الآراء الواردة في مقالات الرأي تعبر عن مواقف كاتبيها وليس على الخط التحريري لمؤسسة الصحيفة 1. الرئيسية 2. آراء فيلم النفق.. آخر إصدارات "نظام الجنرالات" برعلا زكريا الجمعة 16 ماي 2025 - 14:08 يبدو أن دوائر صنع القرار في القيادة العسكرية الجزائرية، التي طالها الترهل، قد تخصصت في إنتاج روايات سينمائية أقرب إلى الخيال، تركز على البهرجة وتضرب بالمنطق عرض الحائط. وها هي رواية جديدة، مثيرة للشفقة أكثر منها للدهشة، يروج لنصها الرديء عبر أبواق التضليل الداخلي التي فقدت مصداقيتها لدى الجمهور. ولعل نظرة سريعة على تعليقات الجزائريين أنفسهم على منشورات صحف ك"الشروق" وأخواتها، حول هذا "الاكتشاف المزعوم" لنفق سري يمتد من المغرب لتهريب الحشيش، تكفي لتوضيح مدى السخرية والاستهجان الشعبي. إنها قصة تفوح منها رائحة المكائد السياسية أكثر من رائحة الحشيش المزعوم، وتثير سيلا من الأسئلة المنطقية التي تجعل تصديقها ضربا من المستحيل. لنبدأ بالمعادلة الاقتصادية البسيطة: الدرهم المغربي أقوى من الدينار الجزائري. فهل يعقل أن نصدق نظرية تهريب روج لها نظام جنرالات يبدو أنه دخل مرحلة متقدمة من الإنكار للواقع؟ بأي منطق يقبل تاجر مخدرات مغربي، يفترض أنه يسعى للربح، أن يحفر نفقا بتكلفة مالية وأمنية هائلة، ليبيع بضاعته بعملة أضعف من عملته؟ الواقع يشير إلى أنه لو كان هناك تهريب بهذه الطريقة الافتراضية، لكان الاتجاه المنطقي عكسيا: من الجزائر نحو المغرب، خاصة فيما يتعلق بالوقود المدعم وغيره من السلع. وهنا يبرز سؤال أهم: ماذا عن محاربة تهريب ثروات الشعب الجزائري التي تستنزف اقتصاده؟ أليست هذه القضية أولى بالبحث والمراقبة الجادة، بدلا من إهدار ميزانيات ضخمة على فبركة أخبار كاذبة وتوزيعها؟ أما الشق الأمني في هذه الرواية، فيكشف مدى ابتعاد صانعيها في المؤسسة العسكرية عن أبسط قواعد المنطق. فكيف يعقل أن يتجاوز حفر نفق بهذا الحجم الأجهزة الأمنية المغربية، المشهود لها بالكفاءة عالميا، فضلا عن منظومات المراقبة الحدودية فائقة التطور؟ فالحدود المغربية اليوم مؤمّنة بمنظومة تكنولوجية متكاملة، تشمل مجسات إلكترونية تلتقط أدق الاهتزازات تحت الأرض، وطائرات مسيرة تراقب المناطق الحدودية على مدار الساعة، وأقمارا صناعية ترصد أي تغيير في التضاريس. فكيف لعملية حفر ضخمة، تتطلب معدات ثقيلة ونقل آلاف الأطنان من التراب، أن تمر دون أن ترصد؟ إنها نظرية تجعل أكثر كتاب روايات الخيال العلمي تواضعا أمام هذا "الخيال الاستراتيجي" لجنرالات يبدو أنهم باتوا يشاهدون أفلام جيمس بوند على أنها وثائق تدريبية. والواقع أن حفر نفق يمتد لكيلومترات ليس مجرد عملية سرية، بل هو مشروع هندسي عملاق يستحيل إخفاؤه حتى عن أبسط نظم المراقبة التقليدية، فما بالك بالتقنيات الحديثة. لا يمكن تفسير هذه "الاكتشافات" المزعومة إلا في سياق واحد: عقلية العداء غير المبرر تجاه المغرب، والمحاولة اليائسة لصناعة عدو خارجي لصرف الأنظار عن المشاكل الداخلية المتفاقمة. إنها الوصفة القديمة التي يحفظها عن ظهر قلب كل نظام مأزوم: عندما تتصاعد الأزمات وتتعالى الأصوات المطالبة بالتغيير، اختلق عدوا خارجيا، واصنع معركة وهمية من لا شيء. هذا النفق الوهمي يحتاج لمعجزة ثلاثية الأبعاد كي يصبح حقيقة: تاجر مخدرات يكره الربح ويسعى للخسارة، ومهندس عبقري يتحدى قوانين الفيزياء والجيولوجيا ليعمل بسرية تامة، وأجهزة أمنية مغربية، يفترض أنها من بين الأكثر يقظة، غارقة في سبات عميق! إنه مزيج من المستحيلات يفضح بوضوح هذه المسرحية الهزلية التي تقدم للرأي العام بجدية مصطنعة ومثيرة للسخرية.