الطريق نحو المؤتمر ال18..الاستقلال يفتح باب الترشح لعضوية اللجنة التنفيذية    الهجمات على إيران "تشعل" أسعار النفط    مكناس: تعبئة شاملة لاستقبال ضيوف المعرض الدولي للفلاحة بالمغرب 2024    فيتو أميركي يٌجهض قرار منح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة    أعلنت شركة التكنولوجيا الأمريكية (ميتا)، إطلاق مساعد الذكاء الاصطناعي المجاني "ميتا إيه آي" عبر منصات التواصل الاجتماعي الخاصة بها، مثل "واتساب" و"إنستغرام" و"فيسبوك" و"مسنجر".    فيديو لسائحة أجنبية ينتهي بتوقيف منتحل صفة بفاس    وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بطل مسلسلات "ليالي الحلمية" و"أرابيسك" عن عمر 81 سنة    صورة تجمع بين "ديزي دروس" وطوطو"..هل هي بداية تعاون فني بينهما    منظمة الصحة تعتمد لقاحا فمويا جديدا ضد الكوليرا    المدير العام لمنظمة "FAO" يشيد بتجربة المغرب في قطاعات الفلاحة والصيد البحري والغابات    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    مذكرة إخبارية للمندوبية السامية للتخطيط نتائج بحث الظرفية لدى الأسر الفصل الأول من سنة 2024    "لارام" وشركة "سافران" تعززان شراكتهما بمجال صيانة محركات الطائرات    وزيرة : ليبيريا تتطلع إلى الاستفادة من التجربة المغربية في مجال التكوين المهني    "أحرضان" القنصل المغربي بهولندا يغادر إلى دار البقاء    الهجوم الإسرائيلي على إيران.. هل ينهي المواجهة المباشرة أم يشعل فتيلها؟    إسرائيل تقصف أصفهان بمسيّرات.. وإيران: لا تقارير عن هجوم من الخارج    السودان..تسجيل 391 حالة وفاة بسبب الاصابة بمرضي الكوليرا وحمى الضنك    رغم غلق الأجواء.. فريق مغربي يسافر في رحلة مباشرة إلى الجزائر    العصبة الاحترافية تتجه لمعاقبة الوداد بسبب أحداث مباراة الجيش    عساكرية من مالي والنيحر شاركو مع البوليساريو فتمرين دارتو دزاير (تصاور)    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة    نقابة تتهم حيار بتعطيل الحوار الاجتماعي ومحاولة تصفية وكالة التنمية الاجتماعية    باستثناء الزيادة.. نقابي يستبعد توصل رجال ونساء التعليم بمستحقاتهم نهاية أبريل    التراث المغربي بين النص القانوني والواقع    الطالبي العلمي كاعي من البلوكاج لي داير لشكر لهياكل مجلس النواب واللي تسبب فتعطيل المؤسسة التشريعية    أخْطر المُسَيَّرات من البشر !    ورشة في تقنيات الكتابة القصصية بثانوية الشريف الرضي الإعدادية بجماعة عرباوة    مهرجان خريبكة الدولي يسائل الجمالية في السينما الإفريقية    "قتلوا النازحين وحاصروا المدارس" – شهود عيان يروون لبي بي سي ماذا حدث في بيت حانون قبل انسحاب الجيش الإسرائيلي    لوسيور كريسطال تكشف عن هويتها البصرية الجديدة    الدكيك وأسود الفوتسال واجدين للمنتخب الليبي وعينهم فالرباح والفينال    جورنالات صبليونية: هليكوبتر بالشعار الملكي والدرابو بالحمر حطات فمطار كاستيون    هجرة .. المشاركون في الندوة الوزارية الإقليمية لشمال إفريقيا يشيدون بالالتزام القوي