1. الرئيسية 2. المغرب 14 شهرا على رأس "أنابيك" تنتهي بإعفاء إيمان بلمعطي.. هل يحاول السكوري دفن أعطاب تدبيره لوزارة التشغيل بإقالة المسؤولين؟ الصحيفة - خولة اجعيفري الخميس 26 يونيو 2025 - 22:47 بعد مرور 14 شهرا فقط على تعيينها على رأس الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات (أنابيك)، وجدت إيمان بلمعطي نفسها خارج المؤسسة التي كُلّفت بإصلاحها، وذلك عقب صدور مرسوم إعفائها في العدد الأخير من الجريدة الرسمية، موقعا من رئيس الحكومة عزيز أخنوش، بناء على طلب مباشر من وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يونس السكوري، بتاريخ 20 يونيو. وبينما تُسوّق الحكومة الإعفاء على أنه نتيجة "تقصير واضح في تنزيل خارطة طريق الإدماج الاقتصادي للشباب" وفق تسريبات جرى تداولها عل نطاق واسع، تتنامى تساؤلات في أوساط المتابعين حول سبب تعجيل القرار بعد فترة قصيرة لم تتجاوز 14 شهرا، في مؤسسة تُجمع التقارير والتقييمات السابقة على أنها تعاني اختلالات هيكلية مزمنة، تتجاوز صلاحيات أي مدير مهما كانت كفاءته أو تجربته. وهذا الإعفاء السريع، وفق ما رصدته "الصحيفة" لقي انتقادات داخلية وخارجية للمؤسسة، باعتباره "إخلالا بمبدأ التدرج في الإصلاح"، و"إعادة إنتاج لثقافة اللوم الفردي بدل الاعتراف بجذور الأزمة البنيوية التي تعاني منها الوكالة منذ سنوات طويلة"، بحسب تعبير مصادر متعددة قريبة من الملف. من جهة ثانية، فإن المرسوم الحكومي لم يكتف بالإعفاء، بل عين مؤقتا وفاء العصري، الكاتبة العامة للوزارة، لتسيير شؤون الوكالة بالنيابة، في انتظار تعيين مدير جديد خلال الفترة المقبلة، لكن خلف هذه الخطوة الإدارية، تتوارى معطيات تشير إلى أن القرار لم يكن وليد يوم أو أسبوع، بل نتيجة مسار من التقييمات الداخلية المتضاربة، وعدم الانسجام بين الرؤية الحكومية والمقاربة التدبيرية التي تبنتها بلمعطي، منذ تسلمها المسؤولية قبل سنة. وفي تصريح ل "الصحيفة"، قال مصدر مقرب من إيمان بلمعطي، فضّل عدم الكشف عن اسمه لدواع مهنية، إن "ما حدث ليس سوى إعادة إنتاج لنهج سياسي متسرّع، يُحمّل الأفراد مسؤولية عطب بنيوي عميق"، موردا "الحكومة اتخذت القرار قبل أن تتيح للمعنية به المجال الكافي لتطبيق تصورها، والمشكل لا يتعلق بفشل بلمعطي، بل بغياب إرادة حقيقية لإصلاح أنابيك، التي تُستعمل سياسيا كلما ارتفعت مؤشرات البطالة، ثم تُرمى جانبا عند أول عثرة". وأوضح المصدر ذاته، في حديثه ل "الصحيفة": "منذ تعيينها، كانت بلمعطي واضحة في تشخيص مشاكل وكالة عمرها أكثر من ربع قرن، ما تزال تُسيَّر بنُظم تقليدية وبدون موارد بشرية كافية أو تكوينات ملائمة.. فشبكة الوكالة الترابية تعاني من هشاشة هيكلية، وكثير من فروعها لا تشتغل إلا شكليا.. وحتى الميزانيات المرصودة لا تسمح بتنفيذ نصف البرامج المعلن عنها"، يقول المصدر. ويضيف المصدر ذاته في تصريح خص به "الصحيفة": "خارطة الطريق الخاصة بالإدماج الاقتصادي، كما وُضعت، فيها سقف مرتفع للتوقعات، دون أن تُرفق بالإمكانيات أو بهوامش اتخاذ القرار.. بلمعطي حاولت إعادة تنظيم عمل الوكالة من الداخل، تحديث مناهج العمل، تحسين جودة الوساطة، لكنها اصطدمت بثقل البيروقراطية وبأجندات سياسية لا تعطي للإصلاح الوقت الكافي ليُثمر." ورغم أن تسريبات الحكومة صبيحة اليوم لعدد من المنابر الوطنية، تؤكد أن قرار الإعفاء جاء بعد "تقييم شامل للأداء"، إلا أن المتتبعين