عبد النباوي يستقبل وزير العدل ‏العراقي    لوموند..آلة إعلامية للخداع والتضليل واعتماد أسلوب صحافة الحضيض    تداولات بورصة البيضاء تنتهي حمراء        الجزائر.. إعفاء الوزير الأول وتعيين وزير الصناعة بالنيابة            مواجهات قوية في دوري أبطال أوروبا        توقيف ثلاثيني متورط في سرقة وكالات تحويل الأموال بزايو وبركان ووجدة    تشهير وتشويه سمعة.. موظف أمن يلاحق جبروت قضائيا    الأرصاد تحذر من اضطرابات جوية وأمواج عاتية بعدد من المناطق    ابن كيران يدعو إلى فتح الحدود لإنقاذ غزة ويقول: على الدول المطبعة مع "إسرائيل" التهديد بقطع العلاقات    عرض الماشية خلال عيد الأضحى السابق لم يتعدى 3.5 مليون رأس وحاجيات العيد تجاوزت 6.5 مليون رأس    متابعة "يوتيوبر" بالحسيمة في حالة سراح بعد اتهامه بهتك عرض قاصر    ثلاث تنظيمات طلابية كبرى ترفض طمس مشروع قانون التعليم العالي لتمثيليات الطلبة    تعيين نبيل احمينة رئيسا جديدا لجامعة ابن زهر بأكادير بعد فضيحة "قليش" التي أطاحت بالرئيس السابق            مجموعة أونكوراد تجري أول عملية جراحية روبوتية لزراعة صمام بولي صناعي في إفريقيا        جيلان: من الأصالة إلى العالمية    مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون لتحديد توجهات السياسة العمومية المتعلقة بالتعليم العالي والبحث العلمي    تازروالت.. ذاكرة روحية وحضارية تحاصرها قيود التهميش!    الجيش الاسباني يرسل دورية لمراقبة الجزر المحتلة شمال المغرب    أوناحي يوقّع لجيرونا بعد مفاوضات طويلة    أجواء فنية مميزة في افتتاح النسخة الثالثة من مهرجان السويسي بالرباط    باحثون روس يطورون شبكة عصبية تساعد على تشخيص مرض "باركنسون" بدقة 97%    "البام" يدين استهداف الثوابت الوطنية    ترامب يقلّص إقامة الطلاب والصحافيين    الركراكي: باب المنتخب مفتوح للجميع .. والهدف الأكبر لقب كأس إفريقيا    دراسة: نمط الحياة الصحي في سن الشيخوخة يقي من الخرف            بورصة الدار البيضاء تفتتح تداولات الخميس على وقع الارتفاع    اتهامات ثقيلة تلاحق صامويل إيتو وتضع مستقبله على رأس الاتحاد الكاميروني في مهب الريح    كرة القدم ..ميسي يقود إنتر ميامي إلى نهائي كأس الرابطتين الأمريكية والمكسيكية    تحديث قواعد "الفار" بعد ركلة حرة مثيرة    واتساب تطلق مساعدا للكتابة بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي        غروب فرنسا    الشاف المغربي أيوب عياش يتوج بلقب أفضل صانع بيتزا في العالم بنابولي    أحمد المصباحي يتألق على مسرح The Voice Suisse    في القيصر – لا مكان لا زمان سلوم حداد يعيد إلى الأذهان وجه أمني يعرفه السوريون جيداً    لذاك المسمار في الصدأ الصدارة / 5من5        المغاربة يغيرون وجهتهم نحو السيارات الصينية.. الجودة والسعر كلمة السر    إلياس الحسني العلوي.. شاعر شاب يقتحم المشهد الأدبي ب "فقيد اللذة"    "من صبرا وشاتيلا إلى غزة" .. عندما كتب الفيلسوف الفرنسي دولوز دفاعا عن الشعب الفلسطيني قبل أربعين عاما    كيف تحوّل "نقش أبرهة" إلى أداة للطعن في قصة "عام الفيل"؟    الزاوية الكركرية تنظم الأسبوع الدولي السابع للتصوف بمناسبة المولد النبوي الشريف    اضطراب النوم يضاعف خطر الانتكاسات لدى مرضى قصور القلب (دراسة)    الصين تحقق سابقة عالمية.. زرع رئة خنزير معدل وراثيا في جسد بشري    ينقل فيروسات حمى الضنك وشيكونغونيا وزيكا.. انتشار بعوض النمر في بلجيكا    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثقة في النظام الاجتماعي هي أساس نجاح أي نموذج تنموي
نشر في الجديدة 24 يوم 30 - 12 - 2019

يهدف أي نموذج تنموي إلى تحقيق تقدم اقتصادي و تغيير اجتماعي موازي يدعم هذا التقدم و يؤسس له اجتماعيا و ثقافيا. يشكل البحث عن نموذج تنموي مناسب هاجسا لجميع الدول و المجتمعات و ليس عيبا أن يستمر هذا البحث و يغير من إشكالاته و قضاياه. اهتم علماء الاجتماع بهذا الموضوع و ألفوا مئات الكتب حول موضوع التغيير الاجتماعي و شروط تحققه.