لجلالة الملك في تنفيذ الأجندة الإفريقية    حملة جديدة لتحرير الملك العام في مدينة العرائش أمام تغول الفراشة    جنايات الحسيمة تصدر حكمها على متهم بسرقة وكالة لصرف العملات    مليلية تستعد لاستقبال 21 سفينة سياحية كبيرة    تقرير يُظهر: المغرب من بين الوجهات الرخيصة الأفضل للعائلات وهذه هي تكلفة الإقامة لأسبوع    تفاصيل هروب ولية عهد هولندا إلى إسبانيا بعد تهديدات من أشهر بارون مخدرات مغربي    بعد نشر سائحة فيديو تتعرض فيه للابتزاز.. الأمن يعتقل مرشد سياحي مزور    واش اسرائيل ردات على ايران؟. مسؤولوها اكدو هاد الشي لصحف امريكية واعلام الملالي هدر على تصدي الهجوم ولكن لا تأكيد رسمي    حرب السودان.. كلفة اقتصادية هائلة ومعاناة مستمرة    المغاربة محيحين فأوروبا: حارث وأوناحي تأهلو لدومي فينال اليوروبا ليگ مع أمين عدلي وأكدو التألق المغربي لحكيمي ودياز ومزراوي فالشومبيونزليك    "الكاف" يحسم في موعد كأس إفريقيا 2025 بالمغرب    خطة مانشستر للتخلص من المغربي أمرابط    بيضا: أرشيف المغرب يتقدم ببطء شديد .. والتطوير يحتاج إرادة سياسية    نصف نهائي "الفوتسال" بشبابيك مغلقة    الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم يطالب بفرض عقوبات على الأندية الإسرائيلية    "قط مسعور" يثير الرعب بأحد أحياء أيت ملول (فيديو)    منير بنرقي : عالم صغير يمثل الكون اللامتناهي    الانتقاد يطال "نستله" بسبب إضافة السكر إلى أغذية الأطفال        قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (6)    الأمثال العامية بتطوان... (575)    وزارة الصحة تخلد اليوم العالمي للهيموفيليا    هاشم البسطاوي يعلق على انهيار "ولد الشينوية" خلال أداء العمرة (فيديوهات)    الأمثال العامية بتطوان... (574)    خطيب ايت ملول خطب باسم امير المؤمنين لتنتقد امير المؤمنين بحالو بحال ابو مسلم الخرساني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أطفال شمكارا..تخلى عنهم الآباء فالتقطتهم العصابات
نشر في التجديد يوم 07 - 06 - 2004

أطفال شمكارا في الشوارع..تخلى عنهم الآباء والأمهات فالتقطتهم العصابات والمخدرات
طفل الشارع، أو ما يصطلح عليه عند المغاربة بالشمكار ولد كسائر الأطفال واختار له والداه أحسن الأسماء، غير أنه وجد نفسه في الشارع يتسول المارة ويتعرض للاستغلال الجنسي من قبل عصابات منظمة أو من لدن أشخاص شواذ، يأكل من فتات المقاهي، يأويه الشارع.
أجساد ترقد ليلا على أوراق كارطونية في دروب المدينة القديمة أو بالقرب من المحطة الطرقية، تلتحف السماء وتتقي لسعات البرد أحيانا بلا انكماش في أكياس بلاستيكية. وجوه شاحبة تبدأ عملها نهارا بالتسول وأحيانا السرقة.
«التجديد» استطلعت أحوال فئة من هذه الشريحة، فأفضوا بكل ما يثقل كواهلهم الصغيرة، وعبروا عما يموج في صدورهم من آلام، وتحدثوا عن أملهم في أن يأتي يوم يصبحون في نظر الناس بشرا لهم حقوق وعليهم واجبات. كما تحدث مهتمون بقضايا الطفولة عن هذه الظاهرة وعن أسبابها والحلول الكفيلة بإعادة البسمة لهؤلاء.
