أخنوش: الحكومة "جاءت لتشتغل وليس لتتحدث" والمشروع الاجتماعي للملك هو بوصلتنا    نشرة إنذارية.. تساقطات ثلجية وأمطار قوية أحيانا رعدية مرتقبة اليوم السبت وغدا الأحد بعدد من مناطق المملكة    الجمعية العامة لمؤتمر رؤساء المؤسسات التشريعية الإفريقية تجدد التأكيد على تشبثها بوحدة وسلامة أراضي دول القارة        إنذار كاذب حول قنبلة بمسجد فرنسي ذي عمارة مغربية    غوتيريش يعلن انتهاء "مهمة العراق"    الرجاء يعود من السعودية ويواصل تحضيراته بمعسكر مغلق بالمغرب    الصحافة الإسبانية تشيد بأوناحي    تدخلات تزيح الثلج عن طرقات مغلقة    سلالة إنفلونزا جديدة تثير القلق عالميا والمغرب يرفع درجة اليقظة    عاصفة "إيميليا" تُوقف الرحلات البحرية بين طنجة وطريفة    بونيت تالوار : المغرب يعزز ريادته القارية بفضل مبادرات صاحب الجلالة    رسالة سياسية حادة من السعدي لبنكيران: لا تراجع عن الأمازيغية ولا مساومة على الثوابت    غارة إسرائيلية تخلف قتلى بقطاع غزة    مونديال 2026: خمسة ملايين طلب تذاكر خلال 24 ساعة ومباراة المغرب والبرازيل ثانيةً من حيث الإقبال    ميسي في الهند.. جولة تاريخية تتحول إلى كارثة وطنية    المديرية ال0قليمية للثقافة بتطوان تطمئن الرإي العام على مصير مدخرات المكتبة العامة بتطوان    محمد رمضان يحل بمراكش لتصوير الأغنية الرسمية لكأس إفريقيا 2025    بورصة البيضاء .. ملخص الأداء الأسبوعي    تعاون غير مسبوق بين لارتيست ونج وبيني آدم وخديجة تاعيالت في "هداك الزين"    مجلس السلام خطر على الدوام /1من2            من الناظور... أخنوش: الأرقام تتكلم والتحسن الاقتصادي ينعكس مباشرة على معيشة المغاربة        الرباط تحفز الحوارات حول الشراكات الدولية للولايات المتحدة الأمريكية    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال24 ساعة الماضية    نقابات الصحة تصعّد وتعلن إضرابًا وطنيًا باستثناء المستعجلات    مطارات المملكة جاهزة لاستقبال كأس إفريقيا للأمم 2025    التونسي وهبي الخزري يعتزل كرة القدم    المغرب: خبير صحي يحدّر من موسم قاسٍ للإنفلونزا مع انتشار متحوّر جديد عالمياً    القنيطرة .. يوم تحسيسي تواصلي لفائدة الأشخاص في وضعية إعاقة    جهة الدار البيضاء : مجلس الأكاديمية الجهوية يصادق على برنامج العمل وميزانية 2026    ضحايا "زلزال الحوز" ينددون بحملة التضييقات والأحكام في حقهم    الممثل بيتر غرين يفارق الحياة بمدينة نيويورك    الطريق بين تطوان والمضيق تنقطع بسبب الأمطار الغزيرة    كأس أمم إفريقيا 2025.. "الكاف" ولجنة التنظيم المحلية يؤكدان التزامهما بتوفير ظروف عمل عالمية المستوى للإعلاميين المعتمدين    السغروشني تعلن تعبئة 1,3 مليار درهم لدعم المقاولات الناشئة    خطابي: فلسطين تحتاج "محامين أذكياء"    حبس الرئيس البوليفي السابق لويس آرسي احتياطيا بتهم فساد    الركراكي يرفع سقف الطموح ويؤكد قدرة المغرب على التتويج بالكان    تشيوانتشو: إرث ابن بطوطة في صلب التبادلات الثقافية الصينية-المغربية    الإقصاء من "الكان" يصدم عبقار    بنونة يطالب ب «فتح تحقيق فوري وحازم لكشف لغز تهجير