أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الدرهم اليوم الجمعة    كيم جونغ يشرف على تدريبات نووية    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة    فاجعة.. مصرع 9 أشخاص جراء انهيار بناية سكنية بفاس    الأمم المتحدة-أهداف التنمية المستدامة.. هلال يشارك بنيويورك في رئاسة منتدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي للعلوم والتكنولوجيا والابتكار    في ظل استمرار حرب الإبادة في غزة وتصاعب المطالب بوقف التطبيع.. إسرائيل تصادق على اتفاقية النقل البحري مع المغرب    موجة فرح تعم الولايات المتحدة عقب انتخاب أول بابا من أصل أمريكي    فاجعة..انهيار منزل بفاس من عدة طوابق يخلف ضحايا والبحث جاري عن الناجين تحت الأنقاض    ليلة مأساوية بمدينة فاس .. انهيار عمارة سكنية يودي بحياة 6 أشخاص    "مؤثِّرات بلا حدود".. من نشر الخصومات الأسرية إلى الترويج للوهم تحت غطاء الشهرة!    سلطات الملحقة الإدارية الثالثة بالجديدة تواصل التضييق على مستغلي الملك العمومي بفضاء الشاطئ    ساكنة دوار المخاطر بجماعة شتوكة تستنكر إقصاءها من مشروع تعبيد الطرق وتطالب بتدخل عامل الإقليم    بالياريا تُطلق رسميًا خط طنجة – طريفة وتكشف موعد تشغيل باخرتين كهربائيتين    عملة "البيتكوين" المشفرة تنتعش وسط العواصف الاقتصادية العالمية    فاس.. انهيار مبنى من ستة طوابق يخلف قتلى وجرحى واستنفاراً واسعاً للسلطات    الزلزولي يهدي بيتيس أول نهائي قاري    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    أوروبا تكشف بضائع أمريكا المعاقبة    المغرب يقود إفريقيا الأطلسية نحو نيويورك    مواجهة حاسمة بين المغرب التطواني وشباب السوالم لتحديد النازل الثاني للقسم الوطني الثاني    اتحاد طنجة يضمن بقاءه في القسم الأول من البطولة الاحترافية    صدام إنجليزي في نهائي الدوري الأوروبي    فتح تحقيق في ممارسات منافية للمنافسة في سوق توريد السردين الصناعي    أسبوع القفطان بمراكش يكرم الحرفيين ويستعرض تنوع الصحراء المغربية    أكاديمية المملكة تتأمل آلة القانون بين الجذور المشرقية والامتدادات المغربية    سعر الذهب يتأثر باتفاق تجاري جديد    لقاح ثوري للأنفلونزا من علماء الصين: حماية شاملة بدون إبر    الشعر الحساني النسائي حاضر في فعاليات الدورة ال18 لموسم طانطان 2025    في عيد ميلاده الثاني والعشرين: تهانينا الحارة للأمير مولاي الحسن    وزير الأوقاف المغربي يقيم مأدبة غداء تكريما لوزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بالمملكة    انتخاب الكاردينال الأمريكي بريفوست بابا جديدًا للفاتيكان    المستشارون يدعون إلى تعديل خريطة الاختصاصات بين المركز والجهات    وزير التشغيل والكفاءات يكشف إجراءات تفعيل العمل عن بعد بالمغرب    مكتب السياحة يسعى للحصول على تصنيف "China Ready" لاستقطاب السياح الصينيين    كرة القدم داخل القاعة لأقل من 19 سنة.. المنتخب المغربي يتعادل مع نظيره الإسباني (6-6)    "الأحمر" ينهي تداولات بورصة البيضاء        أتاي مهاجر".. سفير الشاي المغربي يواصل تألقه في "معرض ميلانو" ويعتلي عرش الضيافة الأصيلة    الأميرة للا حسناء تقيم بباكو حفل شاي على شرف شخصيات نسائية أذربيجانية من عالم الثقافة والفنون    «أول مرة»… مصطفى عليوة يطلق عرضه الكوميدي الأول ويعد الجمهور بليلة استثنائية من الضحك    البرلمان يناقش رئيس الحكومة حول إصلاح وتطوير المنظومة