عادة ما يحاول أحد الزوجين، لا سيما الزوجة، بعد انفصالهما عن بعضهما البعض، أن يعطي لطفله صورة سلبية عن الطرف الآخر. فالأم التي انفصلت عن زوجها تتعمد أن تتحدث أمام طفلها عن الجوانب السيئة في شخصية وسلوك زوجها، محملة إياه مسؤولية انفصالهما عن بعضهما البعض. كذلك الزوج قلد يلجأ إلى الأسلوب نفسه في حديثه أمام أبنائه عن زوجته التي انفصل عنها، ومما لا شك فيه أن مثل هذا السلوك من جانب الزوجين، يسيء إلى الطفل وإلى صورته عن والديه، وبالتالي يحدث اهتزاز في سلوكه وفي صورته عن ذاته. ميل يفقد التوازن أول من يؤدي ثمن إقحام الأبناء في الصراعات الزوجية هم الأبناء، فقد يفشلون في تحصيلهم الدراسي، وقد يفقدون هواياتهم وقد يميلون إلى العنف تجاه أحد الوالدين أو في الشارع العام لأنهم فقدوا البوصلة بعد فقدانهم الدفء الأسري نتيجة كثرة الخلافات الأسرية، وكمثال على ذلك ما عاشه طفلان استمت حياة والديهما بالصراع منذ سنواتهم الأولى، وقد استطاع الأب في بداية الأمر كسب الطفلين إلى جانبه بمساعدة والديهم وإخوته بالعزف على وتر توفير حاجيات الطفلين المادية، ونتيجة لذلك فإن كل ما يسمعه الطفلان عنو الدتهما من أحكام سيئة يصدقانه، ومرت الأيام وبدأ الطفلان يدركان ما يدور حولهما من ظلم للأب تجاه الأم ومن تدخل سلبي لأسرة الأب يتسم بالتضليل، وهنا بدأ السحر ينقلب على الساحر واستطاعت الأم الصابرة على حالها أن تكسب طفليها اللذين كانا في السابق دائما ضدها بفعل التبعية لوالدهما وأسرته، لكنهما بعد أن بدآ يدركان الخطأ من الصواب، ويسمعان ما يقال في حق أمهما دون أن يروه حقيقة تغير موقفهما وأصبحا يكنان كرهالوالدهما بعد كل الحب الزائف الذي كان بسبب جهلهما بحقيقة الأمور. تحكي هذه الأم، بمرارة ما وصل إليه ابناها، وتقول: «الذي يحز في نفسي ليس أن يكون ابناي إلى جانبي أو جانب أبيهم، بل الذي يغيضني أنني ألاحظ أن أبنائي فقدا توازنهما النفسي وأصبحا ينفران من الدراسة بل إن أصغرهما دائما يشتكي منه المدرسون بأنه لا يستطيع التركيز في القسم الدراسي ويحصل على نقط هزيلة، لقد ضاع مستقبل أبنائي بسبب إقحامهم في مشاكل تافهة كان يمكن تفاديها بسلاسة لو أو زوجي ترك الأمور بيننا نحن الإثنين». تذكير يقول الدكتور محمد عباس نور الدين في كتابه «التنشئة الأسرية: رؤية نفسية اجتماعية تربوية لعلاقة الأسرة بأبنائها والإشكالات التي تطرحها» بخصوص الأىباء الذين يحرضون أبناءهم ضد شركائهم بعد حصول الانفصال الزوجي: «يجب على الأب..، أن لا ينسى أنه هو الذي اختار زوجته لما كان يرى فيها من جوانب إيجابية. كذلك بالنسبة للزوجة، عليها أن لا تنسى أنها اختارت وقبلت بزوجها الذي انفصلت عنه لما كانت ترى فيه من صفات إيجابية. وعوض أن يكيل كل طرف (الزوج والزوجة) الاتهامات إلى الطرف الآخر أمام الطفل، عليهما أن يقنعا الطفل بأن انفصال الأزواج عن بعضهم البعض ليس بالأمر الغريب والمستهجن، وأنه يحدث في كثير من الأسر. وعلى طرف أن لا يحاول تشويه صورة الطرف الآخر أمام الأطفال، وأن يتيح لهؤلاء الأطفال الالتقاء بالطرف الآخر، وأن يشجعهم على هذا الالتقاء دون صدور أية إشارة يفهم منها إساءة أو تجريح لهذا الطرف أو ذاك». الارتباك سبب الإقحام ترى حنان الإدريسي (مشرفة على حملة الأسرة التي تنظمها حركة التوحيد والإصلاح جهة الوسط كل سنة) أنه: «عندما تكون العلاقة بين الزوجين متسمة بالارتباك وحصول مشاكل، يلجأ أحدهما إلى إثقال ميزانه بإقحام الأطفال في الصراع مما يجعل الحياة الأسرية خاضعة لقانون الغلبة العددية، يكون فيها الطرف الغالب هو من يملك إلى جانبه أنصارا من الأطفال، وهذا تصور خاطئ لدى بعض الآباء». والصواب، تقول