شبكل مرارة أعيد نشر هذا المقال بعد الحادثة المفجعة التي طبعت دورة عيد الكتاب بتطوان خلال هذه الأيام والمتمثلة في الوفاة المأساوية لفقيد الشعر والتربية الأستاذ المهدي أخريف، بعد أن تعرض لصعقة كهربائية أثناء التظاهرة الثقافية نفسها. طالما شكل رصد الوقائع الجزئية للحياة اليومية وتفاصيلها الدقيقة هما من هموم الفنان الذي يعطي لالتزامه معنى ما وجوديا. وهذا الرسم واحد من رسومات عديدة استلهمها الجعماطي من حادث وفاة المستشار الجماعي عن العدالة والتنمية بمدينة تطوان السيد محمد مفتاح، على إثر تعرضه لصعقة بسبب وجود أسلاك كهربائية واقعة على الأرض في ليلة ماطرة جدا. وقد حضر مراسيم الجنازة المهيبة للمرحوم : السيد رئيس الحكومة المغربية عبد الإله بنكيران. وهو الحادث الذي نسجت حوله عدة أكاذيب، من جملتها الزعم بأن الفقيد توفي أثناء “القيام بالواجب الوطني”، بتفقده للمناطق المنكوبة بفعل التساقطات القوية، بينما لا يعدو الأمر عن سعيه إلى تقديم مساعدة لأحد من معارفه، على نحو ما ورد ذلك في تصريحات ذويه، وبالخصوص ابنته وزوجته. بحيث أنه رسم جاء بعد رسم سابق يظهر سيارة غارقة في السيول في شارع عام، تحت”مصابيح” تحيل في دلالتها السياسية إلى الحزب “الحاكم”بالمغرب، ما دام أن المصباح هو الرمز الانتخابي لهذا الحزب، في إشارة قوية إلى كونه المسؤول عن حالة الأعمدة بوصفه هو الذي يتولى أيضا تدبير الشأن العام المحلي بتطوان، إذ أن المجلس الجماعي هو المعني بأعمال الصيانة،كما هو معني أيضا بسلامة المواطنين. ومن المفارقات الساخرة التي يضعنا الجعماطي أمامها في رسم آخر،وجود أسلاك مخيفة تتدلى من عمودين كهربائيين بالقرب من مدرسة تسمى: “السلامة”، معريا بذلك عن الخطر الذي يتهدد سلامة حياة أطفال المدارس. وقوة الكاريكاتير الذي نتحدث عنه تكمن في أنه لا يحتوي على أي شيء مما يمكن أن يكون باعثا على الضحك،إذ ينطوي على بعد مأساوي واضح. تظهر الأسلاك الكهربائية في رسم الجعماطي برأس أفعى في دلالة على كونها قاتلة. والحق أن خطر هذه الأسلاك يتجاوز حدود مدينة تطوان حسب كاتب هذه السطور. بل إن هذا الخطر قائم في العالم القروي بشكل أكبر مما هو عليه في الوسط الحضري للمدينة : ففي المناطق الجبلية لشمال المغرب، تنتشر الأعمدة الواقعة على الأرض بالآلاف، وأفقع مثال على ذلك : الوضعية التي توجد عليها هذه الأعمدة بمداشر جماعة تزكان بإقليم شفشاون، وذلك على الأخص بربع بني غفار، بحيث أنني وقفت بنفسي على مشهدها المرعب في صيف العام المنصرم. وباعتماد الاستقراء، يمكن الجزم أن هذه المشكلة مستفحلة في كل جبال غمارة والريف. والمشكلة التي يطرحها الجعماطي هي أن المواطنين متروكون لحالهم في مواجهة كوارث الطبيعة من جهة، وفي تحمل عواقب الأخطاء البشرية من جهة أخرى، بدون أي تدخل للدولة التي تسيرها حكومة تعفو عن الفساد بمبرر “عفا الله عما سلف”، حيث يتقمص السياسي الذي يستغل الدين الذات الإلهية لتبرير سياسة غض الطرف إيديولوجيا. ويشكل نقد الاستغلال السياسي للدين تيمة هامة ضمن أعمال الجعماطي الفنية، مما يدل على قوة الحس النقدي عنده، وذلك بالتخصيص فيما يتعلق بكل ما هو سوسيوسياسي.