التعليمية    أشرف حكيمي يدوّن اسمه في التاريخ ويصبح المدافع الأكثر تأثيرًا هجوميًا بدوري الأبطال    أبريل 2025 ثاني أكثر الشهور حرارة عالميا    وداديون يحتفون بحلول الذكرى ال88 لتأسيس النادي    منصات المخزون والاحتياطات الأولية.. بنيات جهوية موجهة للنشر السريع للإغاثة في حال وقوع كوارث    الصين توقف استيراد الدواجن من المغرب بعد رصد تفشي مرض نيوكاسل    السيد ماهر مقابلة نموذج رياضي مشرف للناشطين في المجال الإنساني    زيان قبل الحكم: قول الحق صعب.. والحق لم يترك لعمر صديق    لجنة: زيادة مرتقبة للأطباء الداخليين    الغربة والذياب الجائعة: بين المتوسط والشراسة    فنانون مغاربة يباركون للأمير مولاي الحسن عيد ميلاده ال22    لهذا السبب .. الأقراص الفوّارة غير مناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم    دراسة علمية تكشف قدرة التين المغربي على الوقاية من السرطان وأمراض القلب    تشتت الانتباه لدى الأطفال…يستوجب وعيا وتشخيصا مبكرا    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخصوصية.. بين الحقيقة الشرعية والتداول التاريخي
نشر في التجديد يوم 26 - 07 - 2012

كثيرا ما يخلط الكاتب و القارئ العادي بين المفهوم في دلالته الشرعية التي تكسبه الزخم و القوة و الامتداد،بل و القدسية أيضا، و بين التداول التاريخي للمفهوم الذي يمثل جهد الإنسان بالتحقق من ذلك المفهوم,
و تجنبا لهذا الخلط المفهومي، و بعد إبراز الدلالة الشرعية للمفهوم، يجذر بنا أن نبرز تطوراته و تقلباته التاريخية في التفكير الإسلامي.
ووظف المصطلح ملتبسا بمفهوم الهوية، المجاور له دلاليا، ففي مجال العقيدة أيضا ،وظفه فخر الدين الرازي عند حديثه عن ذات الله موضحا : “أن خصوصية ذاته (هي)التي بها امتازت عن سائر الذوات ،بمعنى المميزات التي لا تنبغي لغيره، و وظفه أيضا بمعنى الماهية.
و خالف الإيجي صاحبُ ?كتاب المواقف? الرازيَ في هذا التحديد، فقد ذكر اللفظ مرات عديدة ، مضافة إلى الذات بمعنى ماهيتها ووجودها المستقل الذي يميزها عن غيرها، بل فصل في الحكم المنطقي على الشيء بأن “حكمه من حَيْثُ خُصُوصِيَّة ذَاته غير حكمه من حَيْثُ أَنه فَرد من أَفْرَاد مَوْضُوع الْكُلية".و لم يقبل التطابق بين الهوية والماهية باعتبار لوازم خصوصية الهوية التي تحقق وجودها الخارجي على عكس التصورات الذهنية، بل وميز بين المقدورات بناء على اختِلاف الشَّرَائِط الْمُعْتَبرَة فِي وجود المقدورات الْمُخْتَلفَة ،موضحا أن “ خُصُوصِيَّة كل مَقْدُور لَهَا شَرط مَخْصُوص بِهِ يعين وجودهَا من بَين المقدورات الْمُشْتَركَة". و خلص الشهرستاني في ?الملل و النحل? إلى أن “حقيقة كل شيء خصوصية وجوده الذي يثبت له".
وغالبا ما يتم توظيف الهوية مضافة إلى الخصوصية بمعنى أن الخصوصية هي من لوازم الهوية، باعتبار الهوية هي الذات الخارجية ، والخصوصية هي الأوصاف التي لا تنفك عنها وتميزها عن غيرها. فالْوُجُود فِي الذِّهْن نفس الْمَاهِيّة الَّتِي تُوصَف بالوجود الْخَارِجِي، لكن الهوية هي الوجود المشخص الملموس، أي أن الهوية معطى ناجز ثابت، و إن اختلفت صورنا الذهنية عنه، فإنه لا يتغير في ذاته. فالصور الذهنية تخالف الهوية الخارجية فِي اللوازم المستندة إِلَى خُصُوصِيَّة أحد الوجودين وَإِن كَانَت مُشَاركَة لَهَا فِي لَوَازِم الْمَاهِيّة من حَيْثُ هِيَ هِيَ ، فمعرفة الهويات معرفة شكلية سطحية، أما الخلوص إلى كنهها و جوهرها فإنه يستلزم الإحاطة بخصوصياتها .