الكتب والوثائق النفيسة من المكتبة العامة لتطوان»    "الأنفلونزا الخارقة".. سلالة جديدة تنتشر بسرعة في المغرب بأعراض أشد وتحذيرات صحية    يونيسكو.. انتخاب المغرب عضوا في الهيئة التقييمية للجنة الحكومية الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي    بورصة البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الارتفاع    مدينة الحسيمة تحتضن فعاليات الملتقى الجهوي السابع للتعاونيات الفلاحية النسائية    ميناء العرائش .. انخفاض طفيف في حجم مفرغات الصيد البحري    تناول الأفوكادو بانتظام يخفض الكوليسترول الضار والدهون الثلاثية    تيميتار 2025.. عشرون سنة من الاحتفاء بالموسيقى الأمازيغية وروح الانفتاح    11 وفاة في غزة بسبب الفيضانات والأمطار الغزيرة    منظمة الصحة العالمية .. لا أدلة علمية تربط اللقاحات باضطرابات طيف التوحد    سوريا الكبرى أم إسرائيل الكبرى؟    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    موسم حج 1448ه... تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في المنهج: موضوعتان لا تُقيمان دليلاً
نشر في التجديد يوم 11 - 11 - 2015

ثمة موضوعتان خطرتان على العقل والقراءة الصحيحة للظواهر والمواقف أخذتا تنتشران في هذه الأيام. وذلك في خضم ما يسود الأوضاع العربية داخل عدد من الدول أو على المستوى العام من صراعات وانقسامات وبروز ظواهر شاذة ومعادلات موازين قوى جديدة، وما يسيل من دماء، ويرتكب من جرائم ومجازر، ويحدث من كوارث.
وهاتان الموضوعان ليستا جديدتين، أو ليستا ابنتين لهذا الخضم الذي لم يسبق له مثيل. ولكنهما راحتا تستخدمان على نطاق واسع. وأصبحتا الملجأ لكل من يعصى عليه تحليل ظاهرة جديدة أو موقف جديد. الأمر الذي جعل المعقّد أكثر تعقيداً، والعسير على الفهم والتحليل أكثر عسراً. لأن الموضوعتين لا تعنيهما الحقيقة، أو الدقة في فهم الظاهرة، أو الموقف. فتميلان إلى التبسيط بما يُرضي المُراد والحكم المُسبق.
الموضوعة الأولى استُخدِمت كثيراً من جانب الشيوعيين واليساريين والأحزاب والأنظمة الوطنية والثورية والقومية والإسلامية في الحُكم على مخالفيهم ولا سيما من الذين كانوا في صفهم وخندقهم واختلفوا معهم.
وذلك باتهامهم بالعمالة، إن لم يكن بالارتباط المباشر، فباستخدام حجة "موضوعياً". طبعاً الإثبات بالارتباط المباشر ليس سهلاً، ولو انتُزِعَ الاعتراف تحت التعذيب. لأنه سيظل خالياً من الدلائل الملموسة غير دليل "الاعتراف". ولهذا كان الاتهام بخدمة العدو الامبريالي أو غير الإمبريالي ينطلق من اعتبار الرأي الذي يعبّر عنه المخالف أو انقسامه يخدم "موضوعياً" العدو. وبهذا يصبح المخالِف بمنزلة "العميل" أو العدو "موضوعياً". وموضوعياً هنا تُغني عن القصد والنيّة، ولو كانا صادقين، فما دمت تخالفني أو تواجهني أو تنقسم عني فأنت "موضوعياً" تخدم الخصم أو العدو. وقد يصبح الذي يقف على الحياد أو يحاول التوفيق بين من كانوا في صف واحد أو خندق واحد، "يخدم العدو موضوعياً". فموضوعياً قد تجرّم البريء والغيور والصادق والمحايد والموّفق ما دمت أنت المعيار القويم الوحيد المقابل لذلك العدو.