أبي كان مدمنا على الخمر
في العديد من أركان حديقة منتزه حسان بالرباط يقع بصرك على نساء ورجال يحتسون الخمر ويدخنون السجائر، ليسوا حمقى أو مجانين، يرتدون أحسن الثياب وتضع النساء منهم كل أنواع الزينة والماكياج على وجوههن، ومعهم طفل يسهر على خدمتهم ويجلب لهم ما يريدون من الدكان أو من الحانة، وما هي إلا برهة حتى حمل كيسا داخله قارورات فارغة للخمر وفي يده بعض النقود ثم غادر الحديقة. التقينا هذا الطفل وتحدث إلينا بعد أخذ ورد، جلبابه الأبيض وطاقيته المتسخة يدلان على وضعية مشؤومة عنوانها الحرمان والضياع، يقول رشيد (16 سنة) وعيناه محمرتان: «ليس لدي ما أقول، كل ما في الأمر أنني أعيش في الشارع والسلام، وأتعاطى للتدخين وشم السليسيون، وأشرب الخمر أحيانا إذا جاد علي بها أولئك الجالسون، في إشارة للمجموعات التي تشرب الخمر جهارا»، وبعد لحظة قطع حديثنا شاب في الثلاثين من المجموعة التي يسهر الطفل على خدمتها، فانتزع من يده الكيس البلاستيكي بطريقة انفعالية، فتبع الطفل الشاب يستعطفه للقيام بالخدمة فرفض، فعاد الطفل للحديث إلينا قائلا: أنا ما قاريش، ثم تابع كلامه وهو ينظر في جميع الاتجاهات بنبرة حادة: «أبي كان مدمنا على الخمر، وكان
يضربني ويضرب أمي، فسئمت العيش في بيتنا، فأرشدني أحد الأصدقاء إلى أن أؤنسه في العيش في الشارع، بعد أن طلق أبي أمي، فذهبت أمي للعيش مع جدتي ولا أدري أين ذهب أبي ولا أين يعيش»، يتم رشيد حديثه وهو يتأسف على وضعه محملا الأسرة والمجتمع المسؤولية، قائلا: «ما ذنبي أنا؟ لما كبرت وجدت أبي يعيش رفقة أمي في مشاكل عديدة، وأنا الآن أبيع السجائر بالتقسيط وأحيانا أضطر للتسول إن لم أجد ما أسد به رمق الجوع، وأزور أمي بين الفينة والأخرى».
غادرنا رشيد دون الإجابة على باقي أسئلتنا، ربما لأنه تعب من تقليب مواجعه وتحريك جرحه الغائر، أو ربما لأنه نقم علينا لأننا فوتنا عليه فرصة الفوز ببعض الدريهمات مقابل جلب قارورات خمر لجلسائه.
آمل في العودة
استلقى مراد (15 سنة) على ظهره في الغابة الصغيرة المجاورة للمحطة الطرقية لمدينة الرباط، يمد يده إلى قارورة ربطها بخيط في سرواله بها مادة الدوليو (سائل يستعمل في خلط مواد الصباغة) ويبلل قطعة ثوب فيضعها على أنفه، اقتربنا منه وهو في وضعية تقشعر لها الأبدان: رائحة كريهة وحذاء من البلاستيك وجوارب متسخة، كثير الحركة، لا ينفك عن حك وجهه ورأسه الأصلع، نظراته تعلن عن عدم الرضا على وضعه.
مراد يقول إنه لا ينتمي لأسرة متفككة، فأبوه الإسكافي لا يعرف سوى العمل والمسجد والبيت، غير أن الرفقة السيئة هي التي رمته إلى أحضان الشارع. «أقطن بمدينة سلا، يقول مراد بلسان ملتو ينبئ عن درجة الدوخة التي وصل إليها، وتعرفت على أحد الأطفال الذي استدرجني لشم الدوليو ولم أستطع المكوث في بيتنا لأن أمي بدأت تضربني، مما دفعني إلى مغادرة البيت، وأزور بيتنا كل أربع أو خمسة أشهر» وعن مستواه الدراسي يقول مراد، : «غادرت المدرسة منذ المستوى الابتدائي الأول»، ثم سرعان ما حملق بعينيه عاليا، ممتنعا عن الكلام لبضع ثوان، ثم استأنف: «في رأيك ماذا أعمل؟ هل أتوجه إلى الجمعية؟ سبق أن ذهبت إلى إحدى الجمعيات بحي أكدال ووجدت مقرها مغلقا، وآمل أن يأتي يوم أجد من ينتشلني من هذا الواقع».
مراد يقتات من فتات بعض المقاهي التي اعتاد على زيارتها رفقة بعض زملائه، ونحن نتحدث إليه، أخذ أحد المارة الذي يبدو أنه يعرفه يلقي اللوم عليه لكونه لا ينصت إلى نصائح الناس ولا يريد أن يكون مثل أقرانه، آمرا إياه أن يمعن النظر في حال سائر الأطفال ليعرف مستوى عيشهم وكيف أنهم يرتدون ملابس نظيفة ويتوجهون صباح مساء إلى المؤسسات التعليمية.
