لم يتجاوز بعد عمر السينما مئة وعشرين سنة، ورغم ذلك استطاعت أن تفرض نفسها في البرامج التعليمية بالدول المتقدمة منذ ما يزيد عن ثلاثين سنة، بإدماجها في مختلف المستويات التعليمية بشكل مستقل أو ضمن وحدات أو مجزوءات خاصة بالفنون والسمعي البصري، كما يعتمد عليها كدعامة لبناء التعلمات في مواد دراسية أخرى كالتاريخ والجغرافيا والفلسفة والأدب، فانطلاقا من التعليم التأهيلي، هناك شعب خاصة بالسينما والفنون يحصل المتخصصون فيها على دبلومات تفتح باب التخصص على مستوى التعليم الجامعي أو الالتحاق مباشرة بسوق الشغل. ونجد عكس ذلك في المغرب، فبالرغم من تبني الدولة منذ الاستقلال لفلسفة الإصلاح، إلا أن الواقع يكشف عن أمور تؤكد استمرار التدريس بأساليب عتيقة أصبحت متجاوزة في العالم المتقدم. - لا أمل في الأفق. طرح العديد من الفاعلين التربويين في السنوات الأخيرة بالمغرب سؤالا حول علاقة السينما بالمدرسة، في ندوات ولقاءات لها ارتباط بقطاع التربية والتكوين والسينما ضمن فعاليات مهرجانات سينمائية خاصة مهرجانات الفيلم التربوي أو المهرجانات السينمائية ذات الطابع الدولي كمهرجان تطوان الدولي للسينما المتوسطية والجامعة الصيفية لجواسم ، وكشف النقاش على أن هناك رغبة في إدماج السينما بالمدرسة المغربية، لما له من أهمية في تنمية الذوق الفني للناشئة وتمكين التلاميذ والتلميذات من ثقافة مرتبطة بالصورة عموما، تجعلهم قادرين على مقاومة الغزو المستمر للإيديولوجيات وللانتماءات الفكرية التي تحملها مئات الصور التي يصادفونها يوميا، و ينادي المهتمون بهذا الإشكال أيضا بضرورة الإسراع في اتخاذ الإجراءات اللازمة لمسايرة التطورات التي يعرفها العالم في مجال استخدام تقنيات التواصل الحديثة وإدماجها في المدرسة المغربية. مقابل هذه الدعوات التي تأتي على لسان الأكاديميين والباحثين، فإن السينما في المدرسة المغربية لا زالت مغيبة رغم كل البرامج الإصلاحية التي أقدمت عليها الوزارة في العقدين الأخيرين، على رأسها الميثاق الوطني للتربية والتكوين والبرنامج الاستعجالي لإصلاح التعليم، حتى النقاش الدائر حاليا حول الخطوات الإصلاحية المرتقبة ابتداء من السنة المقبلة 2016 في إطار ما يسمى باستراتجية 2015/2030 يؤكد أن السينما غير حاضرة في الخطط التي يقترحها المسؤولون عن الإصلاح في قطاع التربية والتكوين. يعتمد المغرب في صياغته للبرامج الإصلاحية في قطاع التعليم على التجارب الناجحة في العالم، خاصة النموذج الفرنسي، حيث كلما تبنى نموذجا تعليميا/ تربويا إلا وحاول نقله في بعض الأحيان بسيئاته وإيجابياته، وخير مثال على ذلك تجربة التدريس بالكفايات التي كلفت المغرب ميزانية ضخمة دون توفير الأرضية الملائمة لتطبيقها من بنيات تحتية وعدد بيداغوجية وموارد بشرية، لكن السؤال الذي يجب طرحه هو: لماذا لم تستحضر اللجن التي كلفت بالإصلاح ما يتم القيام به بالدول التي زارتها على مستوى تدريس الفنون والسمعي البصري ككندا وبريطانيا وفرنسا؟ يمكن الجزم في هذا الإشكال من خلال كولسة الدولة لإصلاح هذا القطاع وإخضاعه لحسابات ضيقة، هدفها خلق توازنات اجتماعية وثقافية تتجاوز حدودها الرقعة الجغرافية للمغرب، مع تغييب رأي الفاعلين التربويين الحقيقيين الذين يواجهون في الميدان الإشكالات الحقيقية للمدرسة المغربية. - نقطة ضوء وسط الظلام. نقطة التفاؤل في موضوع السينما بالمدرسة المغربية هي الأندية السينمائية المدرسية التي يسهر على تنشيطها أساتذة متطوعون في بعض المؤسسات، خارج أوقات عملهم، والتي تنظمها مذكرات