطوال الفترة من العصر الجاهلي إلى عصر التدوين مرورا بنزول القرآن، حصل تراكم واسع في المادة التي يمكن إخضاعها للاستقراء العلمي من أجل استخراج القواعد (شعر، خطابة، سجع الكهان، قرآن، حديث)، أصبحت متاحة أمام علماء اللغة. لكن العرب لم يفكروا حتى ذلك الوقت في استنباط القواعد النحوية من تلك المادة حتى ظهر ما يسمى باللحن، وهو الخطأ في نطق الكلمات وتحريفها، في قراءة القرآن، فاحتاج العرب إلى من يضع لهم قواعد منضبطة يخضع لها الجميع، ويقع الرجوع إليها في معرفة الصواب من الخطأ في النطق والكتابة. ويروى أن أبا الأسود الدؤلي، الذي يقال إنه أول من وضع قواعد النحو، دخل يوما على علي بن أبي طالب في العراق فوجده واجما يفكر، فسأله فيم يفكر؟ فقال علي: «سمعت ببلدكم لحنا فأردت أن أصنع كتابا في أصول العربية»، فغاب أبو الأسود، وعاد إليه بعد أيام ومعه صحيفة، أي حزمة أوراق مكتوبة، بها بعض قواعد العربية.
وسواء أصحت الرواية أم لم تصح، فإن الثابت أن تقعيد القواعد في العربية قد تأخر إلى عصر رابع الخلفاء الراشدين الأولين، أو بعده بفترة. ومن المؤسف أن يصدر عن قلم الدكتور شحرور كلام يفتقر إلى أدنى شروط الإنتاج العلمي، ذلك أن رفع لواء المنهج اللغوي في دراسة القرآن كان يجب أن يسبقه الإلمام الجيد بنشأة اللغة العربية، إذ من غير المقبول أن يقول باحث مثل شحرور إن التعقيد للغة العربية جاء «لاحقا للتنزيل الحكيم»، في الوقت الذي يعرف الجميع أن التأسيس لقواعد اللغة العربية والنحو والصرف والبلاغة خرج من القرآن الكريم، وأن العرب لم يفكروا في وضع تلك القواعد وتلك العلوم إلا بهدف خدمة النص القرآني، الذي كان نصا مركزيا تدور عليه جميع العلوم، وكما يقول فخر الدين الرازي، فإن قواعد اللغة العربية قد بنيت على «استنباط العقل من النقل»، أي الاستنباط العقلي من النقل، والنقل الذي كان يمثل في عيون العرب أرقى نقل يمكن الرجوع إليه هو القرآن.
لذلك، عندما يقول الدكتور شحرور إن «المنطلق» الذي ينطلق منه في قراءته المعاصرة للقرآن هو أن «إرساء أسس التدوين والتقعيد جاء لاحقا للسان العربي ولاحقا للتنزيل الحكيم، لا سابقا له»، يكون قد حدد لنفسه منطلقا معروفا سلفا لا يحتاج إلى أن يكون منهجا علميا جديدا، لأن العرب عرفوه قبل قرون عدة، وليس فيه أي جديد. ويكفي القول إن قواعد اللغة العربية لو كانت هي السابقة على القرآن، لكان علماء العربية العرب قد راجعوا القرآن في ضوء تلك القواعد، وبحثوا عن مكامن «الخرق» فيه، لكن الذي فعلوه هو العكس، أي عرض قواعد العربية على القرآن، ولهذا نجد في جميع كتب النحو واللغة الاستشهاد بالآيات القرآنية لتعزيز القاعدة النحوية، وهذا يعني أن العرب كانوا يعرضون لغتهم على القرآن، لا القرآن على لغتهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.