تفيد متابعة سلوك الدولة المغربية تجاه رفع التحفظات عن اتفاقية»سيداو» أن هذا السلوك سوف يتخد طابع الغموض والسرية ابتداء من أواخر دجنبر 2008. و يشير تقرير الاجتماع الرابع عشر للدول الأطراف في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، في 23 يونيو 2006، والذي نشرته الأممالمتحدة على موقعها في الأنترنيت، أنه إلى حدود ذلك التاريخ احتفظ المغرب بتحفظاته الأساسية وخاصة على المادة 16 من الاتفاقية. وسيفتح باب رفع التحفظات بشكل متجرئ وغامض انطلاقا من يوم 10 دجنبر 2008 حين تلا المستشار الملكي، المعتصم، الرسالة الملكية أمام المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان. وجاء في الرسالة «سحب المملكة المغربية التحفظات المسجلة بشأن الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة التي أصبحت متجاوزة بفعل التشريعات المتقدمة التي أقرتها بلادنا» وهي العبارة التي أثارت جدلا واسعا وتأويلات تفيد برفع المغرب جميع التحفظات، كما تروج لذلك الجمعيات النسوية والعلمانيون عموما، وتأويلات تحصر رفع التحفظات التي سمحت بها التغييرات التشريعية الطارئة في المغرب، وهو ما أعلنه المجلس العلمي الأعلى والحركات الإسلامية وغيرهم. وتميزت هذه المحطة بالصمت الرسمي الذي سوف يكون سيد الموقف طيلة الفترة 2008 – 2011. وهي الفترة التي عرفت في 18 أبريل 2011 الخطوة الحاسمة بإعلان رسمي مقتضب في الجريدة الرسمية. وتثير هذه الفترة الممتدة ما بين 10 دجنبر 2008 و 18 أبريل 2011 سؤال مهما حول «التغيرات» التي طرأت وسمحت للمغرب بأن يخطو خطوة غير مسبوقة في العالم الإسلامي تقريبا مع استثناءات غير دالة. والتي جعلت السلوك الرسمي يتسم بالسرية والغموض وتجنب التفاعل مع الجدل السياسي والأيديولوجي المحتدم في البلد. أربع مرجعيات حكمت الموقف المغربي قبل 2008 خطوة رفع التحفظات تثير سؤالا جوهريا حول التغيرات التي قد تكون طرأت على المرجعيات التي استند عليها المغرب في وضع تحفظات 1993، وسمحت برفع تلك التحفظات بعد 18 سنة تقريبا. و بالرجوع إلى نص تلك التحفظات، كما تضمنها تقرير الاجتماع الرابع عشر للدول الأطراف في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، في 23 يونيو 2006، نجد أن تلك الأسس تنبني على عدم تعارض بنود تلك الاتفاقيات الدولية ،»سيداو»، مع أحكام أربع مرجعيات نوردها بالصيغ التي جاءت بها في التقرير المشار إليه كما نشر في موقع الأممالمتحدة، وهذه المرجعيات هي : «أحكام الشريعة الإسلامية» و»متطلبات الدستور» و أحكام «المدونة المغربية للأحوال الشخصية» و»قانون الجنسية المغربي». ويفرض منطق الأشياء أن تقع تغييرات في القضايا الخلافية بين تلك المرجعيات الأربع وتلك المواثيق الدولية بشكل يسمح للمغرب أن يتراجع عن تحفظاته سواء بتغييرات تطرأ على اتفاقيات «سيداو» تجعلها تتناغم مع تلك المرجعيات أو تغييرات في تلك المرجعيات تجعلها لا تتعارض مع تلك الاتفاقية. بالنسبة لاتفاقية «سيداو» لم تقع عليها أي تغييرات تذكر يمكن أن تبرر الخطوة التي أقدم عليها المغرب مؤخرا. و بالنسبة ل «أحكام الشريعة الإسلامية» فهي الأخرى لم تقع عليها تغييرات يمكن أن تسعفنا في فهم الخطوة المغربية. بالنسبة ل «المدونة المغربية للأحوال الشخصية» فقد تم تعديلها و أصبح اسمها «مدونة الأسرة» بعد اعتمادها في 05 فبراير2004 بعد جدل سياسي و أيديولوجي كبيرين امتدا على مدى 3 سنوات تقريبا مند إعلان «خطة إدماج المرأة في التنمية» الغارقة في القيم العلمانية و التي أثارت احتجاجات كبيرة بلغت حد النزول إلى الشوارع بمسيرات. لكن التعديلات التي جاءت في «مدونة الأسرة» ليس فيها ما يخاف المرجعية الكبرى التي هي «أحكام الشريعة الإسلامية»، وبالتالي يسقط الاعتذار ب»مدونة الأسرة» في تقديم أي تبرير لخطوة رفع التحفظات الأخيرة وخاصة على المادة 16 من اتفاقية «سيداو». أما ما يتعلق بقانون الجنسية فوقعت فيه تغييرات هو الآخر جعلته متناغما مع «سيداو» بعد أن أكد الفصل 6 المتعلق ب»الجنسية المترتبة على النسب أو البنوة» أنه «يعتبر مغربيا الولد المولود من أب مغربي أو أم مغربية»، وحكم بالتالي بتساوي الوالدين المغربيين (الرجل والمرأة) في منح الجنسية المغربية لولدهما. لكن هل يتعارض «قانون الجنسية» مع «أحكام الشريعة الإسلامية» بما يبرر رفع التحفظات على المادة 16 التي تعتبر أكثر المواد المواد المحتفظ عليها، ليس فقط من طرف الدول الإسلامية بل من طرف جميع الدول تقريبا، كل دولة والبند الذي تحفظت عليه فيها؟ لا شيء. أما ما يتعلق ب»متطلبات الدستور» فلا نجد في التعديلات التي عرفها الدستور المغربي مند 1993 شيئا يمكن أن يفسر خطوة «الحكومة» 3 أشهر تقريبا قبل التعديل الدستوري ليوم 1 يوليوز 2011. ففي هذه الفترة لم يعرف المغرب سوى مراجعة واحدة للدستور تمت سنة 1996 و سمحت تلك المراجعة بإحداث غرفة ثانية بالبرلمان هي مجلس المستشارين وإعادة النظر في التقسيم الإداري للمملكة. المرجعيات الأربعة التي اعتمدها المغرب سنة 1993 في وضع تحفظاته لم تتغير كما لم تتغير بنود اتفاقية «سيداو»، فما الذي تغير إذا بعد 1993وقبل دستور2011؟ وبالضبط في الفترة الممتدة ما بين 10 دجنبر 2008 و 18 أبريل 2011؟ وقبل مقاربة الجواب عن هذا السؤال يجدر بنا الوقوف على تفاصيل تحفظات المغرب على «سيداو» للوقوف على صلابة الموقف المغربي واستحالة تراجعه، انطلاقا من تلك المرجعيات، للوقوع في موقف اختزال تحفظاته في تحفظ وحيد يهم المادة 29 حول قضية التحكيم بين الدول في المنازعة حول الاتفاقية، مع بيان تفسيري يهم المادة 2».