متشرد عابر للمدن
بجانب سور المدينة القديمة بالرباط وعلى بعد بضعة أمتار من مكان تفوح منه رائحة البول النتنة، يجلس محمد إلى جانب نور الدين ومصطفى، جمعتهم الأقدار في الشارع دون سابق معرفة، يتقاسمون مصيرا واحدا، جلهم هرب من مراكز حماية الطفولة أو من إحدى الجمعيات، محمد يبلغ من العمر 22 سنة، رحب بالحديث إلينا طالبا منا أن نتفهم وضعيته المزرية، فهو براني قادم من مدينة أخرى، عاش حوالي اثنى عشر سنة من حياة التشرد مرورا بطنجة ومكناس وفاس وانتهاء بالعاصمة، محمد سبق أن أدين بست سنوات وتم إيداعه في مركز للطفولة بطنجة أمضى منها سنتين فقط ليفر منه بعدما سئم العيش وسط الجدران، فهو ألف الخروج وكره العيش في جو منظم ومنظبط.
بدأ حياة التشرد بعد بلوغه سن العاشرة من عمره، حيث ذهب لمدينة طنجة، وعاد إلى تازة حيث تقطن أسرته، غير أنه وقع شجار بينه وبين أبيه وأخته انتهى بالحكم عليهم جميعا بشهر موقوف التنفيذ، ليرحل مجددا في اتجاه مدينة فاس ليعانق حياة الشارع من جديد، يفترش الأرض ويلتحف السماء ويشم الدليو ويتسول، يقول محمد والأسى يعلو محياه: «من السهل أن لا أتعاطى شم الدليو، ولكن ألجأ إليه ليمدني بالحرارة اتقاء للبرد في الليل، ويساعدني على مد يدي للمارة لأنني أستحيي من الناس»، حلم محمد هو أن يتمتع ببطاقة التعريف الوطنية بعد أن ضاعت منه، لأنه كلما قصد أحد للعمل لا يثق فيه، يحمل محمد مسؤولية وضعه لأبيه قائلا: «أبي هو سبب واقعي، كان دائم الشجار معنا ولا عمل له سوى شرب الخمر حتى الثمالة وابتزاز أختي التي تعمل».
منع الحياء محمد من البوح من بعض إساءات أبيه له، فاكتفى بقوله: «أنا أستحيي أن أقول لك بعض تصرفات أبي، كما أستحيي أن أحكي لك عن بعض الإساءات التي تعرضت لها خلال إقامتي بالشارع».
نحن أيضا بشر
تعلو وجه نور الدين ابتسامة مصطنعة، لا يتحدث إلينا إلا وهو ينظر إلى أسفل، بوجهه آثار جروح، أخطرها خط بوجنته رسمه له أحد أصدقائه بشفرة حلاقة بعد أن تخاصما حول اقتسام بعض الدراهم التي منحتها إياهم إحدى النساء، تعلو رأسه كدمات تركها آثار حجر هوى به عليه أحد رفاق الليل، قصة هذا الطفل، البالغ اثني عشر سنة، شبيهة بقصص محمد ورشيد من حيث انفصال والديه وتعاطي أبيه شرب الخمر والعربدة، لكنه يزور أهله كثيرا، حسب قوله، بينما قاطعه أحد رفاقه متهما إياه بالكذب وإخفاء الحقيقة وأنه لا يزور عائلته إلا نادرا رغم أن هذه الأخيرة تقطن بمدينة سلا، وبينما نحن في حديث إلى نور الدين قاطعنا مصطفى بعد أن أخفى قارورة الدليو تحت قميصه بأمر من محمد، فقال بفرح غير عادي «أنا أسكن بحي الانبعاث بسلا، وأنا الآن في الشارع»، ملامح مصطفى، البالغ من العمر عشر سنوات، لا يبدو عليها التشرد، فهو لم يرد الحديث عن واقعه، واكتفى بالضحك تارة وبالنظر إلى رفاقه تارة أخرى، فاكتفى بقوله: «لي أخ في الخيرية».
