كشفت "منظمة العفو الدولية"، ضمن تقرير مفصل صدر اليوم الخميس، عن انتهاكات واسعة النطاق تمارسها تونس ضد لاجئين ومهاجرين ينحدر معظمهم من دول إفريقية، خالصة إلى أنه "لا يمكن اعتبار تونس مكانا آمنا لإنزال الأشخاص، ولا بلدا ثالثا آمنا لنقل طالبي اللجوء"، بعد تحريات ومقابلات ميدانية أجرتها مع مهاجرين من حوالي 20 بلدا. وقالت المنظمة الحقوقية الدولية، ضمن تقريرها المعنون ب "تصرُخ ولا أحد يسمعك.. سياسة الهجرة في تونس تتخذ منعطفا خطيرا"، اطلعت هسبريس على نسخة منه، إنه "على مدى السنوات الثلاث الماضية، اعتمدت السلطات التونسية سياسات للهجرة واللجوء تتجاهل تماما أرواح اللاجئين والمهاجرين وسلامتهم وكرامتهم، وتُستخدم كأداة للإقصاء القائم على التصنيف العنصري". ونبهت في هذا السياق إلى "تنفيذ المسؤولين التونسيين عمليات طردٍ جماعي تمثل تهديدا للحياة، في انتهاكٍ لمبدأ عدم الإعادة القسرية، وذلك عقب عمليات اعتراض في البحر تتسم بالتهوُّر في كثير من الأحيان، أو عقب اعتقالاتٍ قائمة على الاستهداف العنصري، وكثيرا ما تكون مصحوبة بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، بما في ذلك العنف الجنسي الذي ينطوي على تجريد الأشخاص من إنسانيتهم"، مستحضرة أنه "تم إيقاف سُبل مباشرة إجراءات اللجوء، بينما واجهت المنظمات التي توفر الحماية للاجئين والمهاجرين قمعا شديدا"، بتعبير المنظمة. ووثّقت "أمنستي إنترناشيونال" "كيف نفّذت السلطات التونسية، مدفوعة بخطاب عنصري صادر عن عدد من المسؤولين–أبرزُهم رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيّد–عمليات اعتقال واحتجاز استهدفت أشخاصا على أساس عرقي، وعمليات اعتراض متهوّرة في البحر، وعمليات طرد جماعي لعشرات الآلاف من اللاجئين والمهاجرين إلى الجزائر وليبيا، وعرّضت اللاجئين والمهاجرين للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة؛ بما في ذلك الاغتصاب وأشكال أخرى من العنف الجنسي، بالتزامن مع حملة قمع شنتها ضد منظمات المجتمع المدني التي تُقدم لهم مساعدات حيوية". جاءت ذلك بعدما أجرت منظمة العفو الدولية "بحثا بين فبراير ويونيو 2025، قابلت خلاله 120 لاجئا ومهاجرا من نحو 20 بلدا (من بينهم 92 رجلا، و28 امرأة (بينهنّ ثمانية قاصرين/ات بين 16 و17 عاما) في مدن تونس وصفاقس وجرجيس". كما راجعت المنظمة ذاتها مصادر تابعة للأمم المتحدة ووسائل إعلام ومنظمات للمجتمع المدني، بالإضافة إلى صفحات رسمية تابعة للسلطات المحلية التونسية. وقبل نشر التقرير، شاركت منظمة العفو الدولية نتائجها مع السلطات التونسية والأوروبية والليبية، وأكدت أنه "لم يتمّ تلقي أي رد حتى وقت نشر هذا التقرير". انتهاك الضمانات لفتت "أمنستي" إلى أن "السلطات التونسية قد واصلت على نحو متزايد، خلال السنوات الثلاث الماضية، تفكيك ضمانات الحماية الممنوحة للاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين، وخصوصا الأشخاص السود، مع تحوّل خطير نحو ممارسات أمنية عنصرية وانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان تُعرّض حياتهم وسلامتهم وكرامتهم للخطر"، منبهة ضمن إحدى الخلاصات القوية للتقرير إلى كون "الاتحاد الأوروبي يُخاطر بالتواطؤ في انتهاكات حقوق الإنسان من خلال مواصلة تعاونه مع تونس في مجال ضبط الهجرة