طنجة.. توقيف مروج للمخدرات القوية والكحول غير المرخص بحي المرس أشناد    كرة قدم: باير ليفركوزن يحسم صفقة المغربي إلياس بن صغير    وفاة حسن كمون رئيس "المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف" وأحد أبرز الوجوه الحقوقية في المغرب    أبرز صفقات اليوم الأخير في سوق الانتقالات    مجلة "غلوبال فاينانس" الأمريكية تصنف الجواهري ضمن قائمة أفضل محافظي البنوك المركزية في العالم    إحباط محاولة تهريب أزيد من ألف مفرقعة بميناء طنجة المتوسط    الدورة ال 25 من "ملتقى الشارقة الدولي للراوي" ما بين 22 و26 شتنبر الجاري بمشاركة المغرب        بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع أداء إيجابي    بصفقة 32 مليون يورو.. المغربي إلياس بن الصغير ينتقل من موناكو إلى باير ليفركوزن    بعد أن كلف إصلاحه حوالي 360 مليار سنتيم .. ملعب طنجة الكبير سيكون جاهزا نهاية شتنبر    شركة "يورو وينجز" تفتح خطوطا منخفضة التكلفة نحو المغرب    علماء يؤكدون أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة    المغرب، مركز استراتيجي للتعافي بعد الكوارث بالنسبة للشركات الأوروبية    قضية "الراعي الصغير"..القضاء يؤجل الملف إلى 11 شتنبر ويوجه تهمة القتل العمد لمجهول    ارتفاع صادرات الفوسفاط المغربي بنحو 21 في المائة    آني إرنو: الجهل بالأدب العربي في الغرب يحرمه من «نوبل»»    من روايات الدخول الأدبي الفرنسي L'Homme qui lisait des livres .. رشيد بنزين عن غزة: «لا يمكن استعمار المتخيل»    حنان البيضاوية تطلق أغنية جديدة بعنوان «ولاد بلادي» بلمسة عصرية    الإخوان المسلمون والحلم بالخلافة    دراسة جديدة تكشف أن عقول المصابين بالتوحد منظمة بشكل مختلف        ميدلت.. مصرع أم وابنتها وسائق طاكسي في حادث سير مروع    بيانات حساسة لمستخدمي google في خطر.. وتحذير رسمي للمغاربة    الأوقاف تعلن موعد أداء مصاريف الحج للائحة الانتظار من 15 إلى 19 شتنبر    مارسيليا يحسم صفقة المغربي نايف أكرد    البحرية الملكية والبحرية الأمريكية تنفذان تمرينًا مشتركًا بالدار البيضاء لتعزيز الخبرات التقنية    ليالي العام الهجري    أرادوها متأخرة فبقيت مزدهرة                الرئيس الصيني يدعو إلى فهم تاريخ الحرب العالمية الثانية ويستنكر عقلية الحرب الباردة والتنمر الدولي        انتخابات 2026.. حزب الكتاب يقترح ثورة هادئة في القوانين الانتخابية    الكوكب المراكشي يلاقي النجم الساحلي    جماعة الحوثي تشيّع القادة القتلى    انتخاب مكتب جديد لجمعية "عدالة"    باير ليفركوزن يقيل المدرب "تن هاغ"    وكالة إيطالية: طنجة تتألق بمشاريع كبرى في أفق كأس إفريقيا وكأس العالم 2030    الانتخابات المقبلة: فرصة تاريخية لاستعادة الثقة وتطهير الحياة السياسية    ابن الحسيمة محمد احتارين : حلمي أن أحقق المجد مع المغرب    جماعة الدار البيضاء تطلق جيلا جديدا من المراحيض العمومية بالمجان وتدعو الساكنة إلى المحافظة عليها    الملكية وتد ثبات الأمة وإستمرار الدولة المغربية    الذكرى 88 لانتفاضة 'ماء بوفكران' محطة وازنة في مسار ملاحم الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال    زلزال بأفغانستان يخلف أكثر من 800 قتيل وأزيد من 2700 جريح    تشارك فيها أكثر من 250 وسيلة إعلامية من 70 دولة.. حملة إعلامية دولية للتنديد بقتل إسرائيل للصحافيين في غزة    دخول القانون المتعلق بالصناعة السينمائية وبإعادة تنظيم المركز السينمائي المغربي حيز التنفيذ    تراجع طفيف لأسعار النفط وسط مخاوف من تزايد الإنتاج والرسوم الأمريكية    دعاء اليحياوي.. نجمة صيف 2025 بامتياز… تألق كبير في كبرى المهرجانات المغربية…    اليابان تتجه للسماح ببيع حبوب منع الحمل الطارئة دون وصفة طبية    طقس الإثنين.. حار بالجنوب وأمطار خفيفة بسواحل الأطلسي        منع منتجات تجميل تحتوي على مادة TPO السامة        جديد العلم في رحلة البحث عن الحق    الوكالة المغربية للأدوية والمنتجات الصحية تمنع منتجات التجميل المحتوية على أكسيد ثنائي الفينيل ثلاثي ميثيل بنزويل الفوسفين    الزاوية الكركرية تنظم الأسبوع الدولي السابع للتصوف بمناسبة المولد النبوي الشريف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حارسات السيارت .. مغربيات يطبقن المساواة في أصعب ظروفها
نشر في هسبريس يوم 20 - 04 - 2014

بعيداً عن الأضواء، استطعن بتحدٍ كبير اختراق عالم مهنة ذكورية بامتياز، فمنذ ظهورها كانت من اختصاص الذكور دون الإناث. يُنافسن من أجلها الرجال بهدف الظفر بشارع من شوارع العاصمة، لحراسة سيارات المرتادين عليه أو القاطنين به.