الحديث إلى هؤلاء الأطفال يطبعه التساؤل ووضع علامات التعجب والاستفهام من المارة، ليس لأنهم لم يسبق لهم أن رأوا الشمكارا، ولكن لأن المتحدث إلى هؤلاء ليس من رفاقهم، نظراتهم المزدرئة والمستخفة من البعض ضايقت هؤلاء الأطفال لدرجة أن أحدهم قال: «نحن أيضا بشر لماذا هذه النظرات الغريبة».
كثير هم الأطفال الذين التقيناهم قصصهم متشابهة وأحيانا متطابقة، كما أن الظاهرة لا تقتصر على الذكور دون الإناث، لقد صادفنا طفلتين من هذه الشريحة بمدينة مكناس، غير أنه بمجرد ما اقتربنا منهما أطلقتا ساقيهما للريح، فقال عنهما حارس إحدى العمارات «إنهما تدخنان وتشمان السيليسيون، ويقال إنهما دون عائلة».
معاناة أم شمكار"
ترك مروان الدراسة منذ بلوغه سن العاشرة، تبحث عنه أمه صباح مساء في الحدائق، بعدما علمت أن ابنها أصبح يلجأ إلى شم السيليسيون، وما أن تجد حفيظة ابنها حتى تنهال عليه بكل أنواع الضرب المبرح والشتم، تقول وهي تتنهد: «إنه شَبَه أبيه الذي كان سكيرا بامتياز، حتى مات في الشارع وهو مخمور»، حفيظة تعاني من انحراف الذرية التي خلفت، فالابن الأكبر يدخن ويشرب الخمر وبنتاها تتعاطيان البغاء، فيما تظل تراقب الابن الأصغر وتبحث عنه من مكان إلى مكان، ثم أضافت وهي مستاءة: «ظننت أن معاناتي ستنتهي بعد وفاة زوجي، غير أنها أن العدوى انتقلت إلى ذريته وكتبت علي المعاناة طيلة حياتي».
مروان يتعاطى أنواع المخدرات، وأحيانا يبيت خارج البيت، وتخشى أمه أن يتعرض للاستغلال الجنسي في ظل واقع أصبح فيه الخوف من الاغتصاب مقسما بين الأبناء والبنات على حد سواء، بعدما كان مقتصر على الفتيات، كما قالت حفيظة.
يحكي مروان عن سبب انحرافه: «ذات يوم ضربني أبي وكان يتشاجر مع أمي، وطردنا خارج البيت ليلا وذهبنا عند الجيران، فضربني ابنهم، فخرجت دون علم أمي بعد نومها، وذهبت إلى إحدى الحدائق فوجدت رجلين يشربان الخمر فجلست معهما، فقدما لي شيئا منها فأخذتها خوفا منهما، وبعد عودتي صباحا ضربتني أمي، فهربت خارج البيت ولجأت إلى المكان نفسه وهكذا بدأت رحلة شرب الخمر وشم السيليسيون".
وفيهم أيضا العروسة"
بمجرد ما تسأل الأطفال المشردين عن مدى تعرضهم للاستغلال الجنسي يكون النفي هو أول جواب، ومن الصعب أن يبوحوا بذلك في لقاء لا يتعدى بضع ساعات، غير أن فوزية لحليمي، مساعدة اجتماعية بجمعية بيتي المهتمة بأطفال الشوارع بمكناس، صرحت لالتجديد: «أن 90 بالمائة من الأطفال الذين تستقبلهم الجمعية تعرضوا للاستغلال الجنسي من قبل من يسمون رؤساء المجموعة، وهم مشردون يسيرون أطفال الشوارع، ويتكلفون بطهي الطعام لهم»، وتسترسل حليمة في وصف الطريقة التي ينظم بها المشردون أنفسهم: «إنهم أشخاص يعيشون في أماكن مهجورة أو في غابات، فيقوم الرؤساء بإرسال الأطفال قصد التسول أو السرقة، وعند العودة ليلا تبدأ عملية ممارسة الجنس بينهم، وقد تصل عقوبة الطفل المشرد الذي لم يأت بالمبلغ المتفق عليه أو الذي لم يطع رئيس المجموعة إلى إصدار حكم عليه يقضي بممارسة الجنس عليه بشكل جماعي»، ولا تقتصر ممارسة الجنس على طفل الشارع من قبل زملائه، بل هناك أشخاص موظفون يقومون بذلك وملفاتهم مطروحة أمام المحاكم.