بدون ضمانات فعّالة لحماية حقوق الإنسان"، بتوصيفها. وعاد التقرير إلى يونيو 2024، حينَ طلبت السلطات التونسية "وقف دور المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في تسجيل ومعالجة طلبات اللجوء، مما ألغى المسار الوحيد المتاح لطلب اللجوء في البلاد". مضيفا: "مع ذلك، يواصل الاتحاد الأوروبي تعاونه مع تونس في مجال ضبط الهجرة من دون وجود ضمانات فعّالة لحقوق الإنسان، مما يعرضه لخطر التواطؤ في انتهاكات جسيمة ويؤدي إلى محاصرة مزيد من الأشخاص في أوضاع تعرض حياتهم وحقوقهم للخطر"، رغم دينامية "الانخفاض الحاد في أعداد الوافدين عن طريق البحر من تونس". الخطاب العنصري تكشف الشهادات المضمَّنة في تقرير من 100 صفحة عن "نظام للهجرة واللجوء صُمّم للإقصاء والعقاب بدلا من توفير الحماية". فقد جرى-حسب بيانات التقرير-"اعتقال واحتجاز ما لا يقل عن 60 شخصا بشكل تعسفي من بين مَن قابلتهم منظمة العفو الدولية، من بينهم ثلاثة أطفال، ولاجئان، وخمسة من طالبي اللجوء. واستُهدف اللاجئون والمهاجرون السود ضمن أنماط ممنهجة من الاستهداف العنصري وموجات متتالية من العنف على يد أفراد وعناصر قوات الأمن، وذلك بفعل التأييد العلني للكراهية العنصرية، الذي بدأ مع تصريحات الرئيس قيس سعيّد في فيفري/شباط 2023، وتكرر لاحقا على لسان مسؤولين وبرلمانيين آخرين". وتفاقم الوضع نتيجة تصاعد الإجراءات القمعية التي استهدفت ما لا يقل عن ست منظمات غير حكومية تقدّم دعما حيويا للاجئين والمهاجرين. وقد أدّى ذلك إلى عواقب إنسانية مروّعة، وأسفر عن فجوة هائلة في تدابير الحماية. فمنذ ماي 2024، احتجزت السلطات تعسفيا ما لا يقل عن ثمانية عاملين في المنظمات غير الحكومية، بالإضافة إلى اثنين من المسؤولين المحليين السابقين اللذين تعاوَنا معهم. ومن المقرر عقد الجلسة القادمة في محاكمة أحد موظفي هذه المنظمات، المجلس التونسي للاجئين في 24 نونبر. توصيات بحماية اللجوء قالت هبة مرايف، مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية: "لقد أشرفت السلطات التونسية على انتهاكات لحقوق الإنسان، وأجّجت كراهية الأجانب، ووجّهت الضربة تلو الأخرى لحماية اللاجئين". وأضافت: "يتعيّن على السلطات أن تتراجع فورا عن هذا التدهور الكارثي، من خلال وقف التحريض العنصري وإنهاء عمليات الطرد الجماعي التي تعرّض حياة الناس للخطر. ويجب عليها أن تحمي حق اللجوء، وأن تضمن عدم طرد أي شخص إلى أماكن قد يتعرض فيها لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وينبغي الإفراج بدون قيد أو شرط عن موظفي المنظمات غير الحكومية والمدافعين عن حقوق الإنسان المحتجزين بسبب مساعدة اللاجئين والمهاجرين". كما أوصت "أمنستي" ب "تعليق الاتحاد الأوروبي، فورا، أي دعم في مجال الهجرة ومراقبة الحدود يهدف إلى احتواء الأشخاص داخل تونس، وأن يوقف تمويل قوات الأمن أو أي جهات أخرى مسؤولة عن انتهاكات حقوق الإنسان ضد اللاجئين والمهاجرين"، مقترحة: "بدلا من إعطاء الأولوية لسياسات الاحتواء وتأجيج الانتهاكات، يجب أن يُعاد توجيه التعاون بين الاتحاد الأوروبي وتونس نحو ضمان توافر تدابير كافية للحماية وإجراءات لجوء مناسبة داخل البلاد، وأن يتضمن معايير وشروط واضحة وقابلة للتنفيذ في مجال حقوق الإنسان، لتجنب التواطؤ في الانتهاكات".