نلخص ها هنا الأخبار التي استقرت عليها أقوال المؤرخين القدامى والمحدثين،ولنا فيها رأي، نابع من التاريخ بالخبر والتاريخ بالعهد والتاريخ بالتمثال والتاريخ بالأثر الطبيعي والتاريخ بالعدد والتاريخ بالموروث والتاريخ بالحلم والتاريخ بالمفهوم،ومستنبط حتما من نشوء وأفول الدول ومن علاقات البدو بالحضر طبقا للمنطق الخلدوني، وايضا من ضرورات البقاء،على أساس ان تصورنا للقضية الهلالية كان وسيبقى تاريخا سلبيا أعاق تطور المغرب الذي تقهقر من المدنية إلى البداوة بعد الغزو الأعرابي للبلاد الأمازيغية. الأصل في تحرك قبائل بنو هلال وبنو سليم تاريخيا كما في علم أهل الاختصاص الذين احتفظوا بالرواية التقليدية، أن المعز بن باديس أقدم سنة 1049م على إلغاء مراسيم الشيعة وبايع العباسيين وسب أئمة الفاطميين من فوق المنابر ،فقام الخليفة الفاطمي المستنصر بإشارة من وزيره اليازوري بإقطاع افريقيا لقبائل بني هلال وبني سليم انتقاما مما أسماه "العبد العاق" في إشارة إلى المعز المشار إليه.ما أصل هذا الفعل في التاريخ؟ يدرك المختصون في التاريخ أن تأسيس الدول وقتذاك خاصة في العالم الاسلامي يرتبط بالخلافات الايديولوجية خصوصا بين أهل السنة والجماعة والشيعة والخوارج(من المفيد مراجعة أقوال الفرق الكلامية)،وأن الدولة الفاطمية تأسست انطلاقا من المغرب ،لكن الهدف سطر في الشرق وكذلك كان الأمر حين تأسست "قاهرة المعز" في مصر،ولما غادر الفاطميون المغرب أدركوا أنه لا يمكن لهم الاستمرار ما لم يتحكموا في التجارة القفلية الصحراوية،ولذلك اصطنعوا الحلفاء في المغرب للحفاظ على المصالح الاستراتيجية ،ولما نقض الحلفاء الميثاق لمصالح مستجدة تكلم عنها التاريخ التحليلي، قرر الفاطميون المواجهة التي أوكلت للتاريخ والمدى البعيد كما اقررنا أعلاه. لتوضيح الصورة أكثر-وهذه المرة لغير المختصين- نشير إلى أن بنو هلال وبنو سليم قبائل قطنت شمال الجزيرة العربية وساهموا في ثورة القرامطة ضد العباسيين، لكنهم ما لبثوا أن تحولوا إلى قطاع الطرق وأصبحوا مختصين في نهب القوافل والتعرض للحجيج،من مكر التاريخ أن البلاد الأمازيغية - في شرقها أولا- ستستقبل هؤلاء وسترتد بلادهم الى الفوضى وينعدم أمن السبل والاستقرار،ولذلك أقررنا منذ الأول بأن الأمر يتعلق بالمأساة،ليس لأن المغرب سيستقبل وافدين جدد ،ولكن لطبيعة الوافدين الذين سيواصلون الترحال غربا وبشكل غريزي يتبعه النهب والانحطاط،ومن نافل القول أن التاريخ يشهد على تحركات شعوب من منطقة إلى أخرى،سنة التاريخ في الكون،غير أن النتائج هي التي تختلف،فالتاريخ سجل تحرك واندفاع شعب الهانسقبل سقوط روما، كما حفظ تحرك الجرمان صوب مجال الامبراطورية العثمانية،وحديثا نسجل انتقال الاوربيين صوب العالم الجديد-قارن تاريخيا من خلال الكتابات الاوربية والاسلامية. الذي يهمنا هنا هو النتائج والانعكاسات،ومن الأفضل أن نحجم عن إصدار أي حكم،وسنركز على التحليل النابع من اجتماعيات الانسان،وخاصة التاريخ بتفرعاته المشار إليها مهدا: - بنو هلال بدو،وفي تلك الأثناء تمدن المغرب التاريخي بشكل مهم،نقر إذن بضرورة الارتداد بحكم الغزو،والبدو يحتاجون إلى المراعي، النتيجة أننا سنكون أمام اقتصاد رعوي يقضي على الغرس والزراعة،في التاريخ وعلم الاجتماع نتكلم عن المجتمعات المترحلة والمجتمعات المستقرة،هي إذن مأساة في طريقها إلى المغرب الأمازيغي،وهل يمكن أن ينفلت منها؟ - بحلول بني هلال الطارئ والغريزي بالبلاد الأمازيغية ستفرغ القرى والمداشر ،ويثناتر السكان،وتتباعد الأحياء وتحل الخيام محل الدور،فهل يكفي الدين لتبرير الغزو؟ - ارتباطا مع ما سلف ستقل الثروة العامة ،كوننا أمام مجتمع زاحف ناهب،وستكسد التجارة ،وتسوء أحوال السكان،خاصة في المدن التي ستفقد ذخائرها نتيجة الفتن والحروب. - الحاصل العام هو أن الحضارة ستمحي من بلاد المغرب،وهذا باق ما بقي الأصل. المؤرخ لا يكتفي بالوصف،بل يتعدى ذلك إلى التحليل وليس إلى الاتهام،تبعا لذلك لا نكتفي بالقول،هذا ما يفعله البدو الرحل،بل سنقول هذا ما يفعله الأعراب حيثما كانوا. المصطفى أيت يدير أستاذ التاريخ والجغرافيا [email protected]