وفي قاموس هذه الفئة، فإن الطفل حديث عهد بالشارع يطلق عليه اسم العروسة، كدليل على حداثة عهده بالاغتصاب، كما حكت ذلك المساعدة الاجتماعية، كما أن هناك أطفالا يتقاضون مبلغ عشرة دراهم أو يستفيدون من المبيت في مكان يقيهم حر البرد مقابل استغلالهم جنسيا حسب الحالات التي عاينتها حليمة عن قرب.
أسباب ودوافع
تتعدد الدوافع التي تؤدي إلى عيش الطفل خارج الشارع، فوزية لحليمي من خلال تجربتها التي تؤدي إلى ازدياد الظاهرة تكمن في: «انفصال أسرهم أو تعاطي آبائهم المخدرات والخمر، أو تعاطي الأمهات الدعارة أو عنف الآباء ضد الأطفال، إضافة إلى الممارسة الجنسية للآباء أو الإخوة على الأطفال»، والسبب الأخير يجعل الجمعية في حيرة من أمرها حسب فوزية، فينبغي تربية الأب أولا أو الأخ ليجد الطفل المشرد مكانا آمنا للعيش، كما أن الفقر من بين العوامل، تضيف فوزية: «هناك من الأطفال من يقول إن الشارع بالنسبة له فندق خمسة نجوم، ولما نقوم بمعاينة ميدانية لمسكنه نجد كلامه صحيحا، إذ نجد أسرة بكاملها تعيش في غرفة واحدة وفي ظروف مأساوية».
ويقول سعيد بورحي، المسؤول الوطني لجمعية الرسالة للتربية والتخييم : «إذا محصنا الأسباب المؤدية لظاهرة التشرد نجد التفكك الأسري بشكل واضح أو عيش الطفل مع زوج أمه أو زوجة والده، إضافة إلى استعمال الآباء العنف مع أبنائهم ويضطر الأطفال إلى الخروج إلى الشوارع».
مقتضيات قانونية متآكلة
ترى الأستاذة فوزية الحريكة، محامية، أن طفل الشارع هو طفل متسول أو بدون عائلة أو اسم، ويعامل طفل الشارع على أنه مجرم، وهذه ظاهرة غير صحية لأن ظروفه الاقتصادية والاجتماعية دفعته لذلك، وبخصوص اهتمام القانون المغربي بهذه الشريحة تقول المحامية: «الفصل 626 من القانون الجنائي يعاقب الطفل المشرد الذي يعثر عليه وهو يتسول لأن ليس له عمل قار، ولكن كيف نشغله والقانون يعاقب على تشغيله»، وتضيف أن «من يقل سنه عن اثني عشر سنة فالفصل 516 من القانون الجنائي لا يطبق فيه النص الحرفي، ولكن تطبق عليه تدابير الحماية الجنائية، ويتم تسليمه بشرط احترام بعض الإجراءات، وفي حالة عدم وجود الوالدين فإنه يحال على مقر الأحداث».
وتتأسف فوزية على اضمحلال بعض الحلول المستمدة من التراث من قبيل أبناء السبيل، حيث كانت المساجد تأوي وتطعم مثل هؤلاء.
ويرى شوقي بنيوب، مستشار قانوني بالمرصد المغربي لحقوق الطفل، أن ظاهرة تشرد الأطفال موضوع مؤلم، فضلا عن كونها إشكالية تواجه المتدخلين ولا يمكن الصمت عنها إطلاقا، وأضاف أن معاجتها من جانب حقوق الطفل والمعايير الدولية تندرج ضمن ظاهرة إساءة معاملة الأطفال واستغلالهم، ويضيف المتحدث نفسه أنه: «لا يمكن أن ننتظر على الإطلاق من الطفل الذي يوجد في الشارع أن يكون رحيما على نفسه ومحيطه وعائلته، يجب أن نتوقع ونقول ذلك بكل مسؤولية ونزاهة إن جزء من العصابات تأسست من حيث سلوكها الإجرامي داخل الشارع».