لتلخيص هذه النظريات، نستعرض بإيجاز النماذج المشهورة لتصور حدوث التغيير الاجتماعي. هناك تيار يؤمن بالتاريخ كقوة فاعلة في التغيير حيث يعتقد من يتبنى هذه الأطروحة بأنه لا يوجد تفكير حول التغيير الاجتماعي في استقلال تام عن النشاط الفكري الذي نسميه التاريخ. في الغالب يعتبر التطور نظرية للتغيير الاجتماعي و يتم تبني نظام خطي لتفسير التغيير، غير أن هناك من يرى أن التطور يتم بسرعات متفاوتة للعناصر التي يشملها التغيير. نلخص النماذج النظرية الخاصة بالتغيير في أربعة:
1- يشير النموذج الأول إلى توجهات Trends إلى حد ما عامة و غير قابلة للتراجع [قوانين التاريخ]، بحيث أن التغيير حتمي إلى حد ما. كما أن هناك مراحل متتابعة يجب تحققها لحدوث التغيير.
2- القوانين الشرطية و البنيوية: تعني هذه القوانين أنه يجب تحقق شروط معينة لتحقق تقدم أو تطور في المجتمع، إذا تحققت المتغيرات أ في وقت ما من التاريخ مثلا فإنها ستؤدي إلى نتيجة ب. كمثال على القوانين الشرطية، يؤدي تحول المجتمع إلى التصنيع إلى ظهور الأسرة النواة. و كمثال على الشروط البنيوية، نقدم مثالا من نظرية Nurkse حول الحلقة المفرغة للفقر، حيث أن المجتمعات الفقيرة تبقى فقيرة إذا غاب التوفير و الاستثمار المنتج للثروة، لأن هذه الممارسات لا تزيد في الإنتاج بل تشجع فقط الاستهلاك و يبقى الوضع على ما هو عليه.
3- يركز النموذج الثالث على شكل التغيير و ليس محتواه و يضع التناقص كأساس للتغيير و يؤدي إلى ظهور نموذج جديد[Hegel/ Kuhn].
4- يركز النموذج الرابع على أسباب التغيير و يضع ضمن اهتمامه القيم و طبيعة التنشئة الاجتماعية للفرد.[Weber]
موضوع هذا المقال ينطلق من النموذج الرابع ليسلط الضوء على العوامل غير الاقتصادية للنجاح الاقتصادي و يستعمل في ذلك مقولتين أساسيتين لتفسير موضع الثقة الشاملة و دورها في تحقيق نموذج تنمية متقدم و هما : النظام الاجتماعي الفعال و الرأسمال الاجتماعي. كما سنختم بإشارات إلى القيم التي تساعد على خلق نموذج تنموي فعال.
كما هو متعارف عليه في علم الاجتماع، النشاط الاقتصادي هو نشاط اجتماعي بالأساس في بعض المجالات و عليه فهو يحتاج إلى الآخر ليتحقق. من الشروط الأساسية لهذا النشاط الاقتصادي/الاجتماعي هو الاستقلالية و الحرية. تعتبر السياسة و الثقافة عاملين أساسيين في التقدم الاقتصادي، كما أن التقدم الاقتصادي يتضمن عنصرين أساسيين و هما التنمية و التغيير الاجتماعي الذي يجب أن يصاحب التنمية.
