على امتداد سنوات طويلة، نشر الباحث عبد الحي الرايس خواطره وهمساته على صفحات «الفضاء الأزرق». كانت هذه الكتابات صرخة نابعة من أعماقه، ونقدا بناء كان يهمس به في آذان المنتخبين والمسؤولين في مختلف المجالات، علهم يتجنبون الأخطاء ويعملون على إصلاح ما يمكن إصلاحه. لم يكن يسعى في نقده إلى الهدم، بل كان يطرح البدائل لتجنب الهفوات والأخطاء. وقد كان ولا يزال اهتمامه بالبيئة والمجال الأخضر اهتماما قويا يصل إلى درجة الهوس. ولقد ترك بصمات هامة في هذا الميدان عندما كان نائبا للرئيس في عهد المجلس الاتحادي الأسبق، حيث انصب اهتمامه على إعداد الحدائق وأشجار التصفيف التي لا تزال قائمة وباسقة، تضفي جمالية ورونقا على أرصفة شوارع فاس، وقد أضحت تلطف حرارة الصيف القائظة. كما اهتم باستنبات الأزهار والورود المختلفة، حيث أقام على مشارف وادي فاس حديقة النباتات التي طالها الإهمال مع الأسف. تحويل الهمسات الرقمية إلى كتاب ورسالة تعددت هذه الهمسات والخواطر، وكثر عشاق قراءتها. وخوفا من تلفها وضياعها، تجندت مجموعة من الدكاترة والباحثين فقاموا بجمعها وتصنيفها وتحويرها، ثم نشرت مؤخرا في كتاب ضخم وأنيق يضم بين دفتيه 360 صفحة مبوبة تبويبا دقيقا. واحتفاء بهذه الهمسات والخواطر الرقمية، أقيم مؤخرا حفل رائع بقصر المؤتمرات، تتبع أطواره جمهور غفير ونخبة من المثقفين والإعلاميين، للتعريف بهذا الإنجاز الرقمي الذي أصبح كتابا ومرجعا للمهتمين والقراء والباحثين. فعاليات حفل تدشين الكتاب افتتح الحفل بآيات من الذكر الحكيم، تلاها تقديم فيلم قصير يؤرخ لحياة المؤلف ويعكس اهتمامه وولعه بالمجال الأخضر من خلال زيارته لحديقة جنان السبيل التاريخية، التي ساهم في إعادة الحياة إليها بآرائه وتوجيهاته النيرة. رافقته في هذه الجولة بتعليقها العميق وصوتها الدافئ الإعلامية الدكتورة بشرى بهيجي. شهادات وتعريف بالهمسات والخواطر وفي كلمة لمنسق اللجنة، الإعلامي القدير عبد السلام الزروالي، المدير الجهوي السابق لوزارة الاتصال بفاس والعيون، أكد أن هذه الهمسات والخواطر هي صياغة ترميزية ذات دلالات، وهي «كالشعر… على فكرة عميقة». فقد لجأ بعض الأدباء والإعلاميين في الأعمدة الصحفية إلى تسميتها «بفكرة»، وما هي إلا خاطرة. أما «الهمسة الأدبية» فهي توأم الخاطرة في تكوينها البنائي الهندسي، بالرغم مما تتوخى به من مفاهيم الحوار الخافت بين الكاتب ونفسه وعاطفته وجنانه فيما يعتريه من حالات وجدانية. وخلص الزروالي في كلمته مؤكدا أن الخواطر والهمسات هي شلال متدفق من الأفكار لا تملك أن تتوقف حتى تبلغ منتهاها. وتعاقب على منصة الخطابة مجموعة من الدكاترة، من بينهم الدكتور ناجي الأسعد، والدكتور إبراهيم أقديم، والأستاذ عز الدين التازي، والكاتبة آمال برادة، حيث قدموا شهادات في حق مؤلف «خواطر وهمسات»، مشيدين بجليل أعماله العلمية والبيئية والتعليمية ودفاعه عن المرأة. كلمة المؤلف: نتاج تجربة وإحساس عميق واختتم الحفل بكلمة للأستاذ عبد الحي الرايس، مؤلف وناشر «همسات وخواطر»، حيث قال: «إنها نتاج تجربة في الحياة وانشغال بقضايا واشتغال عليها بالممارسة في الميدان، انفعال بها وتفاعل معها بالفكر والوجدان». وأضاف: «هي خواطر لأنها فيض خاطر لا تكلف فيها ولا انفعال، تومض في سياق معين، فتأتي الاستجابة لها تعبيرا ينساب في سلاسة ويسر ترفده التجربة وتصوغه السليقة. وهي هوامش لأن كثيرا منها يستهدف إيصال خطاب إلى مسؤول أو ممارس أو غافل أو مستنصح، تتنوع موضوعاتها وتتعدد قضاياها بتعدد المواقف والمناسبات، ولكنها تظل وفية للقناعات، ومنسجمة مع الذات».