للقطاع يطرحون تساؤلات حول مدى واقعية هذا التقييم بالنظر إلى قِصر المدة التي قضتها بلمعطي على رأس المؤسسة، فقد عُينت في أبريل 2024، وورثت ملفات ثقيلة، أبرزها التأخر في تنزيل برامج كبرى مثل "فرصة" و"أوراش"، بالإضافة إلى ضغوط اجتماعية هائلة بفعل اتساع فجوة البطالة، خصوصا في صفوف الشباب وخريجي التكوين المهني. وتشير تقارير سابقة صادرة عن المجلس الأعلى للحسابات ومفتشية وزارة الاقتصاد والمالية إلى أن الوكالة، في سنوات ما قبل تعيين بلمعطي، سجلت اختلالات متكررة في الأداء، من بينها ضعف النتائج المحققة مقارنة بالأهداف المعلنة، غياب نظام موحد لتتبع الإدماج الفعلي للمستفيدين، مشاكل في تدبير الموارد، واختلالات في برامج الوساطة. ومع ذلك، بضيف المصدر ذاته في حديثه ل "الصحيفة": "لم تُفتح أي مراجعة جذرية لبنية الوكالة أو اختصاصاتها، بل ظلت عرضة لقرارات ترقيعية، تُحمّل كل مسؤول جديد وزر فشل مؤسساتي لا يُعالج بجرة قلم أو في ظرف سنة واحدة". وفي نظر عدد من المراقبين، فإن الإعفاء يعكس أيضا قلقا سياسيا داخل الحكومة من تباطؤ وتيرة النتائج المحققة في ملف التشغيل، وهو أحد أعمدة البرنامج الحكومي، فمع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المقبلة، واحتدام النقاش حول حصيلة أخنوش، تشتد الحاجة لإحداث تغييرات داخلية تظهر "دينامية" ما، حتى وإن كانت شكلية. لكن هذا التسرّع، كما يؤكد الخبير في السياسات العمومية سعيد العلام، في حديثه ل "الصحيفة" قد يؤدي إلى زعزعة الثقة داخل المؤسسات، و"يُثبّت ثقافة عدم الاستقرار الإداري"، التي تدفع بالكفاءات الجيدة إلى العزوف عن تقلد المسؤوليات العليا، لأنها تعلم أن عمر التجربة قد لا يتجاوز أشهرًا قليلة. الخبير، وفي حديثه ل "الصحيفة"، اعتبر أن ما حدث مع إيمان بلمعطي يعكس خللا بنيويا في علاقة الفاعل السياسي بالمرفق العمومي، موردا: " في دول المؤسسات، لا يُقاس الأداء داخل جهاز معقّد ومترهّل مثل أنابيك بسنة واحدة، خصوصا حين نعلم أن هذه المؤسسة تعاني من اختلالات هيكلية عمرها أكثر من عقدان لكن في السياق المغربي، ما زال التقييم رهينا بعقلية سياسية تُفضّل المردودية السريعة، ولو كانت شكلية، على مراكمة العمل وتثبيت مسار الإصلاح." ونبه المتحدث، إل أن الإعفاء بعد أقل من 14 شهرا من التعيين لا يبعث فقط برسائل سلبية للكوادر العليا، بل يكرّس منطق التردد وانعدام الاستقرار داخل المؤسسات العمومية، ويخلق نوعًا من النفور لدى الكفاءات المؤهلة من خوض تجارب مماثلة، لأنها تدرك أن عمر المسؤولية بات قصيرا، وأن منطق 'أداء فوري أو الإقالة' يسود، حتى في الملفات المعقدة التي تحتاج زمنا تشخيصا، وبناء ثقة داخلية وخارجية." وأكد المتحدث أن التحولات المطلوبة داخل أنابيك ليست مجرد إعادة ترتيب إداري، بل تستدعي إصلاحا قانونيا وإستراتيجيا، وفتح ورش للنقاش الجاد حول موقع الوكالة ضمن هندسة سياسة التشغيل ككل، فإذا استمر التعامل مع الوكالة كأداة لتسويق السياسات بدل كونها مؤسسة للتنفيذ والتأثير، فستبقى الإقالات تتكرر، بينما الأزمة الحقيقية تبقى بلا معالجة." هذا، وينتظر أن يُعلن، خلال الأسابيع المقبلة، عن المدير الجديد للوكالة، وسط تساؤلات حول المعايير التي ستُعتمد في اختياره، وهل ستكون مرتبطة بالكفاءة والتجربة في تدبير سوق الشغل، أم بولاءات سياسية وتوازنات قطاعية، سيما وأن المدير الجديد سيتسلم منصبا محاطا بنفس المعوقات البنيوية.