صوت البرلمان الاسباني يوم الثلاثاء 18 نونبر2014، على المقترح الذي كان قد تم تقديمه من قبل الحزب الاشتراكي العمالي الاسباني، يوم 16 أكتوبر من نفس السنة ، والذي يطالب الحكومة الاسبانية الاعتراف بفلسطين كدولة . أن هذا الاعتراف يشكل موقفاُ تاريخياً متقدماً تسجله إسبانيا، خصوصا وأن المقترح حاز على أغلبية ساحقة من الأصوات ، حيث صوت عليه 319 عضوا من أصل322 عضو حضروا الجلسة العامة ، علما بأن عدد أعضاء البرلمان الاسباني 350 عضوا. وزيرة الخارجية الاسبانية السابقة " ترينيداد خيمينيث "، متزعمة المقترح ، شرحت في مداخلتها أسبابه ودوافعه وقالت أنه قد آن الأوان للاعتراف بدولة فلسطين على حدود آمنة وعاصمتها القدس ،بعد أن أدانت العملية الارهابية في المعبد اليهودي. وأضافت أنه ينبغي على المجتمع الدولي أن يأخذ خطوة متقدمة من أجل اقرار السلام من خلال الاعتراف بفلسطين كدولة، ويجب أن يتم توجيه رسالة واضحة لإسرائيل أن عليها الجلوس للتفاوض من أجل التوصل الى اتفاق مع فلسطين، وبأن البرلمان الاسباني يؤمن بأن الاعتراف بدولة فلسطين يساهم في تحقيق السلام. وتجدر الإشارة أن وزير الخارجية الاسباني "خوسيه مانويل غارثيامارغايو" قد حضر الجلسة كاملة، وقدم مداخلة شكر فيها الأحزاب كافة على التوافق والتنسيق بينها وأكد بأن الحكومة ستعمل على تجسيد هذا الاعتراف في الوقت المناسب، كما عبر كذلك عن التزام الحكومة من أجل التوصل إلى اتفاق حوله في الاتحاد الأوروبي. إنه حدث تاريخي من برلمان عتيد لها جذور راسخة في الديمقراطية البرلمانية، وموقف يستحق وقفة وتحية إجلال وتقدير، ويعبر عن كون القضية الفلسطينية ليست قضية الفلسطينيين وحدهم أو العرب والمسلمين فقط ، وإنما هي قضية إنسانية عادلة، تذوب حولها الاختلافات العرقية والدينية والعقائدية والسياسية. إنها قضية كل شعوب العالم التواقين إلى الحرية والسلام . وفي الوقت الذي حقق فيه البرلمان الاسباني إجماعا بين أحزاب اليسار وأحزاب اليمين حول القضية الفلسطينية ، نلاحظ بأن البرلمان المغربي لم يصدر عنه موقف واضح بخصوص التعامل التجاري مع اسرائيل وذلك بسبب المزايدات السياسية بين الأحزاب . فقد سبق أن تقدمت أربع فرق برلمانية تنتمي إلى أحزاب العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية والأصالة والمعاصرة والاتحاد الاشتراكي، في شهر ديسمبر2013،بمقترح قانون مشترك يرمي إلى تجريم كافة أشكال التطبيع مع إسرائيل، لكن حزب الأصالة والمعاصرة،عاد وسحب دعمه للمقترح. مما تعذر الاستمرار في التشبث به خشية من عدم الحصول على نسبة الأصوات المطلوبة قانونا للمصادقة عليه من جهة ، ومن جهة أخرى بسبب ضغوط خارجية. وفي شهر نوفمبر من هذه السنة ، تقدمت أحزاب المعارضة وبالضبط حزب الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال وحزب الأصالة والمعاصرة بمقترح قانون يرمي إلى إدخال تعديل على قانون المالية لسنة 2015 " يمنع استيراد البضائع التي يعتبر أصلها أو مصدرها إسرائيل،كما يمنع تصدير البضائع إليها ". هذا المقترح لم يصادق عليه أعضاء لجنة المالية بمجلس النواببمن فيهم نواب حزب العدالة والتنمية الذين تعودوا منذ سنة 2002 على تقديم نفس المقترح لما كانوا في المعارضة. وخلال الجلسة العامة المخصصة للتصويت على مشروع قانون المالية ، تقدمت به المعارضة من جديد ، لكن الحكومة رفضته باللجوء إلى الفصل 79 من الدستور، وهو لجوء في غير محله من الناحية الدستورية ، حيث صرح الوزير المكلف بالميزانية خلال جلسة التصويت"أن الحكومة بصدد القيام بإجراءات تنظيمية لمعالجة هذا الأمر نهائيا، وأنها تحترم الاتفاقيات الدولية التي أبرمتها والتي تمنع إقامة مُعاملات تجارية مع إسرائيل". وعلى الرغم من ذلك، فقد كنا ننتظر من نواب الأمة اتخاذ موقف مخالف لتوجهالحكومة كما يحدث أحيانا في برلمانات الدول الديمقراطية . وختاما،أود أن أوجه رسالة لأعضاء البرلمان ،في أحزاب الأغلبية أو في أحزاب المعارضة، بأن القضية الفلسطينية عموما ، وقضية مناهضة التطبيع خصوصا، لا ينبغي أن تخضع لمزايدات سياسية . إنها قضية أسمى بأن تكون محل خلافات سياسية أو إيديولوجية أو حملات انتخابية خارج أسوار البرلمان . فرجاء ، حققوا الإجماع حول كل ما يخدم القضية الفلسطينية العادلة، كمثل ما حققه البرلمانيون الإسبان. -مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية [email protected]