وهكذا يتم التحريم وتثبت التهمة بلا حاجة إلى وقائع ودلائل، إذ يكفي برهان "موضوعياً". الأمر الذي يعني أن الأخذ بهذه الموضوعة في إقامة الحجّة على طرف ما أو موقف ما يُعطّل العقل والقراءة الصحيحة للظواهر والمواقف. ويسمح بالتلفيق ومصادرة الوقائع والدلائل.
من هنا يصبح إسقاط الحجّة التي تقوم على أساس إثبات التهمة أو التجريم، "موضوعياً"، ضرورة أخلاقية، وعلمية، وذلك أقرب للعدل وللحقيقة، لمن يحرص عليهما، وأقرب للإيمان والتقوى لمن يأخذ بالإسلام.
والبديل هو الحكم على المواقف والظواهر بالدليل والوقائع والرأي المطابق للحقيقة وليس بالاستنتاج "موضوعياً" باعتبارك أنت المعيار، أو ما تراه صحيحاً هو المعيار حتى لو كان مخالفك في خندقك وعنده خيار آخر يراه الأصح.
أما الموضوعة الثانية التي أخذت تنتشر في فهم عدد من الظواهر الجديدة والمواقف هي الاستناد إلى "الإختراق الأمني" الذي يفسّرها ويقف وراءها.
فبدلاً من أن تُقْرَأ ظاهرة تطرف باعتبارها ظاهرة قائمة بذاتها لها عقيدتها وأفكارها وسماتها وطبيعتها ومنهجها، وتُقرَأ الظروف وموازين القوى التي سمحت لها بأن تقوى وتنتشر ويشتد ساعدها وتصبح خطراً داهماً على بلد بعينه أو على الأمّة، تلجأ إلى اعتبارها صنيعة مخابرات أو تفسّر ممارساتها من خلال الاختراق المخابراتي لها.
موضوعة تفسير ظاهرة وممارساتها بالإختراق المخابراتي تبدو لدى البعض مسّلمة أكثر من موضوعة، موضوعياً، أو يمكن اعتبار الموضوعتان تكملان بعضهما بعضاً، مع هيمنة نظرية أقوى لموضوعة الاختراق المخابراتي، لماذا؟ لأن هنالك تاريخاً معروفاً ومشهوراً بما حدث ويحدث من اختراقات مخابراتية. ومن ثم لا حاجة إلى إثبات وقوع هذا الاختراق. لأننا هنا أمام بدهية لا تُناقَش. وأما من يشكك فيها أو يطلب الدليل عليها فهو مُنْكِر لظاهرة الاختراق المخابراتي. وهو ما لا يُقبَل منه.
المشكل هنا ليس في إثبات وجود اختراق مخابراتي أو عدمه. وإنما في تحديد مدى تأثيره في طبيعة الظاهرة وأهدافها وسياساتها وممارساتها، أو تحديد دور الاختراق المخابراتي في الظاهرة أكانت حزباً أم تنظيماً أم دولة. علماً أن ما من ظاهرة إلاّ وتتعرّض للاختراق المخابراتي. وأن الأدّلة على حدوث ذلك كثيرة، وتكاد تكون عامة. ولكن السؤال هو ما حدوده وما تأثيره وما فعله، وأين مكمن خطره؟
إذا حدث اختراق مخابراتي في حزب أو حركة أو تنظيم أو دولة لا يعني أن المستهدف أصبح ظاهرة مخابراتية أو أصبح تحت تأثير الاختراق. وهنا يصبح من الضروري إدراك حدود الاختراق عموماً. ومن ثم يجب أن يسقط كل وهم يظن أن الاختراق يحدّد سمات الظاهرة وطبيعتها وسياساتها وممارساتها. فهو لا يستطيع إلاّ أن يصبح قولاً وعملاً جزءاً منها وليس العكس. وإلاّ انقلبت كل الحالات المخترقة إلى نقيضها إذا كان بمقدور الاختراق أن يغيّر في سماتها الأساسية أو في ما رسمته لنفسها من سياسات وممارسات وطرائق عمل. فالذي يتحدث عن الاختراق عليه أن يدرك حدوده ولا يُبالِغ فيه. وإلاّ عطّل العقل والقراءة الصحيحة لحقيقة الظواهر (الأحزاب، الحركات، التنظيمات، الدول) والمواقف.
