كثير من الآباء والمربين يستهين بأمر الكذب وعدم الوفاء بالوعد تجاه الأطفال، ظنا منه أن الأمر من السهولة بمكان، وأن لا تأثير لذلك على مستوى التربية والسلوك لدى الطفل. ومن الآباء من يلقي بالوعود لأبنائه يمينا وشمالا لقضاء مآربه متناسيا أو ناسيا الوفاء بتلك العهود، وكأن الأمر لا يستحق أخذه بجدية، وهو ما يؤثر على سلوك الأطفال ويزعزع ثقتهم بآبائهم، بل ومنهم من يتخذ الكذب سلوكا تجاه الآخرين تأسيا بوالديه الذين علموه من المهد أن الكذب وعدم الوفاء بالوعد شيء عادي يمكن اعتياده في الحياة. والمختصون في التربية يرون في عدم الوفاء بالوعد تجاه الأطفال خطا تربويا فادحا يجب الانتباه إليه من قبل الآباء، كما أن الدين الحنيف لم يترك هذا الأمر دون إشارة بل كان موقف الرسول الكريم واضحا حين نبه المرأة التي نادت ابنها لتعطيه شيئا، بقوله: لم لم تكن (تمرة) لكتبت عليك كذبة.والأطفال الذين لا يوفي آباؤهم بوعودهم تجاههم معرضون لهزات تربوية عنيفة يصعب علاجها طالما أنهم سيفقدون الثقة في والديهم ويستسهلون الكذب ويمارسون عدم الوفاء بالوعد مع الناس لأنهم تشربوا ذلك من والديهم. والكذب على الأطفال خطأ كبير يقع فيه الآباء، وهم لا يدركون فداحته وتأثيره على تعود الأبناء على الكذب، وهو يزرع في قلوبهم البريئة الطاهرة الحقد والكراهية لمن يكذب عليهم، ثم يصير الكذب عادة لهم تعلموها من الكبار. فينبغي الحذر من الكذب عليهم بحجة أنهم صغار لا يفهمون، أو لا يدركون، بل هم يحسون ويدركون ويتأثرون، ويقلدون في نفس الوقت. رأي التربوي صرحت الأستاذة صالحة بولقجام مستشارة تربوية مهتمة بقضايا الأسرة ل «التجديد» بخصوص الكذب وعدم الوفاع بالوعد تجاه الطفل بقولها: «من الأخطاء التي يقع فيها المربون الكذب على الطفل بعدم الوفاء بوعد يعدونه إياه، من أجل الخروج من ورطة أو مشكلة في العلاقة اليومية مع الطفل، إلا أن هذا الأمر يعتبر كذبا، وهذا لا يجوز من الناحية الشرعية كما لا يجوز من الناحية التقنية التربوية، لماذا؟ لأن الوالدين يمارسون التربية، وهذه يجب أن تنبني على مبادئ أسس سليمة لأن الطفل يأخذ من أسرته الكثير من الأشياء التي تحدد سلوكه في ما بعد،?بل أغلب المكونات التربوية للطفل يأخذها من أسرته، وكل الأخطاء التي يأخذها يمارسها حتى حين يكبر. وحين نعد الطفل بشيء يجب أن نفي بوعدنا، وأذكر أننا في ممارستنا للإرشاد الأسري نستمع لكثير من الأطفال الذين يشتكون من عدم الوفاء بالوعد تجاههم، كما نجد أن كثيرا من الأخطاء التي يقومون بها إنما أخذوها من آبائهم الذين يعتبرون قدوة لأبنائهم كما تعتبر الأسرة المحضن الاساسي للطفل». وأضافت بولقجام: «ينبغي أن نزرع داخل الأسرة في أبنائنا المبادئ الصحيحة والأسس السليمة للتربية، وإلا فنحن نربي على الخطإ، وسوف نجني ثمرات هذه الأخطاء، نحن والمجتمع». وأجابت صالحة بولقجام عن سؤال حول تأثير عدم الوفاء بالوعد من الآباء تجاه الأبناء بقولها أن أخطر نتيجة لذلك وهي أن يفقد الطفل الثقة في والديه، ويتعلم الكذب ويمارسه مع الآخرين، معتبرة أن أخطر شيء هو أن يفقد الطفل الثقة في والديه. وقدمت بولقجام توجيها للآباء بقولها: «حين نقرر أن يكون لدينا أبناء يجب أن نستعد لتربيتهم على المبادئ والأسس السليسمة، قد نقع في بعض الأخطاء نعم، ولكن الأصل هو تصحيح الأخطاء والإقدام على كثرة الاستشارات حتى نؤدي الرسالة التربوية المطلوبة. رأي الشرع الدكتور الداعية عبد الرحمن البوكيلي تناول موضوع عدم الوفاء بالوعد تجاه الأبناء من الناحية الشرعية فقال في حديث ل «التجديد»: «الصدق مأمور به بشكل مطلق دونما استثناء فهو من الأخلاق العظيمة التي عليها قوام الدين والدنيا، ولذلك لم يأذن النبي صلى الله عليه وسلم لأحد أن يخل به إلا في حالات نادرة معدودة على الأصابع ولذلك قيل للرسول الكريم: «أيسرق المؤمن؟ قال: نعم. قيل: أيزني المؤمن؟ قال: نعم، قيل: أيكذب المؤمن؟ قال: لا. لأن الكذب هو رأس الخطايا وهو سبيل المصائب جميعها، فلذا الصدق خلق من أخلاق المؤمن التي لا تغيب?عنه طرفة عين. وإذا كان الأمر كذلك فإن المسلم يكون صادقا بشكل خاص مع أبنائه لأنه القدوة الحسنة لهم، لأنه المسؤول عن تربيتهم وتنشئتهم على هذا الخلق العظيم. ولهذا لما رأي الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم امرأة تنادي على ابن لها أن تعطيه شيئا فلما جاء قال النبي صلى الله عليه وسلم: ماذا ستعطيه؟ قالت: تمرة. قال: لو لم تكن لكتبت عليك كذبة. ولأن الناس يستهينون بالكذب على الصغار بين النبي الكريم من خلال هذا الموقف خطأ الاستهانة بالكذب على الصغار وخطورته. والخليل إبراهيم في نموذج فريد من نوعه يقدم لنا مثال الإنسان الصادق مع الأبناء الصغار لتنشئتهم على الصدق وتربيتهم على قول الحقيقة الجادة وتربيتهم على الثقة، فلما أمره الله تعالى بذبح ابنه وكان الولد حينها صغيرا ولم يبلغ البلوغ بعد، وهو في المراحل الأخيرة من طفولته، وحينها صادقه في القول وقال له: «يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك، فانظر ماذا ترى؟»، فكانت هذه التربية الخليلية مؤسسة على الصدق وع?ى الوضوح وعلى البيان وتحمل المسؤولية. وبالطبع من الناحية الشرعية ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أحوال يباح فيها الكذب لمقاصد كبيرة جدا مرتبطة بذلك، وذلك داخل في الكياسة والنباهة فذكر حالة الحرب، وذكر الإصلاح بين ذات البين، وذكر الرجل يحدث زوجته والزوجة تحدث زوجها في العلاقة العاطفية وليس في العلاقة العامة التي يجب فيها الصدق». آيات عن الصدق قال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين» التوبة: 119 وقال الله تعالى: «فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم» (محمد:21) وقال الله تعالى: «وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم» (يونس: 2) وقال تعالى: «وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ» (الزمر :33) وقال «قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ»