يعتبر مشروع خط أنابيب الغاز الرابط بين نيجيريا والمغرب من المبادرات الطاقوية الرائدة في القارة الأفريقية، حيث يمتد لمسافة تفوق ستة آلاف كيلومتر ويعبر ثلاث عشرة دولة على طول الساحل الأطلسي، ليصل أسواق الغاز النيجيرية بأوروبا. هذا المشروع يعكس مساعي الدول الأفريقية لتعزيز التنمية الاقتصادية في ظل الاعتبارات الجيوسياسية المتغيرة على الصعيدين الإقليمي والدولي. يمثل هذا المشروع فرصة استراتيجية لتوسيع الأسواق النيجيرية نحو الخارج لعدم كفاية البنية التحتية الحالية وانخفاض قدراتها التصديرية القادرة على استغلال الموارد الطبيعية للبلد. كذلك هو فرصة للمغرب لتعزيز دوره كمحور طاقوي في شمال أفريقيا والانفتاح على قنوات تصدير إضافية نحوالأسواق الأوروبية، مستثمراً موقعه الجغرافي وبيئة استثمارية متميزة. بالإضافة لكل هذا، فالسوق الاوروبية الان بحاجة إلى بدائل آمنة تساعدها على التقليل في الاعتماد على الغاز الروسي وتعزيز مصادر الطاقة المستدامة، خاصة بعد التوترات التي أفرزتها الحرب الأوكرانية الروسية واضطرابات سوق الطاقة العالمي. يعتبر المشروع وسيلة لدعم التنمية المشتركة للدول وكذلك أداة لتعزيز التكامل الإقليمي بين دول غرب أفريقيا، بحيث حاز هذا المشروع على دعم المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (ECOWAS) بهدف تمتين التنسيق الاقتصادي الإقليمي والرفع من وثيرة التنافس الإقليمي وخاصة مع الخط العابر للصحراء الجزائري الذي دخل النفق المظلم لعدة اعتبارات تخص الامن وكذلك عدم التركيز على سياسة جوار مع دول الساحل يسودها الاحترام المتبادل. تموضع استراتيجي للمغرب على الصعيد الجيوسياسي من الواضح أن الجغرافيا السياسية للنفط تعيد رسم الطرق البحرية وكذلك تعيد التوازن للتدفقات العالمية. تعد الرسوم الجمركية التي فرضتها واشنطن على الهند، وانخفاض طاقة التكرير في موسكو، وعزم نيجيريا على زيادة إنتاجها في التجارة بين غرب إفريقيا وجنوب آسيا من بين المتغيرات التي أعطت تموضع جديد لدول غرب افريقيا والتي تمثل ما نسبته 46٪ من سكان أفريقيا، وتستأثر بنسبة 55٪ من الناتج المحلي الإجمالي الأفريقي. للمغرب موقع جغرافي استراتيجي يمكنه من لعب دور الوسيط اللوجستي بين أوروبا وغرب افريقيا وكذلك الدول المطلة على الأطلسي بحيث جعل المغرب، في دبلوماسيته الاقتصادية، هذه المسألة موضوعًا رئيسيًا. ويشهد على ذلك خطاب الملك بمناسبة الذكرى الثامنة والأربعين ل "المسيرة الخضراء". "إذا كان المغرب، بواجهته المتوسطية، مرتبطًا بقوة بأوروبا، فإن واجهته الأطلسية تفتح له، من ناحية أخرى، وصولاً كاملاً إلى أفريقيا وإلى الفضاء الأمريكي"، فالتحدي هو جعل هذه الواجهة الأطلسيةمكانًا مهمًا للتواصل الإنساني، ومركزًا للتكامل الاقتصادي، ومركزًا للتأثير القاري والدولي ". في ظل هذه الحركية التي تخص غرب افريقيا، قام صاحب الجلالة الملك محمد السادس بتدشين مجموعة من المشاريع تخص إعادة هيكلة المركب المينائي للدار البيضاء وذلك لترسيخ مكانة العاصمة الاقتصادية كقطب قادر على إنجاح مبادرة الأطلسي بمعية موانئ أخرى منها على الخصوص ميناء الداخلة لأطلسي ودوره الاستراتيجي في إنجاح مبادرة الاطلسي. جاء خطاب جلالة الملك كذلك بمناسبة الدخول البرلماني ليكرس تركيز المملكة لتحويل التنمية الساحلية من مجرد إطار قانوني إلى واقع ملموس وواقعي، عبر اعتماد عدة مقاربات مستدامة، مندمجة، وجادة، تحفظ البيئة البحرية وتدعم الاقتصاد الوطني. لقد عمل المغرب منذ فترة على تعزيز شراكاته الاقتصادية مع المنطقة، معلنًا أنها طريق إلى أسواق أفريقية أكبر وأوسع. كل هذا اعطى للمغرب ريادة اقتصادية على المستوى القاري بحيث ارتفعت الصادرات المغربية إلى أفريقيا من 300 مليون دولار إلى أكثر من 3 مليارات دولار في الفترة ما بين 2004 و2024. بالإضافة لكل هذا وحسب تقارير اقتصادية، تجاوزت أرباح الشركات المغربية التي استثمرت في الدول الأفريقية 2. 5 مليار دولار، مع تركيز جزء كبير من هذه الاستثمارات في دول الساحل والصحراء، وخاصةً مالي، التي تحتل المرتبة الثالثة بين أهم الوجهات للاستثمارات المغربية في القارة. يهدف المغرب إلى تأكيد مكانته كأكبر مستثمر في المنطقة في مجالات هامة مثل صناعة الأسمدة والفلاحة، الخدمات الخاصة بالبنوك التجارية والاتصالات. كما أنه يتطلع لتوسيع مجال نشاطاته الاستراتيجية (DAS) والتركيز على مجالات ذات قيمة مضافة كبيرة مثل الطاقة المتجددة، البنية التحتية المينائية واللوجستيك.