ثمة فرصة يفتحها عقد المنتدى العالمي لحقوق الإنسان في البرازيل هذه السنة، والذي يشارك فيه المغرب بوفد وازن يضم المكونات الثلاثة للفاعلين في مجال حقوق الإنسان، بإشراك للفاعلين النقابيين والأكاديميين والإعلاميين، إذ خلافا للتصور الضيق الذي كان يحصر حضور الوفد المغربي في مجرد الرد على خصوم الوحدة الترابية الذين يستغلون هذه المنتديات لاسيما إن نظمت في بلدان يجدون فيها صدى لأطروحتهم، فإن هناك إمكانية للنظر بشكل استراتيجي في هذا المنتدى من خلال بلورة فكرة توجه حقوقي قطبي جنوب- جنوب، يحاول أن يتحرر من المركزية الأوربية والأمريكية خاصة مع ظهور مؤشرات كثيرة على استخدام هذا القطب الحقوقي للملف سياسيا، وهيمنة موضوعاته وأجنداته الحقوقية، ومحاولته الطمس الكلي لحقوق الشعوب الأصلية. لحد الآن، لا يبدو أن هناك مؤشرات على تبلور هذا التوجه، فالموضوعات الثلاثة المهيمنة على المنتدى في البرازيل (حقوق الشعوب الأصلية، المثلية، والقواسم المشتركة للنضال الحقوقي) هي أشبه ما تكون بالهموم الحقوقية المحلة لدول أمريكا اللاتنية، وإذا ما نجحت الأرجنتين في تقديم ترشيحها وتنظيم هذا المنتدى العالمي السنة المقبلة، فإن ذلك سيضيع الفرصة وسيزيد من تكريس الطابع الأمريكي اللاتيني لهذا المنتدى. للمغرب فرصة لخوض هذه المغامرة، وتقديم ترشيحه لتنظيم هذا المنتدى، وبلورة هذا التوجه كسند للترشيح والمنافسة، ليس ذلك بقصد التخفيف من الضغط الدولي، ولكن لإضفاء الطابع الحقوقي الصرف على هذا الملف، ومحاصرة النزعة التسييسية المفرطة له، وإعادة التفاوض بين الأقطاب على جدولة المحاور الأساسية المستأثرة باهتمام النضال الحقوقي في العالم. المغرب، يملك إمكانية لبلورة فكرة هذا التوجه، فموقعه كبلد عربي أفريقي متوسطي، ووضعه المتقدم حقوقيا وديمقراطيا في محور جنوب - جنوب، تمكنه من القيام بهذا الدور الاستراتيجي المهم. قد يعترض هذه الفكرة سؤال الجدوى وحساب الربح والخسارة، والجواب أن مجرد بلورة المغرب لهذه الفكرة، وسعيه لتقديم ترشيحه لتنظيم هذا المنتدى على قاعدتها، سيحوله إلى منطقة جدب حقوقي عالمي تعتبر كافية لصد الأطروحات المناوئة للوحدة الترابية ، وأن ما تبقى من التحديات الجدية إنما تتطلب أن تسند الاستراتيجية بما يكفي من الإجراءات المصاحبة. صحيح أن بعض دول أمريكا اللاتينية وبعض الدول الإفريقية القريبة من المحور الجزائري لا تحمل ودا كبيرا للمغرب فيما يخص ملف حقوق الإنسان بسبب النشاط المدني والدبلوماسي الكثيف الذي يقوم به خصوم الوحدة الترابية، بل من المرجح ألا ينظر إلى هذه المبادرة من القطب الدولي المهيمن على ملف حقوق الإنسان بعين الرضا. لكن، مع كل هذه الاعتبارات، فهذه التحديات إذا قيست بتحدي هيمنة المركزية الأوربية والأمريكية على ملف حقوق الإنسان، فإنها تبقى غير مؤثرة، ثم إن الجواب عنها يتطلب أن يأتي من خلال الدينامية الدبلوماسية والسياسية والبرلمانية والمدنية، وأيضا من خلال حدود الفكرة التي يمكن أن تبلور في هذا الاتجاه، ونوع التصور للعلاقات بين التوجهات الدولية حول حقوق الإنسان التي ستبلورها، ومدى قدرتها على تبديد التخوفات. أما ما يتعلق بأثر هذه الفكرة على القضية الوطنية، وما إذا كان المغرب سيسعى بيده إلى خلق إطار مؤسسي يؤجج فضاء الخلاف على ملف حقوق الإنسان في الصحراء مما قد يدفعه إلى إنتاج شروط قريبة من الشروط التي دفعته للانسحاب من منظمة الوحدة الإفريقية، فالجواب عن ذلك، أن الفضاء الذي يتيحه المنتدى العالمي لحقوق الإنسان، هو فضاء المكونات الثلاثة لحقوق الإنسان، والغالب فيه هو المجتمع المدني، وهي فرصته لوضع الناشطين الحقوقيين في صورة وضعية حقوق الإنسان في المغرب بالمقارنة مع وضعيتها في دول الجنوب، وليس مع أوربا وأمريكا. ليس للمغرب ما يخشاه في هذه المقارنة لاسيما وأن خياراته في النهوض بحقوق الإنسان ثابتة، وانفتاحه على آليات منظومتها لا يزال مستمرا، وأن الإشكالات التي يعاني منها على هذا المستوى ليست أقل إحراجا من الإشكالات التي تعيشها بلدان الجنوب، وفي مقدمتها الدول التي لا تحمل ودا كبيرا للمغرب. أحيانا، يكون من الضروري أن تدفع بالأفكار الكبيرة لإقبار الإشكاليات البسيطة ذات الطابع المزمن، ويكون مفيدا أيضا أن يتم التحرر من الخوف ومن لغة رد الفعل، لأن أفضل طريقة لرفع الظلم الدولي على المغرب في مجال حقوق الإنسان، أن يخلق المغرب تحديا عالميا كبيرا بهذا الحجم.