ماء العينين مربيه ربه اسم إعلامي بارز، شغل مناصب عديدة في جبهة البوليسارو، قبل أن يقرر العودة إلى وطن لم يكن يعرف عنه أي شيء، ولكنه كان يحمل انتماءه في الدم الذي يجري في عروقه. وقرر قبل حوالي 21 سنة أن يحقق الحلم الذي راوده منذ أن تم اختطافه أياما قليلة قبل المسيرة الخضراء ليساق قسرا إلى مخيمات تندوف تحت الحراسة المشددة لعناصر الجيش والمخابرات العسكرية الجزائرية، رغم الأخطار المحيطة بقراره، وترك منصبه كمدير للإعلام، وعاد إلى الوطن بمساعدة صديق له فرنسي الجنسية عبر النقطة الحدودية «زوج بغال» بين وجدةوالجزائر. دول اعترفت بالجمهورية الوهمية وهي لا تعرف مكانها على الخريطة أغلب من يسمون أنفسهم قادة لا يتوفرون على أي تجربة، سياسية كانت أو عسكرية، ولا يتوفرون على أي مستوى تعليمي يؤهلهم للقيادة كان المرحوم الحسن الثاني يستعد لإعلان تنظيم المسيرة الخضراء نحو الأقاليم الجنوبية في 16 أكتوبر 1975، عندما انقلبت حياة ماء العينين مربيه ربه والمئات من أبناء جلدته وعمومته. فعشية إعلان تنظيم المسيرة الخضراء تعرض للاختطاف من نواحي العركوب بوادي الذهب، وسيق قسرا إلى مخيمات تندوف وألقي به في السجن تحت حراسة عناصر الجيش الجزائري. وبعد ذلك ستندلع المواجهات المسلحة بين القوات المسلحة الملكية المغربية وقوات البوليساريو مدعومة بالجيش الجزائري، بعد أن استطاعت الجزائر وضع موريتانيا خارج الحرب، بعد أن كانت الحرب مستعرة مع الجارة الجنوبية موريتانيا. فلم تكد تمضي سوى عشرة أيام على تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، أي في 20 ماي 1973 حتى شنت قوات البوليساريو أولى هجماتها على العاصمة نواكشوط، وتوالت بعد ذلك الغارات عليها وعلى سبيل المثال لا الحصر الهجوم على خط السكة الحديدية، ثم الهجوم على العاصمة نواكشوط، الذي كاد أن يكون الضربة القاضية للبوليساريو. وكان ذلك الدافع الأكبر لإخراج موريتانيا من دائرة الحرب. ويتذكر مربيه ربه أن الوضع في المخيمات كان بمثابة الجحيم، فالسكان الذين رحلوا من وطنهم واقتيدوا إلى الخلاء كانوا يعيشون تحت الضغط النفسي والعسكري، وتعرضوا لتعبئة شاملة تصور لهم المغرب على أنه العدو اللدود لكل الصحراويين. وكان ذلك طبيعيا، فبعد أن كان الناس يعيشون في بلدهم ملتئمين في قبائلهم ووسط ذويهم وأهاليهم، وجدوا أنفسهم فجأة وبين عشية وضحاها في مكان قاحل لا يصلح للعيش بالقرب من تندوف جنوب غرب الجزائر، محاصرين بالقوات الجزائرية من جهة، وقوات البوليساريو من جهة أخرى، ولا سبيل لديهم للعودة إلى ديارهم، ولا حيلة لهم ولا سند. وأمام هذا الوضع خلا الجو لقادة البوليساريو، أساسا المتنفذين منهم، ليمارسوا ما يحلوا لهم في الأرض والعباد. خصوصا وأن أغلب من يسمون أنفسهم قادة لا يتوفرون على أي تجربة، سياسية كانت أو عسكرية، ولا يتوفرون على أي مستوى تعليمي يؤهلهم للقيادة. وكان ذلك بداية مسلسل طويل من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في حق السكان الصحراويين بالمخيمات. فمن أجل بسط سيطرتهم على الناس العزل فاقدي أي حماية أو سند، اتبع قادة البوليساريو أشكالا من الإهانات والتعذيب والقتل والقمع، إلى درجة أنه لم يسلم من الحملات القمعية الشرسة والاضطهاد والاعتقالات التعسفية والتعذيب والقتل إلا النزر اليسير من السكان وحتى من القادة أنفسهم. وأعتقد أن عدد الذين لم تطلهم تلك الممارسات والأعمال الوحشية الشرسة للغاية لا يتعدى 20 شخصا أو أكثر أو أقل بقليل. وعلى الرغم من أن الحياة في المخيمات لم تكن تطاق، ومع ذلك عمد قياديو البوليساريو إلى الشروع في تنظيم السكان المرحلين من ديارهم، أولا لتسهيل عملية توزيع المساعدات الإنسانية والغذائية، ثم ثانيا لإظهار ما يمكن أن نسميه هيكلة الكيان استعدادا لإعلان الدولة والجمهورية الوهمية، التي تقتضي مقومات الدولة. حيث بدأوا في التفكير في إنشاء المؤسسات وتكوين الإدارات والوزارات وتأسيس المدارس والمستشفيات وتجاوزا المزارع، وهو المؤشر على بداية هيكلة أسس الدولة. غير أن هذه الدولة تفتقر بالأساس إلى عنصر مهم جدا في تسييرها، وهو العنصر البشري. فقد كان الكيان الوهمي لا يتوفر على أطر كفأة لتسيير دولة، وكل أولئك الذين كانوا يعتبرون أنفسهم أطرا كانوا يلتحقون بالعلاقات الخارجية، وهم الذين أصبحوا فيما بعد ممثلي البوليساريو في العديد من الدول، وعلى الأخص الأفريقية منها. ويقول مربيه ربه إن ذلك كان السبب الرئيسي لإسراع الكثير من الدول الأفريقية بالاعتراف بالجمهورية الوهمية، والفضل يعود دائما للجزائر والدبلوماسية الجزائرية في حمل الكثير من هذه الدول إلى الاعتراف بجمهورية البوليساريو، بحكم علاقاتها الوطيدة معها، ولكن أيضا بحكم حسن استغلال الدبلوماسية الجزائرية للأوضاع الاقتصادية في القارة الأفريقية. فأغلب الدول المعترفة بالبوليساريو إما حديثة العهد بالاستقلال، أو أن أغلبها يرزح تحت وطأة التخلف، وكانت الجزائر تغدق عليها بالأموال الطائلة لإعلان اعترافها. والملاحظة الملفتة للنظر في هذا الصدد أن أولى الدول التي أعلنت اعترافها بالجمهورية الوهمية كانت بالقارة الأفريقية، ثم بعد ذلك تلتها دول من أمريكا اللاتينية، وهي كلها دول من العالم الثالث، وأغلبها نال حديثا استقلاله. والملاحظة الجديرة بالتأمل أن العديد من الدول التي أعلنت اعترافها لم تكن تعرف أين يوجد هذا الكيان الجديد على الخريطة، البعض يعتقد أنها جزء من الجزائر، والبعض الآخر أنها في الصحراء المغربية. ومن سخرية الصدف أن العديد من رؤساء تلك الدول أرسلوا برقيات ورسائل تهنئة ومساندة لما يسمى برئيس الجمهورية على عنوان العيون الساقية الحمراء ووصلت تلك الرسائل إلى المغرب. ولا زلت أحتفظ برسالة أو رسالتين من هذا النوع، واحدة من الرئيس السوري والثانية من بلد أفريقي لم أعد أتذكر اسمه.