يوم الخميس الماضي صادق المجلس الحكومي على البروتوكول الاختياري لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، فاتحا بذلك الطريق أمام البرلمان ليقول كلمته في هذا البروتوكول طبقا لمقتضيات الدستور التي لا تجعل المواثيق الدولية سارية إلا بمصادقة البرلمان عليها. بيد أن هذه الخطوة، وإن كانت في ظاهرها لا تتيح أكثر من فتح مجال التظلم أمام لجنة القضاء على التمييز وانخراط المغرب في آلية تجاوبية مع التماسات هذه اللجنة وتوصياتها، إلا أنها في جوهرها تطرح إشكالا عميقا لن تظهر أبعاده إلا عند الممارسة لاسيما وأن المغرب جرب أكثر من مرة هذه الآليات وكيف تحولت إلى وسيلة ضغط لإجباره على تغيير جملة من تشريعاته الوطنية. 1 ولعل أول إشكال تطرحه المصادقة على هذا البروتوكول، هو ما يرتبط بتحديد مفهوم «الانتهاكات» والمرجعية التي سيتم الاستناد إليها في تعريف ما يندرج ضمن التمييز وما لا يندرج تحته لاسيما وأن التشريع المغربي يشمل مدونة الأسرة من جهة والتي تتضمن بعض الأحكام الشرعية التي قد تقرأ بمرجعية «اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز» على أساس أنها تشكل تمييزا أو انتقاصا من حق المرأة أو خرما للمساواة بينها وبين الرجل، ويشمل من جهة ثانية الالتزام بالمواثيق الدولية ، ومنها هذه الاتفاقية التي تم المصادقة عليها قبل أن ينص ال?ستور على وجوب أن يقول مجلس النواب كلمته فيها. 2 إن نص البرتوكول من المادة 5 إلى 12 الذي يؤكد على كل الحيثيات المرتبطة بدينامية العلاقة بين الدولة الطرف وبين لجنة القضاء على التمييز، يلزم الدولة بجملة من الالتزامات المرتبطة بواجبها في التجاوب مع التماسات واستفسارات وطلبات وتوصيات اللجنة التي تلقت تظلمات من أفراد أو مجموعات، كما يلزمها بكتابة تقرير مفصل يتضمن هذه الحيثيات، مما يعني، في غياب تحديد دقيق لمفهوم الانتهاكات على قاعدة المرجعية التشريعية الوطنية، انخراط المغرب في دينامية تعديل هذه النصوص وفقا لمواد اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، بحكم مصادقته على الاتفاقية واح?مال مصادقة البرلمان على نص البروتوكول. وفي هذه الحالة، فإن كثيرا من نصوص المدونة ستصبح مادة للتظلم لدى هذه اللجنة لاسيما في ظل وجود مجموعات نسائية ترفع مطالبها بشكل واضح بهذا الخصوص، وهو الأمر الذي سيخلق التباسات كثيرة ليس فقط على مستوى فكها، ولكن، وهذا الأخطر، ستصير أداة من أدوات المس بإسلامية الدولة وشرعيتها الدينية. 3 مع أن المادة 10 من البروتوكول تجيز للدولة الطرف التي صادقت عليه أن تعلن أنها لا تعترف باختصاص اللجنة المنصوص عليه في المادتين 8 و 9، المرتبطتين بالآليات الضاغطة التي تقوم بهما من أجل «الانتصاف» لاعتبار يخص السيادة إلا أن مجرد الانخراط في الآلية سيجعل الدولة الطرف في حالة ضعف وهشاشة بخصوص التزامها بحقوق الإنسان، بما يجعلها أكثر عرضة للضغوط بهذا الخصوص. 4 إن المصادقة على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ورفع جميع التحفظات عنها إذا انضاف إليه ما نص عليه هذا البروتوكول من عدم السماح بأي تحفظ على مواده ما عدا حق الدولة الطرف في عدم الاعتراف بالمادة 8 و 9، سيجعل الموقف المغربي في حالة ارتباك كبير، وسعيد بقوة النقاش حول سمو المواثيق الدولية على التشريعات الوطنية وسيجعل بعض الأحكام الشرعية القطعية في مدونة الأسرة في وضع المساءلة خاصة وأن بعض المجموعات النسائية التي كانت تتخوف من إعلان مواقفها الصريحة اتجاه هذه ألأحكام ستجد اليوم الفرصة سانحة لتوجيه ضربات إليها بمظلة المواثيق الدولية وبآلية لجنة القضاء على التمييز. الخلاصة، أن المشكلة ليست في التصديق على البروتوكول، وإنما هي في المصادقة على الاتفاقية والشكل التي تمت به، والإشكالات المرجعية والتشريعية التي ستنتج عن ذلك. الكرة في جزء منها في ملعب البرلمان، والنقاش السياسي اليوم، لا ينبغي أن يأخذ فقط منحى حقوقيا، بل يلزم أن يستحضر كل الأبعاد بما في ذلك البعد المرجعي الدستوري، والبعد التشريعي، والبعد السيادي، وأكثر من ذلك البعد المرتبط بالاستقرار الاجتماعي ودور الأسس المعيارية في تأسيسه. ينبغي ألا ننسى بهذا الخصوص التقاطب الاجتماعي الذي أنتجته محاولات الحسم في هذه القضايا بفرض هذه الآليات ، كما لا ينبغي أن ننسى أن تهدئة ذاك التقاطب إنما كانت بأدوات داخلية بتحكيم ملكي على أرضية المرجعية الإسلامية، وبأدوات الإشراك المجتمعي، وأن أي تغييب للمجتمع أو تغليب لأقلياته على حساب الأكثرية، وأي تهريب لهذه القضايا الحساسة عن الشعب وعن مرجعيته الإسلامية، لن تكون نتيجته سوى بروز توتر اجتماعي جديد، ربما ضيقت التزامات المغرب الدولية في مجال حقوق الإنسان هوامش فكه بنفس الآليات التي اعتمدت في إقرار مدونة ?الأسرة.