وهكذا يتضح أن الخصوصية هي أحد عوامل بناء الهوية على المستوى الذهني أساسا، بل وبزوال خصوصية الذات لا يبقى معنى لوجود هذه الذات من أساسها، “ إِذْ لكل شَيْء خُصُوصِيَّة مَا هُوَ بهَا هُو،َ فَمَتَى زَالَت الخصوصية لم يبْق ذَلِك الشَيْء" - كما أكد ذلك التفتزاني.
بل إننا نجد في التراث الإسلامي بحوثا حول ما يعتبر خصوصية وما لا يعتبر، واختلفوا في ذلك أيما اختلاف، نظرا لأهمية تلك المقدمات النظرية في إثبات القضايا العقدية. وإجمالا فقد راموا التأكيد على أن ما يشكل لازما من لوازم الذات هو من خصوصياتها، وما سوى ذلك فعوارض تلحق الخصوصية لكنها سرعان ما تزول بسبب تغير الزمان أو المكان أو أحد العوارض الأخرى.ولذلك وظفوا الخصوصية بمعنى المنقبة التي تميز شخصا عن سائر الناس، بل وجعلوا صحبة رسول الله صلى الله عليه و سلم خصوصية لأنها لا تتعدى من حازوا شروطا محددة إلى غيرهم.
و نجد عند كل أهل العلوم الإسلامية القدامى، مثل أهل التفسير و علوم الحديث و علم الأصول و غيرها، كلمة خصوصية دالة على ما تميزت به ذات عن باقي الذوات من صفات لم تتعداها إلى غيرها مثل خصوصية آدم وخصوصية الصحابة و خصوصية بعض الآيات وخصوصية العلماء وهلم جرا. والخصوصية عندهم لا تنفي التكامل، نمثل لذلك بما ورد في الموافقات من أَنَّ “الشَّرِيعَةَ لَمْ تَنُصَّ عَلَى حُكْمِ كُلِّ جُزْئِيَّةٍ عَلَى حِدَتِهَا، وَإِنَّمَا أَتَتْ بِأُمُورٍ كُلِّيَّةٍ وَعِبَارَاتٍ مُطْلَقَةٍ تَتَنَاوَلُ أَعْدَادًا لا تَنْحَصِرُ، وَمَعَ ذَلِكَ؛ فَلِكُلِّ مُعَيَّنٍ خُصُوصِيَّةٌ لَيْسَتْ فِي غَيْرِهِ وَلَوْ فِي نَفْسِ التَّعْيِينِ، وليس ما به الامْتِيَازُ مُعْتَبَرًا فِي الْحُكْمِ بِإِطْلَاقٍ".
إذن في التداول التاريخي حافظت على معنى أصيل مستمر عبر تاريخها الطويل.وقلما استعمل الخصوصي بمعنى الخاص،لكننا نجد أن باحثين متأخرين في التراث الإسلامي قد عدلوا من مفهوم الخصوصية ، فنقلوها من مطلق التميز، إلى غلبة التميز ،كما فعل الدكتور أحمد الريسوني، في حديثه عن خصوصية علاقة المذهب المالكي بمقاصد الشريعة." وقصد تبيين كثرة استناد هذا المذهب لهذا العلم دون أن يقصد نفي اعتماد المذاهب الأخرى عليه. و كذلك اعتماده من قبل الأصوليين إلى -حد كبير- دون أن ينفي نفيا قاطعا اعتماده من قبل الفقهاء، و عاد إلى المعنى الأصيل في موضع آخر من كتابه.
وشاع في الاستعمال إطلاق الخصوصية و إرادة ما هو خاص،أو إطلاق مصطلح الهوية و كأنه مرادف للخصوصية،و هو خلط مفهومي ترتب عنه خلط منهجي سنوضح خطورته عند حديثنا عن علاقة مفهوم الخصوصية بمفهومي العولمة و العالمية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.