لا يخفى على المراقب حجم ما تركته معركة النجف الحالية والسابقة من آثار على مجمل الساحة العراقية، الأمر الذي سيزداد وضوحاً بمرور الوقت. وإذا كانت الساحة الشيعية هي الأكثر ارتباكاً تبعاً لما جرى، فقد كان ذلك نتاجاً طبيعياً لحالة ما يشبه الإجماع بين قواها السياسية ومراجعها على مهادنة الاحتلال، خلافاً للساحة السنية التي عاشت حالة مغايرة من حيث حالة ما يشبه الإجماع بين قواها وشارعها الشعبي على دعم خيار المقاومة المسلحة للاحتلال، واقله المقاومة السلمية الرافضة لأي شكل من أشكال التعامل مع الخطوات السياسة التي يبرمجها من خلال المتعاونين معه. خلال الأسابيع الأخيرة تكفل تيار الصدر بإعادة تشكيل الساحة السياسية على أسس جديدة عنوانها المتعاونون مع الاحتلال في مواجهة الرافضين له، أكانوا من جماعات المقاومة المسلحة أم من القوى التي لا تعلن حمل السلاح لكنها تدعم حق العراقيين في المقاومة بكل الوسائل المتاحة، وهو ما يحدث تحديداً في المعسكر السني الذي لا يخرج من بين قواه من يقول إنه الناطق باسم المقاومة، الأمر الذي ثبتت فائدته في سياق الحرب ضد الاحتلال وعملائه، لكن كثيرين كانوا ولا يزالون يتطوعون للدفاع عنها وعن برنامجها السياسي الواضح في إخراج الاحتلال وترك العراقيين يتحكمون بمصيرهم بعيداً عن سطوة الغزاة. جاءت تحولات الأسبوعين الماضيين لتثبت صحة المقاربة السياسية التي اعتمدها تيار الصدر ومن قبله هيئة علماء المسلمين والقوى المنضوية تحت ما يعرف بالمؤتمر التأسيسي العراقي لمقاومة الاحتلال الأمريكي للعراق. حدث ذلك بعد أن انكشفت لعبة نقل السلطة على حقيقتها بعد مسرحية المؤتمر الوطني وبرلمان المائة الذي انبثق عنها، والتي جرى إخراجها بعناية فائقة ليكون سادتها هم المتعاونون مع الاحتلال، الأمر الذي يعطي فكرة واضحة عن الخطوات التالية وما يمكن أن تفرزه من آليات للحكم، والتي لن تكون سوى واجهات للاحتلال تحرس مصالحه على حساب سيادة العراق ومصالحه وثرواته وكرامته وكرامة أبنائه. الآن ترتبك الساحة من جديد في ظل معركة النجف وتتصاعد الخلافات بين رموز الحكومة المؤقتة حول وسائل التعامل مع جيش المهدي وحصار المدينة المقدسة، وتصل الأمور حد نشوب أزمة في حزب علاوي نفسه، فضلاً عن تصريحات نائب الرئيس ابراهيم الجعفري المتحفظة على طريقة إدارة المعركة والرافضة لاتهام إيران بالوقوف خلفها. كل ذلك إلى جانب الحرج الذي وقع فيه السيستاني وتلاشي الهالة التي كان يتمتع بها مع عدد من المراجع الآخرين، إنما يؤكد أن الساحة قد بدأت تتحرك وفق أسس جديدة كما سبق وأشرنا، عنوانها من يقاوم الاحتلال ومن يتعاون معه. وإذا كان معسكر المقاومة هو الممتد ما بين المجموعات المسلحة ومن ضمنها جيش المهدي، وبين القوى السياسية والدينية الرافضة للعبة السياسية التي يديرها الاحتلال، فإن المعسكر الآخر هو ذلك الذي يتعاون سياسياً مع الاحتلال ويزعم أنه يمارس المقاومة السلمية، مع أن أبجديات المقاومة السلمية هي مقاطعة الاحتلال وكل الآليات التي يخترعها، ومن ثم إعلان الرفض من خلال التظاهر والعصيان المدني وسوى ذلك من الفعاليات الجماهيرية المطالبة بالرحيل الفوري للغزاة. ياسر الزعاترة - كاتب فلسطيني