بعد هذه المقدمات نسأل السؤال التالي: ماذا تعني الثقة في النظام الاجتماعي؟ تعني أن المواطن يثق في شرعية هذا النظام الاجتماعي و يكون على استعداد للتعاون مع الآخر و تذويب الخلافات من أجل تحقيق التنمية. توفر هذه الثقة الشاملة عنصرا آخر و هو الرأسمال الاجتماعي و الذي يمكن تعريفه بكونه الشروط الاجتماعية للنجاح الاقتصادي، و يكوّن هذا الرأسمال الدولة، المجتمع المدني، مجموعات المصالح و الأسرة. يمكن تكوين هذا الرأسمال الاجتماعي بطريقة أسهل إذا ما منح أعضاء المجتمع الشرعية لنظامهم الاجتماعي و اعتبروه فعالا. الثقة في النظام الاجتماعي تزيد من التعاون في المجتمع فيلتزم كل من يشكلون الرأسمال الاجتماعي بأداء دورهم كاملا من حيث المسؤوليات و منح و احترام الحقوق و تصبح الخلافات معتدلة في حدتها.
يؤدي غياب الثقة إلى غياب التعاون و التسامح و الالتزام، فتنتشر الأنانية، و التملص من المسؤوليات و التخلي عن الإلتزامات و تنتشر الاختلالات. فتهتم الدولة فقط بما يضمن استمرارها و تنفيذ برامجها، كما تستميت مجموعات المصالح في الدفاع عن مصالحها الخاصة و لو على حساب مجموعات و طبقات أخرى، كما أن دور المجتمع المدني يتقلص أو يختفي أو يتحول إلى دوري صوري يؤثث المشهد العام في غياب أي تفعيل لدوره ألاقتراحي الضاغط على أصحاب القرار. كما أن مؤسسات أخرى تصبح انعكاسا للمؤسسات المؤثرة فيصبح التعليم نتاجا للسياسة و داعما بطريقة غير مباشرة للاختلالات البنيوية و تصبح التنشئة الاجتماعية داخل الأسرة عبارة عن تنشئة من أجل البقاء في ظل هذا الوضع العام الذي لا يتوفر على مقدار كاف من الثقة.
بالإضافة إلى عامل الثقة الذي يعتبر أساسيا في تحقيق نموذج تنموي متقدم، تبقى قيم أخرى ذات أهمية في هذا الاتجاه. قد يعتقد البعض أن التقدم الاقتصادي للغرب جاء نتيجة لسياسات اقتصادية محضة في غياب تام للعامل الثقافي و القيمي. يؤكد ماكس فيبر أن أخلاق العمل البروتيستانتية من انضباط و عمل شاق و إخلاص كان وراء ظهور العقلية الرأسمالية في أوروبا. كما حثت التعاليم الدينية الأفراد على أن يكونوا منتجين بدلا من مستهلكين و أن يستثمروا أرباحهم لتوفير فرص شغل للآخرين. كانت هذه القيم الدينية حافزا للفرد المتدين على العمل و المثابرة و الإنتاج. نحن كمسلمين لنا ما يكفي من هذا النوع من القيم لكن هناك متغيرات أخرى جعلت تطبيقها محدودا جدا، فتجد الأغنياء يستثمرون لتشجيع الاستهلاك، و الشركات تزيد من أرباحها و تتملص من التصريح الضريبي الحقيقي، و السياسي يدافع عن كرسييه بدل الدفاع عن الناس الذين انتخبوه لذلك المنصب و غير ذلك من السلوكيات التي تنم عن الأنانية و عدم الثقة في الآخر و الميل لخدمة الذات و كنز الأموال. كما أن المواطن العادي يساير هذا الجو العام، فيتهاون البعض في أداء وظائفهم و يدمر آخر الممتلكات العامة، و يحترف آخر ابتزاز الفاسدين عوض محاربتهم، و لن أستطيع سرد كل التصرفات المشابهة التي هي تمظهر للشعور بعدم الثقة في النظام الاجتماعي و تفكك الرأسمال الاجتماعي.
لذلك أدعو الجميع إلى التفكير في الرفع من مستوى الثقة في النظام الاجتماعي الذي نكونه جميعا دولة و مجتمع مدني و مؤسسات و أفراد. مهما كانت ضخامة المجهودات التي ستبذلها أي لجنة تختص بالتأسيس لنموذج تنموي، فإن بقاء مستوى الثقة في النظام الإجتماعي متدنيا سيؤثر حتما على تطبيقه في المستقبل. للثقة مجالات أخرى يمكن للقارئ تصورها و يبقى هذا المقال مقاربة من زاوية ثقافية لهذه الإشكالية.
أستاذ باحث بجامعة شعيب الدكالي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.