وزارية خصصت بشكل عام للأندية التربوية صدرت في السنوات الأخيرة، في حين تناولت المذكرة الصادرة بتاريخ 1 فبراير 2000، على عهد حكومة عبد الرحمان اليوسفي، موضوع الأندية السينمائية، وهي مذكرة يتيمة لم يتم تتبع أشكال أجرأتها وظلت حبيسة الرفوف، بل إن الكثير من رجال ونساء التربية المهتمين بالسينما بالمغرب لا علم لهم بوجودها، ولم تكلف السلطات الوصية نفسها عناء توضيحها ونشرها وتقريب مضامينها من الأساتذة والأستاذات. انطلاقا من اشتغال الكثير من هذه الأندية يتم تنظيم أزيد من أربعة مهرجانات خاصة بالفيلم التربوي تشارك فيها الأندية بأفلامها وأطرها وتلامذتها في حالة توفر الإمكانيات نظرا لصعوبة تنقل الأطفال القاصرين، وتسهر على التنظيم بعض الجمعيات المهتمة بشراكة مع الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين مثل ما نجد في مدينتي خريبكة ووجدة، وقد تتحمل بعض هذه الأكاديميات مهمة التنظيم مثلما نجد في مدينتي فاس ومكناس بشراكة مع إطارات ومؤسسات أخرى. تلعب هذه المهرجانات دورا أساسيا في نشر الثقافة السينمائية وتقريبها من التلاميذ والمدرسين، وذلك من خلال الورشات التكوينية في تخصصات مرتبطة بالحقل السينمائي، كالمونتاج وكتابة السيناريو والإخراج وتنظيم مسابقات في كتابة السيناريو وفي الأفلام القصيرة الروائية والوثائقية. ونظرا لتراكم التجربة في بعض المناطق، أصبحنا أمام مهرجانات متخصصة مثلما نجد في مدينة خريبكة، التي تحتضن مهرجانا خاصا بالفيلم التربوي الوثائقي، وللمرة الثالثة نظم مهرجان خاص بالفيلم التربوي الحقوقي ببني ملال سنة 2015. يدعو بعض الفاعلين في ميدان السينما والتربية إلى ضرورة تشبيك الأندية السينمائية المدرسية، والتفكير في تنسيق خططها وتبادل خبراتها وتجاربها على المستوى الوطني، ولما لا تنظيم تظاهرات وطنية لها علاقة بالسينما والتربية على غرار التنسيق الموجود بين الأندية / الجمعيات السينمائية. مقابل التعاطي الإيجابي من طرف السلطات المسؤولة عن قطاع التربية والتكوين في المغرب مع موضوع السينما في الجانب المتعلق بالأنشطة الموازية في بعض الجهات، أي خارج الممارسة الصفية، نجد اهتماما محتشما به في المقررات والبرامج الدراسية، إذ نجد في التعليم الابتدائي مادة التربية التشكيلية التي يملأ بها العديد من الأساتذة الفراغ فقط، أما في الثانوي التأهيلي فحضور الفنون يقتصر على بعض الوحدات الدراسية (دروس) في مواد خاصة، كاللغة العربية والفرنسية والانجليزية والتاريخ، وغالبا ما توضع تلك الوحدات في آخر المقررات ولا يتم إنجازها بسبب طولها وعدم التحكم في الزمن المدرسي، بالإضافة إلى شعبة خاصة بالفنون التطبيقية لكنها توجد في مؤسسات معدودة ومؤخرا فتحت بعض المؤسسات سميت بمؤسسات الإنتاج الفني والأدبي. وفي السلك الثانوي الإعدادي نجد مادة الفنون التشكيلية، وإن كانت مادة غير معممة في المؤسسات التعليمية بالمغرب، أضف إلى ذلك أنها تدرس دون أن يتم توفير الإمكانيات اللوجيستكية الضرورية للأساتذة والتلاميذ لتكون المردودية جيدة . أما في التعليم العالي فهناك معاهد ومؤسسات خاصة بالفنون كالسينما و الفنون الجميلة، لكن استقطابها غير مفتوح، كما أنشئت شعب خاصة بالسينما في معاهد التكوين المهني بعدة مدن كفاس وورزازات. في الختام، لابد من الإشارة إلى أن الدولة المغربية في شخص وزارة التربية الوطنية ستكون مجبرة في السنوات القادمة على إدماج السينما في مقرراتها الدراسية، لإكساب المتعلمين مناعة ضد الصور التي تغزو مجالهم البصري في زمن العولمة.