هذه الشتائم التي نقذفها في وجه جمال دبوز ليست من الوطنية في شيء. إنها مرض. وجهل. إنها فضيحة مغربية. وهزيمة ثقيلة لم نكن نتوقعها. خاصة حين يكون الشتام كاتبا. أو صحفيا. أو مثقفا. وقد نتفهم أن تصدر عن الجمهور. وعن العوام. لكن أن تأتي من أشخاص يفترض فيهم أنهم نخبة فهذا أمر محزن حقا. ومفزع. ويجعلنا نشك في أن هذه النخبة المغربية نخبة بالفعل. ويجعلنا نخشى من أن تكون مؤثرة. ولها قراء. ولها مغاربة يستمعون إليها. فلا أحد له الحق في أن يفرض على شخص أن يكون مغربيا مائة في المائة. ولا أحد من حقه أن يتدخل ويفرض هويته ووطنيته على الآخر. أي آخر. وكيف نسمح لأنفسنا أن ننتقد شخصا يعتبر نفسه فرنسيا ومغربيا. شخصا ولد في فرنسا. وعاش فيها. وتعلم فيها. ونجح فيها. وحقق كل ما حققه فيها. كيف نسمح لأنفسنا بأن نتدخل في أحاسيسه. كيف نشق صدره. ونستخرج منه الخيانة. كيف نجرؤ على الحكم عليه. ونطلب منه يختار. وأن يتنكر لفرنسا. ويلغيها. ويكرهها. وأن يقتصر تشجيعه وحبه للمغرب فقط. كيف نسمح لأنفسنا بأن نتدخل في انتمائه. بينما هذا الإحساس بالانتماء خاص جدا. ولكل فرد تجربته الخاصة. وظروفه. ولكل إنسان حياته التي عاشها. كما أن عددا كبيرا من المغاربة لهم نفس موقف جمال دبوز. ولهم هذه الهوية الفرنسية المغربية. والهولاندية المغربية. والبلجيكية المغربية.... وكأننا نهاجمهم لأنهم لم يولدوا في المغرب. وكأننا بهذا الموقف نضطهدهم. ونمارس عليهم الإكراه. بأن يكونوا مغاربة. وألا يندمجوا في المجتمعات التي يعيشون وسطها. وألا يلتحقوا بمدارسها. وأن يحقدوا عليها. وإما أن تكون مغربيا خالصا. نقيا. أو لا تكون. وما هي النازية في نهاية المطاف. أليست هي هذا النقاء. وهذا الوضوح الهوياتي. وهذا الأصل الذي لا تشوبه شائبة. وإما معنا أو ضدنا. وإما أبيض أو أسود. ولا خيار لك أيها الفرنسي من أصول مغربية. فقد خنتنا. وبعت الوطن. وشجعت فرنسا. والمغرب. ولن نقبل منك هذه الوطنية "الملتبسة". ولن نسمح لك. فليس سيئا أن يكون انتماؤك لثقافتين. ولمجتمعين. ولدولتين. وليس سيئا أن تختلط عليك المشاعر. وتعيش هذه اللحظة غير المسبوقة. وليس خيانة أن تختار المنتخب الذي ستشجعه. ببنما السيء. وغير المقبول. هو أن تشتم جمال الدبوز. وتطلب منه أن يتخلى عن ثقافته. وعن هويته. وعن البلاد التي ولد وعاش فيها. وأن يكون مغربيا خالصا. لا تشوبه شائبة. بينما السيء هو أن تفرض عليه رأيك الخاص. ومشاعرك. وتجربتك. وهويتك الواضحة. ووطنيتك المندفعة. وغير العاقلة. والمتطرفة. فقط لأنك مولود في آسفي. أو خريبكة. أو عين السبع. أو سطات. وفقط لأنك غير قادر على التمييز. وكم كان جمال الدبوز بليغا. وفصيحا. ومتعددا. ومنفتحا. بالقميص الذي ظهر به. فهو مغربي وفرنسي. وفرنسي ومغربي. ومع الفريقين. والعنصري. واليميني المتطرف الفرنسي. هو من يفرض على "الأجنبي" أن يكون فرنسيا فقط. وأن يتخلى عن أصوله. وعن ثقافته. وعن دينه. فجمال دبوز فرنسي كما أن مئات الآلاف من الأجيال الجديدة من المغاربة في دول الهجرة صارت بحكم الواقع فرنسية وهولندية وألمانية وإيطالية وبلجيكية وأمريكية وكندية. وتحب المغرب وتحب بلاد آبائها وأمهاتها. وتحب جنسيتها الثانية. و البلاد التي ولدت فيها. وكبرت. إذ لم نكن نظن أن بيننا في المغرب. نخبة وصحافة ومثقفون. لهم نفس موقف اليمين العنصري. حتى تفاجأنا بهذا الهجوم على جمال دبوز. فلا فرق. لا فرق أبدا بين من يهاجم الكوميدي الفرنسي المغربي. لا فرق أبدا بين من يقارن بين موقف جاد المالح المولود في الدارالبيضاء. والذي لا يتوفر على الجنسية الفرنسية. ولم يهاجر إلى فرنسا إلا في شبابه. وموقف الدبوز. المزداد في قلب باريس. وبين من يعتبرنا عربا فقط. وأمازيغ فقط. ومن يصادر حقنا في أن تكون لنا هوية فيها العربي والأمازيغي. وأن نكون في صف العرب والأمازيغ والأفارقة. ويفتش عن الأصل. وعن الهوية الجامدة. التي لا تتغير. ولا تمتزج بهويات أخرى. وعن الوطن الثابت. الوطن القديم. وحتى لو كان الواحد منا مغربيا "خالصا" وقرر أن يشجع الأرجنتين أو فرنسا. فليس من حق أي شخص. ولا أي سلطة. أن يلوماه على ذلك. وحتى لو كان له رأي يقول بعدم الخلط بين كرة القدم والوطن. فهو رأي وموقف محترم وله وجاهته. لأن الكرة في النهاية مجرد لعبة. وليس ضروريا أن نختزل الوطن فيها. وحتى لو صرح مثلا أنه يحب ويشجع ميسي أو مبابي. فهل نرجمه هل ننصب المشنقة له. هل ننفيه ولا نعتبره منا. هل نشتمه ونسبه ونحرض الشعب عليه. هل نسحب منه الجنسية. وقد يكون ما قدمه جمال دبوز للمغرب أكثر مما يقدمه هؤلاء الذين يشتمونه. وقد يكون أصدق منهم. لكن هناك من يحاول أن يظهر لنا أنه أكثر وطنية من الجميع. ولا يجد حرجا في أن ينقط الناس على وطنيتهم. ولا يخجل من جهله. ولا يدري أنه يدافع عن مرض يصيب الوطنية. يدافع عن التهاب الوطنية وليس عن الوطنية.