منهن من تعمل ليل نهار من أجل كسب أوفر، ومنهن من اختارت الصباح فقط لتقليص المخاطر المحدقة بها أثناء قيامها بالحراسة. مخاطر تحوم بهنّ بنسبة أكبر من زملائهن طيلة مدة الاشتغال، فالمرأة في نظر السارق المتربص بالسيارات، أقل خطراً عليه من الرجل.
هسبريس اقتحمت عالمهن المحفوف بالمخاطر، والمختلف عن زميلاتهن العاملات، فحارسات مواقف السيارات اخترن تحدي النظرة والتصنيفات المجتمعية من أجل الظفر بلقمة العيش الحلال.
فتيحة الشهبة... محاربة من أجل المهنة
تركض بين جانبي شارع من شوارع باب شالة، راسمة على وجهها ابتسامة عهدها بها من يأتمنونها على سياراتهم وكذا سكان المنطقة التي تقرب من محل سكناها. ارتدت فتيحة سترتها التي تقرب من لون شعرها، الذي لُقبت بسببه ب "الشهبة"، لتشهر بذلك تحديها للعقلية الذكورية السائدة في محيطها على الأقل.
لا تحمل معها عصا أو صافرة كما تفعل أخريات امتهن نفس مهنتها، بل تتسلح بابتسامة وخفة ظل، تقول عنهما إنهما أكثر فعالية مع الزبناء، و إنهما منطلقاها لمعاكسة مجرى الحياة القاسية وأزمات هذه المهنة. فعوض الجدية الزائدة التي ستجعلها عصبية طيلة اليوم بسبب تصرفات الزبناء تارة أو الزملاء تارة أخرى، اختارت فتيحة تناسي ذلك و الاستهزاء به رغم مرارته.
تعمل أيام السبت والأحد فقط، وهي الأيام التي "انتزعتُها من الحراس الذين يتناوبون على حراسة السيارات بالشوارع المجاورة بالقوة، بعدما لم أجد عملاً لكسب معيشي اليومي"، تؤكد فتيحة التي تعيل أسرتها الصغيرة لوحدها. فقد تعرضت للسب، كما تم التشهير بسمعتها من قبل البعض، لا لشيء سوى لإبعادها عن المكان الذي تمكّنت من انتزاعه منهم في عطلة نهاية الأسبوع، تضيف الحارسة.
وفي هذا الصدد، يرى يوسف معضور الكاتب المتخصص في القضايا الاجتماعية، أن التحولات التي طرأت على منظومة القيم الاجتماعية للمجتمع، بالإضافة إلى التغيرات الحاصلة في شكل مؤسسة الأسرة والعوامل الاقتصادية و الاجتماعية المرتبطة بصعوبة ظروف العيش، هي من ساهمت بخروج المرأة إلى العمل جنباً إلى جنب مع الرجل بل تجاوز الأمر إلى اشتغال المرأة في مهن كانت إلى حدود السنوات الأخيرة حكراً على الرجل ومنها حراسة مواقف السيارات، التي تمتهنها فتيحة.
ويضيف معضور، أن غالبية النساء لا يخترن تلك المهن عن قناعة بل الظروف الاجتماعية هي من تدفعهن إلى ذلك الاختيار المُر الذي ينزع عنهن أنوثتهن ويجعلهن محط الأنظار والقيل و القال.
مهنة لا تحتاج "باك صاحبي"
من أهم الأسباب التي جعلت فتيحة كغيرها من الحارسات تختار هذا العمل ذو الصبغة الذكورية، هو كونه الوحيد الذي لا يحتاج وساطات، بل يحتاج القوة و العزيمة و الصبر و الجرأة، فهي تؤكد أنها دخلته بدون "باك صاحبي" التي كانت تحول بينها وبين الرزق أينما قامت بالبحث عن عمل.
ظروف المعيشة الصعبة وعدم تحصيل دبلوم بعد توقفها عن الدراسة، من العوامل القوية الأخرى التي جعلتها تقاوم من أجل الحصول على مكان خاص بها لحراسة السيارات ولو ليومين في الأسبوع، إذ تقول فتيحة في هذا الصدد، "لا مُعيل لي أنا وابنتي، إذن القبول بحراسة السيارات لا محيد عنه، لأنه أسهل عمل يمكنني الحصول عليه بدون وساطة".