وعن المقاربة الأمنية للظاهرة يقول بنيوب: «لا يتعلق الأمر بمقاربة قانونية فالقانون الجنائي المغربي في هذا الجانب يعاقب على التسول، وهي مقتضيات متآكلة ومتخلفة تعود إلى أكثر من أربعين سنة، وأعتبر أن معالجة ظاهرة أطفال الشوارع تندرج ضمن مقاربة حماية الأطفال ضحايا سوء المعاملة والاستغلال».
نحو الحل
ظاهرة التشرد تحتاج إلى حلول كفيلة بإعادة البسمة لأطفال حرموا من التمتع بحياة كريمة مثل أقرانهم، وتتنوع الحلول التي يطرحها مهتمون بقضايا الطفولة. يقول الأستاذ شوقي بنيوب، عضو المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان: «أغلب أطفال الشوارع لهم أسر، لذلك يجب التوجه إلى إعادة إدماجهم داخل أسرهم، ثم إن جزءا منهم ضحايا الفراغ القاتل وانعدام المجالات التي تستقبلهم حتى لا ينحرفوا كليا، من هنا فإن المسؤولية الجسيمة ملقاة على مؤسسات الشعب، وفي مقدماتها الجماعات، ولا يمكن أن نتصور على الإطلاق جماعة محلية لا تخلق فضاءات لهؤلاء الأطفال وغيرهم»، ويضيف المتحدث نفسه: «إن فكرة وضع مؤسسات خاصة ينقل إليها أطفال الشوارع بين لبفينة والأخرى أدت إلى فشل ذريع لأنها عملية اعتقال غير رسمية وغير معلنة، وبالمقابل، فإن مؤسسات جمعوية تشتغل في هذا المجال مثل مركز بيتي الذي قدم تجربة مهمة في هذا الجانب، وينبغي اعتبار هذا المركز مرجعا لدراسة الظاهرة وتقديم الحلول الكفيلة بعلاجها».
ويقول سعيد بورحي: «محافظة الأسرة على تماسكها وتشبعها بالقيم الإسلامية من بين الحلول، وتجد العائلة الكبيرة تتدخل في الأسرة الصغيرة لحل المشكل عند وجود ظلم للطفل أو الطفلة»، ويضيف بورحي: «أن القطاعات الحكومية والجمعيات ذات الإمكانيات يبقى تدخلها هزيلا في الموضوع، وأنها مطالبة للقضاء على هذه الظاهرة».
وترى فوزية الحريكة، من جهتها، أن «طفل الشارع هو طفل ينتمي لهذا البلد، وظاهرة انحراف الأطفال هي ظاهرة عالمية لم تنج منها أي دولة رغم اختلاف أنظمتها الاقتصادية والسياسية والعقائدية، وأنه مطلوب أن ننفتح بشكل أكبر لإيجاد الآليات لمعالجة الظاهرة، وتظافر الجهود الإشعاعية والمؤسسات المنتخبة ووسائل الإعلام وغيرها، لأن أطفال الشوارع هم جزء من هذا الشعب ونبقى مسؤولين، سواء رسميا أو بشكل غير رسمي كمواطنين مغاربة، وحان الوقت لتتحرك ضمائرنا، لا يمكن أن نطمح لما هو أكبر وأطفالنا في الشوارع».
ولإدماج طفل الشارع، فذلك يتطلب جهودا كبيرة وتعاونا من قبل الجميع، هذه العملية، حسب فوزية لحليمي، تنقسم إلى قسمين: الاندماج العائلي، أي إعادة الطفل إلى أسرته والعمل على إدماجه فيها، ويتم تحقيق ذلك بنسبة 90 بالمائة في حين أن اندماجه في المجتمع يصل إلى 65 بالمائة حسب التجربة الميدانية للمساعدة الاجتماعية، وذلك عبر تكوين يخضع له الطفل، مثلا في جمعية بيتي، لمدة سنتين عبر تكوين يخضعون له وتنظيم ورشات عديدة تساعدهم على الاندماج. وللمساعدة في قضية الاندماج ترى فوزية أنه ينبغي إعادة النظر في الاكتظاظ التي تعرفه المدرسة، فعندما تقوم الجمعية بتسجيل أحد الأطفال بالمدرسة، فإنها تصطدم بقسم يضم أربعين أو خمسين تلميذ يصعب فيها على المدرس أن يتقن عمله فيضيع الطفل المشرد حينها.»
خديجة عليموسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.