أصدر الباحث جون زاكانياريش حديثا في العدد الأخير للمجلة الفرنسية "كونفليونس ميديترياني" دراسة حول الجنسانية في الكتابات المغربية باللغة الفرنسية، والتي أصدرها روائيون، كتاب، علماء اجتماع وأنثروبولوجيا، منطلقا من مجموعة من الأسئلة التي يحاول علم الاجتماع الحديث الإجابة عنها، انطلاقا من النظرية الكويرية، التي ظهرت في مجال الخطاب الأكاديمي في تسعينات القرن الماضي، من قلب الدراسات النسوية والمثلية، والتي تركّز على قضايا الجنسانية والنوع الاجتماعي والميل الجنسي. إن تمثل الممارسات والهويات الجنسانية في الكتابات المغربية باللغة الفرنسية، يطرح مجموعة من الإشكالات المرتبطة بعلاقة هذه الممارسات في المجتمعات العربية والإسلامية، مع النظرية الكويرية التي يتبناها الباحث جون زاكانيارش في دراسته المنشورة حديثا، والتي تحاول أن تقوم بتحليل العمليات التي تتشكل من خلالها الجنسانيات في المجتمعات بشكل عام، والهويات الجنسية بشكل خاص، من خلال كتابات عبد الله الطايع، حول المثلية الجنسية في المغرب، وعبد الكبير الخطيبي في أعماله حول أنماط الخنوثة وعشق اللسانين..، وكتابات عبد الله سرحان حول عاملات الجنس، وكذلك الطاهر بن جلون الذي صور في كتاباته الأولى- ليلة القدر وطفل الرمال- الجسد الأنثوي والخنثوي...، وإسهامات عبد الصمد الديالمي حول الحركة النسائية في المغرب.
يطرح الباحث مجموعة من الأسئلة المرتبطة، بوضعية الكتابات في هذا المجال الذي يشكل نظرية في العلوم الاجتماعية والإنسانية، وهل يمكن لهذا من النوع من الكتابات أن يتشكل داخل المجتمعات المحافظة، التي تتميز بحضور السلطة الأبوية وخصوصا داخل دول فيها حضور قوي للدين في الفضاء العام، وأن يحقق هويته في الكتابات المغربية المنشورة باللغة الفرنسية على وجه الخصوص.
يستعرض جون زاكانياريس ،الباحث في حقل العلوم السياسية بجامعات فرنسية ومغربية على السواء، مجموعة من الأعمال الفكرية والكتابات التي توجهت إلى معالجة موضوع الجنسانية في الثقافة العربية-الإسلامية، والذي كان يعتبر إلى حدود السنوات الأخيرة من القرن الماضي، في إطار المسكوت عنه، سواء من خلال حقل السوسيولوجية، أوالكتابات الأدبية المنشورة من قبل كتاب مغاربة، والتي قاربت مجموعة من المواضيع التي المرتبطة بتشكل الحركة الجنسانية في المغرب، وذلك على الرغم من التحديات التي تواجهها كتابات من هذا النوع، خصوصا في القضايا المرتبطة بالنشر والتوزيع، والعوائق التي تحدثها سياسات النشر، من خلال منع مجموعة من الأعمال التي تتخذ من الجنسانية موضوع لها. عبد الله الطايع، الكاتب الأول الذي سيعترف بشذوذه الجنسي في الفضاء العام بالمغرب، يقول زاكانياريس، وذلك من خلال كتابته سواء المنشورة في فرنسا أو المغرب، وخصوصا في كتابه الأخير "يوم الملك"، بحيث يقوم الطايع، بتأسيس نوع من الكتابات التي تحاول أن تسلط الضوء على ممارسات المثلية الجنسية، وعلى موضوع المتحولين جنسيا transgenres، في المغرب عبر وضع تصورات أدبية وتخييلية في أعماله التي تأخذ طابع السيرة الذاتية، من منظور يحاول نقد "الواقع الذكوري" في المجتمعات التي تحاول أن تفرض سطوة تصور معين للدين.
كاتب آخر معروف بكتاباته حول الهويات الثقافية المتعددة، وتفسيراته لها إلى جانب بول باسكون، هو عبد الكبير الخطيبي الذي، يلخص الكاتب، حاول من خلال قراءاته التفكيكية أن يسلط الضوء على علاقة النوع بالهوية، وذلك في كتابه نمط الجسد المتحول جنسيا والخنثوية، وكذلك من خلال كتاباته التي اتجهت إلى تفسير الممارسات الجنسية في بعض الطرق الصوفية، التي تقوم على اتخاذ اللواط كشكل من أشكال نقل المقدس، خصوصا في "كتاب الدم"، الذي اتجه من خلاله إلى الحفر في تاريخ الجنسانية في المغرب، خصوصا في الأماكن التي يختلط فيها الجنس بالمقدس الديني.
زاكانياريس خلص في هذه الدراسة إلى أن هؤلاء الكتاب الذين يساهمون في حقل الجنسانية في المغرب، تطرح عليهم مجموعة من الإشكالات المرتبطة بخوض تحدي الاعتراف الرمزي والقانوني بالممارسات الجنسانية، والتي ما زالت تعتبر في السياق العربي- الإسلامي، تهديدا للهوية الإسلامية والدينية.