الإدريسي، هو «ترك الأطفال بعيدين عن المشاكل الزوجية لأن إقحامهم في الصراعات قد يولد لديهم عقدا نفسية وبالتالي تتعرض فطرتهم للتلوث، لأن الأطفال يميلون إلى الوالدين بفطرتهم السليمة، إلا أنهم في حالة الصراع بين الزوجين يختل توازن هذا الحب وتبدأ كفة ميزان الحب تميل إلى طرف دون آخر، وخصوصا إذا سعى أحد الوالدين إلى استمالة الأطفال إلى جانبه، سواء بالأمور العاطفية بالعزف على وتر الحب أو بالأمور المادية عبر تلبية رغباتهم المادية مقابل معاداة الطرف الآخر من طرفي الصراع، ومهما كان الطرف الذي يستعمل وسائل متعددة لإقحام الأطفال في الصراعات الزوجية فإن آثار ذلك تكون وخيمة على الأبناء في مختلف مراحلهم العمرية، إذ لا يحسون بالأمن تجاه أحد الوالدين، في الوقت الذي يجدر بالوالدين أن يوفرا الاكتفاء من الأمن لأطفالهم، وحين يكبر الأطفال الذين تم إقحامهم في الصراعات الزوجية يتعرضون لعقد نفسية ويفشلون في حياتهم الزوجية». ولهذا فإن على الوالدين، حسب الإدريسي، أن يكونا حكيمين في تدبير مشاكلهم الزوجية بعيدا عن الأبناء ويحافظا على علاقة سوية بينهما فيحضور الأبناء، ويتفقان على تسوية خلافاتهما دون إقحام الأطفال، وهذا يتطلب حكمة وصبرا وتعويدا، لكنه يؤدي إلى نتائج إيجابية على رأسها محافظة الأبناء على توازنهم النفسي مما يكسبهم قوة لمواجهة حياتهم اليومية التي تتطلب شخصية قوية واتزانا نفسيا. رأي المستشار يقول حسن قرنفل في حديث ل «التجديد» حول موضوع إقحام الأبناء في صراع الآباء: «في حالات كثيرة من حالات الخلافات الأسرية يلاحظ أن الآباء أو الأمهات يعملون على استخدام ورقة الأطفال في صراعاتهم العائلية وبالتالي يحاولون مثلا إظهار الطرف الآخر كطرف معتدي على حقوق الطرف الآخر أو متسلط وبالتالي فإن مصلحة الأطفال تكمن في مناصرة الطرف المشتكي. وبطبيعة الحال هذا خطأ كبير وخصوصا حين يكون الأطفال في سن صغيرة جدا، ولا يدركون الأبعاد السلبية لإقحامهم في صراعات الآباء، ولكن الطرف الذي يستعملهم يسهل عليه التأثير عليهم عبر تلبية رغباتهم، وهذا تكون له نتائج سلبية، إذ أن صورة أن صورة الأب أو الأم تتأثر بهذه الخلافات الأسرية التي تبقى مسألة عادية في كل أسرة توجد في العالم بفعل الصعوبات المادية والضغوط النفسية التي تفرضها الحياة اليومية. وإن استغلال الأطفال كورقة ضد الطرف الآخر لها تأثيرات سلبية على نفسية الأطفال وتؤدي إلى تفاقم الشماكل حتى أن إدخال الأطفال كطرف في النزاع يجعل مسألة الصلح بين الزوجين في ما بعد صعبة، إذ يرفض الأطفال السماح والتخلص من الصورة السلبية التي رسمت لهم عن الطرف. ولهذا يجب إبعاد الأطفال عن النزاعات الزوجية مهما كانت أسبابها من أجل تسهيل المرور إلى عملية الصلح. وسيكون من قبيل المبالغة القول بالحلول الجاهزة للخلافات الزوجية لأن لكل أسرة ظروفا خاصة بها، وبالتالي هناك حلولا خاصة لكل حالة حسب ظروفها واستعداداتها، ولكل أسرة الحرية في الاتفاق على طريقة لحل خلافاتها، والأهم في هذا الاتفاق هو إبعاد الأطفال عن الصراع وعدم تشويه صورة أحد الأطراف لديه، لأنه قد يحصل الصلح وتعود الحياة الطبيعية بعد الخلافات بين الزوجين إلا أن الأطفال يجدون صعوبة في التخلص من الصورة السلبية التي رسمت لهم عن أحد الوالدين، وهو ما يؤثر على علاقتهم داخل الأسرة نفسها وعلى مستقبلهم الأسري حين يكبرون ويتزوجون». خلاصة يستخلص مما سبق نداء موجه لكل الآباء: «لا تضعا أبناءكما كوقود في محرقة الصراع الزوجي مهما كانت استفزازات الطرف الآخر، وإذا بالغ الطرف الآخر في التعدي، وحاول استخدام الأطفال، فلا مانع من طلب المساعدة من طرف ثالث يتسم بالحكمة والقدرة على ضبط الأمور».