div id="js_3" class="_5pbx userContent" data-ft="{"tn":"K"}" بقلم الأستاذ : محمد شاهدي ودع العالم خلال الأيام القليلة الماضية الزعيم الكوبي، وزعيم أمريكا اللاتينية ، وزعيم حركات التحرر المناهضة للهيمنة الأمريكية وللإمبريالية ، الرئيس الراحل فيديل كاسترو . الرجل إذن شخصية عالمية عامة ، ورجل دولة . وهو ، وإن لم يكن ممارسا لمهام رئاسة الدولة حين وافته المنية ، فقد كان شقيقا لرئيس الدولة الكوبية . معنى هذا أنه من أصول المجاملات في العلاقات بين الدول ، أن البلدان التي تقدر هذا البُعد المؤثر في السلم العالمي ، والتعايش بين الأمم والشعوب ، أقصد بُعد المجاملات ، كانت مدعوة ، بشكل أو بآخر أن تشارك الشعب الكوبي في هذا المصاب الذي حل به . وذلك وفقا للطقوس والمراسيم البروتوكولية المعمول بها بين الدول في مثل هذه الحالات . على أن هذه المشاركة ، لا تعني إطلاقا أن أحدا قد تخلى عن قناعاته الفكرية أوالدينية ، أو أنه تبنى قناعات الكوبيين وإديولوجياتهم . المسألة هي فقط موضوع مجاملات سياسية ، لا أقل ولا أكثر . لكن خلافا لهذا الفهم ، لم نسمع أن المغرب قد أبدى أي قدر من الاهتمام بهذا الحدث الدولي . وهو سلوك سلبي يجعل المغرب متخلفا ، بهذا الخصوص ، عن مواكبة القيم الحضارية العامة المعمول بها بين دول وشعوب العالم . ولئن كان البعض يعتقد أن سبب هذا الموقف الرسمي المغربي هو أن فيديل كاسترو قد اشتهر بدعمه للكيان الانفصالي الصحراوي " البوليزاريو " ، فإن هذا الأمر كان لِحقبة من الزمن وَلت وأدبرت ، ولم تَعُد معطياته قائمة . وقد نشأت بعد ذلك ظروف ومعطيات وحيثيات أخرى دولية ووطنية جديدة عندنا وعند الكوبيين . وكل ذلك يفرض على المغرب أن يتكيف مع الوضع الجديد المستجَد . ولعله من هذا المنطلق ، لم يجد المغرب أي حرج في أن يُطَبع ويطور علاقاته مع دول عرفت بمواقفها السلبية من قضية وحدتنا الترابية ، وفي أن يزورها أحيانا . ومن هذا المنظور أيضا ، راجَع المغرب علاقاته مع ليبيا على عهد معمر القدافي ، وأعاد هيكلتها ، ووثقها ، وأبرم مع القذافي اتفاقية الوحدة االمسماة " الإتحاد العربي الإفريقي " التي عُلقت عليه آنذاك آمال وطموحات كثيرة . صحيح أن ليبيا تجمعنا بها وشائج الإسلام والعروبة والانتماء للقارة الإفرقية . وهي معطيات لا تتوفر للزعيم الكوبي الراحل .لكن مع ذلك ، يبقى أن مكانة فيديل كاسترو لا تقل أبدا عن مكانة زعماء وشخصيات عالمية أخرى ، من غير المسلمين ومن غير العرب ومن غير الأفارقة ، تعامل معها المغرب ... أما إذا كان موقف المغرب مؤسسا على خلفية دينية أو شبه دينية ، فإن أصحاب هذا الموقف يعلمون بالتأكيد أنه قد ورد في القرآن الكريم قوله تعالى " لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهودَ والذين أشركوا .." أي اليهود ثم الذين أشركوا . ولعل المقصود هنا ، ليس اليهود الكتابيين أتباع الكتاب السماوي الموسوي الصحيح ، بل اليهود المنتحِلين أتباع النصوص المزورة ، وهم الصهاينة وأسلافهم . وإن من هؤلاء الصهاينة الإرهابيين ، شيمون بيريز ، قَتال أشقائنا الفلسطينيين واللبنانيين وغيرهم من العرب والمسلمين . وقد رأينا كيف أن الذين تجاهلوا وفاة الزعيم فيديل كاسترو ، صديق الفلسطينيين ، وداعم القضية الفلسطينية ، لم يستنكفوا من إيفاد من يحضر جنازة المجرم الصهيوني ... وهذا موقف مخجل لنا أمام شعوب أمريكا اللاتينية التي نزعم أنا نسعى للتقرب إليها دعما لقضايانا الوطنية . وإن دل هذا على شيء ، فإنما يدل على امرين أحدهما أسوء من الآخر: إما أن هذا القرار الديبلوماسي المغربي مفتقر ومفتقد للحد الأدنى من الدراية السياسية الموضوعية ، وأنه مقتصر على اعتبارات شخصية رجعية ضيقة . وإما أن هذا القرار غير مستقل ، وتابع لجهات حاقدة على تجربة كوبا ورصيدها الضخم في مجال مقاومة الاستعمار القديم والجديد .وهي جهات ، مهما كانت مكانتها وثقلها في الساحة الدولية ، تظل قاصرة عن استيعاب قيم التعايش والتضامن بين الشعوب . وهكذا ، وكما أن فيديل كاسترو كان متحمسا في معارضته للأنظمة وللسياسات الفاسدة عبر العالم ، فإن وفاته هي كذلك ، تظهر لنا كم هي هزيلة وضيقة وارتجالية وسطحية ، نظرة القائمين على شؤون ديبلوماسيتنا وسياساتنا الخارجية .