إنه إذا كان قانون رقم 17/99 لعام 2002 المنظم لقطاع التأمينات قد جاء بإطار تنظيمي واضح يؤسس لقواعد مهنية ومالية صلبة، تؤطر عمل شركات التأمين، من حيث تأسيسها وعملها ومراقبتها وعلاقتها بالمؤمنين، فإنه فيما يخص توزيع خدمات التأمين، يبقى الفراغ قائما فيما يخص تأطير عمل وكلاء ووسطاء التأمين. هؤلاء الذين لا يتوفرون على أي إطار تنظيمي لمزاولة عملهم، حيث يتلخص إطار عملهم القانوني فيما جاء به نص القانون 17/99 من شروط الولوج إلى المهنة، ومبادئ مزاولة عمل الوكيل والعقوبات المترتبة عن عدم احترامها. إلا أن القانون يبقى صامتا عن جانب مهم في عمل وكلاء التأمين، وهو الجانب المالي والاقتصادي. ذلك أن وكلاء التأمين يزاولون مهنة حرة، على أساس رخصة يحصلون عليها بعد استيفائهم كل الشروط اللازمة للقيام بعمل الوكيل العام للتأمينات. وعلى رأسها الدراية القانونية الواسعة بقانون التأمينات من جهة، والتوفر على تجربة كافية في قطاع التأمينات من جهة ثانية، هذين الشرطين الذين يتم التأكد منهما خلال مباراة الحصول على «رخصة الوكيل العام للتأمينات»، بإشراف من وزارة المالية. وعليه، فوكلاء التأمينات يعملون بشكل مستقل قانونيا وماديا عن الشركات التي يمثلونها، حيث يلزمهم القانون على العمل من داخل «شركة»، سواء طبيعية أو معنوية. وإذا كان هذا البعد المالي والاقتصادي حاضرا بقوة في عمل الوكيل، إذ لا يعتبر الوكيل أجيرا وإنما رب مقاولة، فإنه من اللافت للنظر أن يغيب عن قانون 17/99 كل اهتمام بهذا الجانب، خاصة فيما يتعلق بعلاقتهم بالشركات التي توكلهم. إذ تتعلق كل النصوص المنظمة للعلاقة بين الوكيل والشركة التي يمثلها بحماية الشركات أمام الوكلاء وسرد مختلف العقوبات التي تتهدهم أمام عدم احترام قواعد توزيع خدماتهم. في حين، يغيب كليا كل ما من شأنه حماية الوكلاء أمام الشركات التي يعملون لأجلها، على أن الطرف الذي تجب حمايته هم الوكلاء، وليس الشركات. ذلك أنه في الواقع، تتوفر الشركات على كل وسائل الضبط والمتابعة والعقوبة الكافية، والتي تجعلها تتمتع بقوة مطلقة وقاهرة أمام الوكلاء. حيث تفرض عليهم الشركات كل شروطها المالية والقانونية، بشكل لا يستطيع الوكلاء حتى مناقشته أو إبداء الرأي فيه. وفي هذا الاطار، لا بد من الحديث عن ما يسمى بعقد التعيين، “Traité de Nomination"، وهو العقد الذي يربط الوكيل بالشركة التي يوزع خدماتها ويفوضه بالعمل نيابة عنها. إن هذا العقد في الواقع ليس تعاقدا متوازنا، بل عقد إذعان بكامل معناه التعسفي، تكتبه الشركات بشكل أحادي لا يملك الوكيل أي حق للنظر فيه أو مناقشته، فبالأحرى مراجعته. بل الأدهى من ذلك، أن هذا العقد يتم فرضه على الوكيل في مستهل ولوجه إلى المهنة، وهو في حالة ضعف نفسية ومادية كاملة من جهة، وجهل كامل بما ينتظره من صعوبات المهنة من جهة أخرى، فيقع بالكامل في ما يمكن تسميته «الكمين القانوني لعقد التعيين».