ويمكن حسب الباحث معضور، تفسير امتهان المرأة لمهن كحراسة السيارات كذلك، بحضور منطق التنافسية ومبدأ المساواة في طبيعية الوظيفة أو الشغل، أي أن المرأة حسبه تعتبر أن لها حقاً في الاشتغال في مهن يمكن اعتبارها ذكورية. ويضيف معضور أن الضرورة الاجتماعية عامل آخر يدفع بالمرأة إلى الاشتغال في مهن كحارسة السيارات، التي أصحبت تزاولها مجموعة من النساء المنتميات في الغالب إلى الطبقات الاجتماعية الفقيرة اضطراريا، وبحثا عن لقمة خبز حلال.
مهنة المصاعب
فتيحة ككل الحراس و الحارسات تواجه مخاطر كثيرة و هي تقوم بعملها، فهي في مواجهة دائمة مع "الشمكارة" الذين يحومون بالسيارات بغية سرقة ما بها، أو على الأقل تشويهها و تكسير زجاجها. فالتصدي لهم يجعلها كغيرها عرضة للهجوم اللفظي أولاً، إذ يعمد هؤلاء حسبها إلى مواجهتها بنعوت قاسية وسبها و شتمها إن هي سألتهم الرحيل. وأحيانا أخرى إلى الاعتداء الجسدي، فكثيرا ما كانت عرضة للهجومات المسلحة التي أنقذها منها شباب الحي غير ما مرة.
ومن مصاعب هذه المهنة ما يُضحك، حيث تحكي فتيحة بابتسامة ساخرة : "ما يجعل لقمة العيش صعبة عبر امتهان حراسة السيارات، هو أن الكثيرين ينتظرون غفلتي ليلوذوا بالهرب من تأدية بضعة دراهم كجزاء لحراستي سياراتهم من المخاطر المحدقة بها في الشارع". وتضيف مبتسمة "شحال من مرة تلوات ليا رجلي و أنا تابعة شي واحد هارب".
تعرضت الحارسة ذات المستوى التعليمي الجيد "الباكلوريا"، لحادثة كُسرت على إثرها رجلها و هي تقوم بعملها، فبينما كانت تأخذ "بقشيشا" من صاحب سيارة يهم بالخروج أسقطتها سيارة أخرى كانت تقف وراءها، ومن دهشة السائقة، قامت عن غير قصد بالرجوع فوق رجل فتيحة، لتتسبب لها بكسر شديد أقعدها مدة طويلة.
مهنة الزوجين المتعاونين
أن يشهد الكثير من الزملاء لفتيحة وغيرها من النساء بالسمعة الطيبة وبالإتقان للمهنة أمر متوقع جدا، لكن المثير هو أن يشجع الأزواج زوجاتهم على امتهان حراسة السيارات رغم معرفتهم المسبقة بمخاطرها ومشاقها.
نجية امرأة في الثلاثنيات من عمرها، قررت خوض غمار هذه المهنة الذكورية باقتراح من زوجها من أجل "التعاون على الزمان" كما تقول. وهي الآن حارسة بالشارع المحاذي ل"مارشي النوار" بالجولان، الذي انتقل لمكان آخر أقل أمنا، لتعوضه لما يناهز الثماني سنوات.
وعن أسباب قبولها بهذه المهنة وعدم تفكيرها بغيرها، قالت نجية "هو أسهل عمل يمكن الحصول عليه أولا، و ثانيا لأن الظروف المادية تحتم ذلك. وأكدت أن حراسة السيارات، عمل يمكن الإنسان من "العيش مستورا، بحيث لا يرفع من مستوى معيشه كثيرا، لكنه في الوقت نفسه يقيه من مد اليد، فهي مهنة تستر الإنسان و تمنحه القوت الحلال".
ابنهما الوحيد الخجل من امتهان أمه لحراسة موقف السيارات، امتنع عن اللقاء بنا، لتشرح نجية رفضه بأنه "ماكيرضاش" وعلى وجهها قسمات الأسى، فهو الحالم بمرتبة ضابط لا يريد لأمه أن تكون مجرد حارسة موقف سيارات بسيطة.
أما سعيدة فحالتها تختلف قليلا، إذ تمتهن حراسة السيارات رفقة زوجها بالتناوب على حراسة نفس الشارع، فخوفه عليها جعله يسمح لها بامتهان الحراسة شرط أن تقوم بذلك صباحا، ليستأنف هو العمل بنفس المكان ليلا، لأن الصباح في نظره أقل خطورة من الليل في تلك المنطقة التي لا يصلها إلا أصحاب السيارات أو اللصوص المتربصين بهم. هذا التقسيم جعلهما يستطيعان تقاسم المسؤولية و الحياة المهنية إضافة للحياة الزوجية، ليكافحا معا من أجل لقمة العيش.
وفي تصور الباحث معضور، فإن نظرة المجتمع تجاه ممتهنات حراسة السيارات تبقى في الغالب نظرة تعاطف وشفقة و تضامن أكثر منها نظرة احتقار نظراً لكسبهن قوتهن حلالاً و كدّهن من أجله، باستثناء بعض الزبناء ضعاف النفوس الذين يقتنصون فرص سانحة للتحرش بهن، واستغلال وضعيتهن من أجل محاولة تفريغ مكبوتاتهم الجنسية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.