هي فاطمة الشنا زوجة الجينيرال اوفقير التي عاشت وابنائها احدى اكبر الزوابع الحياتية حين حاول زوجها الانقلاب على الحسن الثاني وحين نفاها بعد ذلك الملك الراحل قسريا لما يناهز الثمانية عشر سنة، في هذا الملف الذي ننشره مسلسلا جانب آخر من حياة هذه المرآة يرتبط بالحياة الخاصة لاكثر الرجال دموية في سنوات الرصاص ترويه الشنا نفسها في كتابها المثير »حدائق الملك » وهو جدير بفيلم سينمائي عد طلاقنا، تسنى لأوفقير أن يتزوج امرأة تصغرني بثماني سنوات، واسمها فاطمة أيضا، ورغم ذلك لم يرد أن يتركني وشأني، وألح على أن نستأنف حياتنا المشتركة. إنه لم يرتض الطلاق إذن إلا استجابة لما اعتقده نزوة مني، وما حله القاضي يمكنه أن يعيد عقده.
غير أنني أردت الزواج بحسن، لكن أوفقير لم يسمح بذلك، وهو يعلم أنه سيفقدني نهائيا إن تزوجت ثانية. وفي آخر مسعى للحيلولة دون زواجي هددني بعدم السماح لي برؤية أولادي… فكيف أستطيع أن أتخلى عن عائلتي الخاصة؟
عرفت مع حسن لحظات رهيبة وازدادت الصعوبات أمام استمرار علاقتنا. كلانا تحت المراقبة باستمرار، وزوجي السابق يقضي ليالٍ كاملة تحت نافذتي، وأنا في تجاذب بين رجلين هما كل حياتي. الهوى يثير لواعج روحي، وأوفقير يبقى ماثلا في خاطري، فهو المعلم الذي لا غنى عنه لوجودي.
في الوقت الذي كانت قضية بن بركة تتفاعل عبر أمواج عارمة، كنت تحت تأثير حسن. وحتى ذلك الحين لم يحاول أحد أن يكيف سلوكي، أو أن يسيرني أو يملي علي إرادته، فأنا لا أقبل ذلك. غير أنني غدوت أداة بسيطة بين يدي رجل يقرر ما يجب علي تناوله من مأكل، وما يجب ارتداؤه من ملبس، إن أظهرت تقويرة ثوبي بعض عري نحري، عمد إلى خصامي وأمرني بالذهاب وتغيير الثوب. لم أكن أبدا قد اعتدت على معاملة بهذه الطريقة.
لم يلجأ زوجي أبدا إلى مثل هذا التصرف المتسلط والجائر. كان يترك لي حرية ارتداء الملابس التي تعجبني، وهو سعيد لرؤيتي جميلة، والإحساس بي متهللة منشرحة، تعودت دائما أن أفعل ما يحلو لي، لكن هذا كان مستحيلا مع حسن.
شعرت بشكل مبهم بأنني لن أستطيع التفاهم، على الدوام، معه. تراكمت تفاصيل تصرفات عديدة أدت إلى إزعاجي. هو مثلا مغرم بقدمي لأنهما صغيرتان. كيف القبول بإمكان تفكيك امرأة إلى قطع متناثرة؟ هذا جيد فيها، وذلك أقل جودة. هذه صفة جميلة لديها وتلك أخرى دميمة، تتحدث عاليا، تتحدث بهدوء… المرأة كل متكامل، روح وكيان وسلوك. لا يمكن الهيام بأعين لوزية أو أنف خانس، بساقين طويلتين أو قدمين صغيرتين.
ثم هناك أوفقير الذي يضايقنا بمطاردته. في النهاية عندما علم زوجي السابق أن منافسه استقال من الجيش ليتزوجني صمم على القتال لاستعادتي وإعادتي إلى البيت العائلي.
كنت حائرة مترددة في اتخاذ القرار، يتنازعني غرام عشيق مشبوب العاطفة، وصلابة رجل لا أريد رؤيته يخرج من حياتي. لم أجد منفذا للوضع، فأنا مع هذا أو ذاك غير كاملة وممزقة. أردت في غمرة قنوطي أن أنتهي. ارتديت قميص نوم جميلا أبيض من الحرير، وابتلعت كمية هائلة من الحبوب المهدئة.
