خالد الحري افتتاحية “الصباح” /// فتحت “مذبحة إمليل”، بكل وحشيتها وفظاعتها، باب النقاش حول الحق في الحياة والتجريم الأقصى للمساس به، تحت أي ظرف، وكذا العقوبات “المناسبة” و”العادلة” (من وجهة نظر المجتمع) لمقترفي جرائم القتل والتمثيل بالجثث والرؤوس. لا شك أن المواثيق والعهود الدولية والتشريعات الدستورية اهتمت بالحق المقدس في الحياة ووضعته ضمن أولويات الحقوق الأساسية، وأفردت له الهيآت الناشطة في حقوق الإنسان حيزا كبيرا من المرافعة والاحتجاج، لكن ما يعاب على هذا المسلسل “النضالي”، هو منطق الخلط والتعميم الغامض الذي يساوي بين حياة الضحية والجلاد، وبين السفاح والقتيل، وبين المغتصب والملطخ بالدماء. فحين ندافع عن الحق في الحياة للجميع، ودون استثناء، نكون قد ظلمنا الضحايا مرتين: أولا، بترك السفاحين والمجرمين والمرضى نفسيا يقتربون منهم دون حماية، والتنكيل بهم اغتصابا وذبحا وقتلا وتقطيعا وتمثيلا بالجثث. وثانيا، ب “العفو المقنع” عن القتلة، عبر التردد في تطبيق “عقوبات” ستكون (حتى في حال تنفيذها) أرحم بكثير مما اقترفته أياديهم من فظاعات. فقد استهلك المغرب وقتا طويلا في “التجاذب” حول عقوبة الإعدام وتطبيقها، ونظمت ندوات ومناظرات ونقاشات وحشد الناس إلى وقفات احتجاجية تطالب بالإلغاء الكلي لهذه العقوبة من التشريع الجنائي المغربي، حتى يُخيل للمتتبع أن قضاة المملكة ما أن يصدروا حكما بالإعدام (على قلتها) حتى يُجر المتهم إلى ساحة السجن، في اليوم نفسه، ويُرمى بالرصاص، أو يُشد رأسه الى حبل، أو يُصعق فوق كرس كهربائي. والحال أن آخر عقوبة إعدام نُفذت، تعود إلى 25 سنة، حين كان الضغط النفسي والإعلامي على أشده للانتهاء من قضية هزت الرأي العام في بداية التسعينات، وكان لابد من تطبيق العقوبة في حق رجل أمن برتبة كوميسير ارتكب (حسب منطوق الحكم) فظاعات جنسية في حق عشرات النساء والفتيات وصورهن في أوضاع مختلفة. باستثناء ذلك، ظلت جميع أحكام الإعدام حبرا على ورق، ويتمتع أصحابها، اليوم، بمواقع “متقدمة” في السجون وأحياء الإعدام، وحياة أفضل يأكلون ويشربون وينامون ويستفيدون من خدمات التطبيب ويرفهون عن أنفسهم.. وكل ذلك ممول من جيوب دافعي الضرائب، ومنهم أسر ضحاياهم!! فلا يمكن مثلا، تخيل أن سفاح تارودانت، الذي اقترف مجزرة في حق مجموعة من الأطفال، استدرجهم واغتصبهم وقتلهم ودفنهم بطريقة وحشية، مازال يتمتع بحقه المقدس في الحياة، الذي حرم منه أرواحا بريئة. كما لا نستطيع أن نجبر ضرر أب، أو أم مكلومين، مازالا ينتظران مجرد إنصاف صغير، أي تطبيق عقوبة صدر فيها حكم نهائي على قاتل ابنهما، كما لا يمكننا أن نتبجح بتطور “منظومة حقوق الإنسان” في بلد تنتهك حقوق ضحاياه لفائدة جلاديهم! إن الدفاع عن الحق المقدس في الحياة للمجرمين والسفاحين والإرهابيين الدمويين والمتطرفين، لا يمكن إلا أن يكيف باعتباره تهمة المشاركة في الجريمة، وتسترا على فعل وحشي يتقمص فيه المجرم دور القاضي، الذي يصدر حكما بالإعدام في حق ضحيته، ثم يمر بسرعة البرق إلى تنفيذ هذا الحكم بالطريقة السادية التي تبدو له مناسبة في تلك اللحظة، إما عن طريق الاغتصاب، أو القتل، أو الذبح، أو الشنق، أو جز الرؤوس، أو تقطيع الجثث…أو حزام ناسف أو كل هذه الأشكال الفظيعة مجتمعة. فمقابل هذه الجرائم المقززة، يبدو حكم الإعدام وتنفيذه رحيما في حق المقترفين، على الأقل، فالسفاحون يتمتعون بمحاكمة عادلة يحضر فيها قضاة ومحامون ومراقبة من إعلاميين وحقوقيين، أما هم فيعدمون ضحاياهم بجبن.. وفي الظلام الدامس.. الإعدام جبر لآلام الضحايا.. وتنفيذه حق مقدس للمجتمع، حتى يعرف المجرمون أن رؤوسهم فوق المقصلة في كل حين.