المعروف في القواعد الديمقراطية أن الأحزاب التي تسيّر الحكومات تكون لها رؤية شاملة وواضحة في المجالات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث تحدد مسبقا ما تصبو إليه، لتحقيق الوعود التي قطعتها على نفسها إبان حملاتها الانتخابية، وبذلك تكون أمام امتحان حقيقي مع الجماهير التي وضعت فيها ثقتها. لكن في المغرب تختلف هذه القواعد، حيث أن حزب العدالة والتنمية، المسير للحكومة منذ سنة 2012، لا يتوانى في تصريف خطاب المظلومية عبر كل قنواته الإعلامية والدعوية، وكل الأذرع الموازية، لكي يغطي على الإخفاقات ونكث العهود مع المواطنين الذين أصبحوا يعون تمام الوعي أن هذا الكيان السياسي لم يكن يتوفر يوما على برنامج مجتمعي حقيقي. وإضافة إلى خطاب المظلومية، يلجأ "البيجيدي" إلى خلق أعداء وهميين لتبرير هذه الممارسات وتصريفها بطريقة يستميل من خلالها تعاطف المواطنين، استعدادا للاستحقاقات المقبلة التي يعرف مسبقا أن أسهمه فيها وصلت مؤشراتها إلى "الحضيض"، وأن عامة الشعب استفاقت من كابوس مؤلم دام سنوات عجاف، لم يحقق الحزب فيها أية إنجازات تذكر على جميع المستويات وفي كل القطاعات. ويظهر من خلال ردود فعل المواطنين البسطاء الذين لم يلمسوا أي تغيير في حياتهم اليومية منذ اعتلاء حزب "المصباح" سدة الحكم، أن دغدغة المشاعر بشعار "صوتنا فرصتنا لمحاربة الفساد والاستبداد"، لم تعد تطرب حتى قائلها، حيث أنها كانت مجرد خطاب شعبوي مؤسس على الخداع والمزايدات باستغلال الدين. وبما أن أعضاء وقيادات "البيجيدي"، لم يستطيعوا تحقيق العيش الكريم والرفاهية التي وعدوا بها الشعب فإنهم "تنعموا" واستفادوا من كل الامتيازات التي اختلفت بين تقاعد سمين، ورواتب ضخمة وسفريات، وسيارات فارهة، ومنازل فخمة لم يكونوا يجرؤون حتى على رؤيتها في منامهم، كما أكد على ذلك مرارا بنكيران كبيرهم الذي علمهم السياسة بالعزف على وتر الدين والتقية. ولم تقف أطماع قيادات الحزب عند هذا الحد، بل تجاوزته إلى جعل معاشات البرلمانيين من الواحبات التي يجب على دافعي الضرائب تأديتها "باش ما يخدموش بيليكي ويلقاو ما يوكلو ولادهم في آخر الشهر"، كما شدد على ذلك إدريس الأزمي النائب البرلماني وعمدة فاس، صاحب الامتيازات "والصالير" الذي يستفز مشاعر آلاف المغاربة الذين سرّحوا من أعمالهم بسبب الجائحة. وفي الأخير لا يسعنا إلا أن نقول بأن أي فرصة ثالثة لهذا الحزب في الاستحقاقات المقبلة، ستجلب مزيدا من التقشف والعسر لشريحة عريضة من المغاربة الذين ملوا من خطابات التسويف وشيطنة الآخر، وممارسة خطاب الطهرانية، وأصبحوا يتوقون إلى عمل سياسي حقيقي يرجع للمؤسسات المنتخبة هيبتها وبريقها.