عثرت علي في اليوم التالي صديقتي سيلفيا الدوكالي زوجة سكرتير الملك الخاص. طرقت بابي فلم يجبها أحد، كررت الطرقات دون مجيب. دخلت فوجدتني ممددة بلا حراك، وظنت في البدء أنني نائمة…
نقلت بسرعة إلى المستشفى، حيث بقيت ثمانية أيام في غيبوبة، حتى اللحظة التي استيقظت فيها كأحد الضواري، وقلبت كل شيء، سريري، ومنضدة الليل، وزجاجات المصل، أتساءل أية قوة كانت تدفعني للتخريب، ثم سقطت وجرحت. عندما خرجت من هذا الكابوس وجدت نفسي في غاية الهزال، والسخف، والحمق، والتناقض! ثم كانت العودة إلى الحياة. عندما نشرف على الموت، ويقال لنا إننا كنا دون وعي خلال أسبوع، فنحن ننظر إلى الوجود بطريقة أخرى. بدأت أجد نفسي أكثر صفاء ووعيا، ودارت في رأسي الأسئلة التالية: تركت كل شيء لمن؟ ولماذا؟
بيد أنني عدت لرؤية حسن. وذات مرة أحسست في طويتي أنها الخاتمة واللقاء الأخير. استأجرنا غرفة حقيرة في سوق المزاد في قلب الدارالبيضاء حيث لا يمكن لأحد العثور علينا. بقينا ثلاثة أيام منعزلين عن الدنيا، نعيش على الخبز والحليب فقط، وقد انصرف كل منا إلى الآخر في هوى جنوني أرعن. بعد ذلك قررنا أن نلجأ إلى ضيافة زوجة طبيب مشهور، امرأة جميلة جدا، شغوفة بالرياضة، لكنها طائشة رعناء، بلا أخلاق أو ضمير، اتصلت بها هاتفيا، قائلة:
- سأحضر مع حسن.
أجابت: بكل سرور، سأعطيك غرفة الضيوف.
استقبلتنا بقميص نوم شفاف، مقور الصدر بشكل فاضح، وانحنت بإغراء تحت أنف حسن وهي تقدم له الشاي… شخصت عيناه على هذه المفاتن المعروضة، وهي لا تحجم عن شيء، دون أي وازع أخلاقي، وأنا أشاهد هذا المنظر الحافل بالإغواء مثل حمقاء. غير أن طبعي النزق المتهور دفع الدم حارا في عروقي، فنهضت فجأة أريد الانصراف، لكن حسن استوقفني مقسما على حبه السرمدي، وقضينا تلك الليلة معا. في الصباح الباكر حملت حقيبتي وتسللت من المنزل هاربة.
لم أحتمل نظرات ذلك الشاب الشهوانية لتلك المرأة، نظرات شهوة لم يستطع أن يتحكم بها. لم أغفر لأي منهما، فكرامتي فوق حبي، غدوت صارمة متشددة بحق: من أجل حسن تخليت عن حياة حافلة، وهو يتجرأ على أن يتصرف حيالي بمثل هذه الوقاحة! هذا ما لا أطيقه.
عدت إلى منزلي الصغير في بلانش- نيج، وعندما اتصل بي في اليوم التالي أجبته بفظاظة: لا تعد أبدا للاتصال بي.
أراد أن ينطلق في تعليل لتبرير موقفه وقال:
إنني أهاتفك من منزلها، فأنا لم أستطع…
قاطعته بحدة: أعرف أنك عندها، ويمكن أن تبقى حتى ترتوي، وداعا وشكرا.
هكذا انتهت علاقتنا الغرامية، لم أر بعد ذلك «حسن»، لكنه أثر على حياتي وقلب جميع مبادئي، ومبرر وجودي، وطريقة رؤيتي للأشياء، بقيت عدة أشهر ممزقة بين هواي الطائش الأرعن وزوجي الذي أحبه باحترام.