فالسؤال الأهم الذي يحسم الموضوع هو إلى أي حد يمكن للاختراق المخابراتي أن يفعل فعله في تحديد سمة الظاهرة المعنية وطبيعتها وسياساتها وممارساتها؟
الجواب أن كل اختراق مخابراتي لا يستطيع أن يقترب للمساس بالسمة الأساسية للظاهرة، كل ظاهرة، أو يغيّر في طبيعتها وسياساتها وممارساتها. لأنه فوراً سيُكشَف ويُلفَظ، أو يُقتل. ولهذا فالقانون الحاكم للاختراق هو السير والعمل ضمن السمة الأساسية وعدم مخالفة طبيعتها أو سياساتها أو ممارساتها. فهو هنا لا يملك إلاّ أن ينقل معلومات من داخلها لخصومها لتسهيل ضربها. وهذا يجب أن يمارسه بحذر شديد وإلاّ احترق فوراً.
الاختراق المخابراتي يمكن أن يلعب دوراً تخريبياً حين يتعكر الماء داخل الظاهرة مثل اندلاع صراع بين الأجنحة. هنا يمكنه أن ينضم لإحداها ويُفاقِم الصراع ولكن يجب أن يتقيّد بما يريده ذلك الجناح الذي انضم إليه.
فنظرية الاختراق المخابراتي يُبالَغ فيها من جهة، ولا يحدّد بالضبط المدى الذي يمكن أن يؤثر فيه الاختراق. ولكن في كل الأحوال لا يستطيع تغيير السمة الأساسية في تكوّن الظاهرة وطبيعتها وسياساتها وممارساتها وأيديولوجيتها. فدوره يقتصر على نقل معلومات سريّة، أو الصيد في الماء العكر. لأن الظواهر تنشأ عادة بصورة مستقلة عن الاختراق المخابراتي. وإلاّ لا قيمة لها ولا معنى ولا مستقبل لها إذا كانت منذ النشأة مخابراتية.
فنظرية الاختراق المخابراتي تدخل ضمن الكسل الفكري في القراءة التي تعجز أو تخشى أن ترى للظاهرة كينونتها وأيديولوجيتها وسياساتها وممارساتها القائمة بذاتها. ومن ثم يُصار إلى محاربتها والتحريض ضدها استناداً للخلل في تلك الكينونة والأيديولوجية والسياسات والممارسات. والذي قد يصل إلى حد الاجتثاث والإبادة.
ففي التاريخ الإسلامي مثلاً كانت الردّة المسلحة بحد ذاتها كافية لتحارَب حرباً ضروساً بلا حاجة إلى أن تُعْتبَر صناعة دولة معادية، أو عميلة، أو مخترقة من الأجهزة المخابراتية وكان هذا الشأن في محارِبَة الظواهر الشأن سواء أكانت أيديولوجية أم مُفسِدة في الأرض.
أما ما يمكن أن يُتهَم بالعمالة بحق فينبغي أن يقوم الدليل على ذلك، وأن لا تقوم التهمة على أساس الالتقاء "الموضوعي" مع سياسة العدو أو على أساس وجود اختراق مخابراتي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.